لغتنا‭ ‬التي‭ ‬نخجل‭ ‬منها

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام

لا‭ ‬يحظى‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬باهتمام‭ ‬العرب‭ ‬أنفسهم،‭ ‬انّها‭ ‬مفارقة‭ ‬مُحزنة‭ ‬تلازم‭ ‬الأوضاع‭ ‬العربية‭ ‬ولعل‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬هوية‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬حال‭ ‬نكسات‭ ‬العرب‭ ‬اليوم‭.‬

‭ ‬نرى‭ ‬اقسام‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬تمر‭ ‬مروراً‭ ‬خفيفاً‭ ‬وعابراً‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬ومَن‭ ‬يُعنى‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬إمكانات‭ ‬قليلة،‭ ‬نراه‭ ‬وحيدا‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬فوضى‭ ‬التجاهل‭ ‬والتجهيل‭.‬

‭ ‬القضية‭ ‬ليست‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬أسرى‭ ‬المناسبات،‭ ‬فيعلو‭ ‬صوتُنا‭ ‬لنصرة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬فيها،‭ ‬وحين‭ ‬تمضي‭ ‬المناسبة‭ ‬نعود‭ ‬الى‭ ‬حالنا‭ ‬في‭ ‬اهمال‭ ‬هذا‭ ‬الركن‭ ‬الأساس‭ ‬من‭ ‬الهوية‭ ‬الذاتية‭ ‬للإنسان‭.‬

نحتاج‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬كله‭ ‬بجد‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬تقوية‭ ‬ارتباطنا‭ ‬باللغة،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬نحتفل‭ ‬بما‭ ‬انجزناه‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬المخصص‭ ‬للمناسبة‭.‬

لا‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬المنظور‭ ‬أي‭ ‬تنسيق‭ ‬بين‭ ‬المجامع‭ ‬العلمية‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬وأجهزة‭ ‬الاعلام‭ ‬والجامعات‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬عمل‭ ‬متكاتف‭ ‬للدفع‭ ‬بالقوانين‭ ‬لكي‭ ‬تركز‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالعربية‭. ‬هناك‭ ‬مجالات‭ ‬كثيرة،‭ ‬نستطيع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬نعلي‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬اللغة‭ ‬ونوسع‭ ‬دائرة‭ ‬انتشارها‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬

لا‭ ‬أدري‭ ‬لماذا‭ ‬يخجل‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬لغته‭ ‬ويعدها‭ ‬وسيلة‭ ‬كسيحة‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬خارج‭ ‬بلده‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يفاخر‭ ‬الفرنسي‭ ‬أو‭ ‬الإنكليزي‭ ‬بلغته‭ ‬ويجعلها‭ ‬تتصدر‭ ‬منتجاته‭ ‬الصناعية‭ ‬والتجارية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يلجأ‭ ‬المصنع‭ ‬العربي‭ ‬المصدّر‭ ‬للبضائع‭ ‬الى‭ ‬لغة‭ ‬عالمية‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬بضاعته،‭ ‬ويجهل‭ ‬انّ‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬العالمية‭ ‬الخامسة‭ ‬في‭ ‬تسلسل‭ ‬اللغات‭ ‬الحية‭ ‬الأكثر‭ ‬تداولاً‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬اذ‭ ‬يتحدث‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬وثلاثين‭ ‬مليون‭ ‬انسان‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬المعروفة‭ ‬وخارجها‭ ‬أيضاً،‭ ‬وهي‭ ‬صاحبة‭ ‬اكبر‭ ‬معجم‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬اللغوية‭ ‬وهي‭ ‬الأثرى‭ ‬في‭ ‬الاشتقاق‭ ‬والتوليد‭.‬

من‭ ‬حق‭ ‬الصناعي‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬يجبر‭ ‬الاخرين‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬النص‭ ‬الخاص‭ ‬بمواصفات‭ ‬المنتجات‭ ‬بالعربية،‭ ‬وأن‭ ‬يذهبوا‭ ‬الى‭ ‬ترجمة‭ ‬النص‭ ‬أو‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬النص‭ ‬الأجنبي‭ ‬المصاحب‭ ‬داخل‭ ‬العلبة‭. ‬لكن‭ ‬ان‭ ‬نتجاهل‭ ‬لغتنا‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬بضائعنا‭ ‬فتلك‭ ‬عقدة‭ ‬ونكسة‭.‬

‭ ‬في‭ ‬مدارسنا‭ ‬الابتدائية‭ ‬والثانوية،‭ ‬خطوات‭ ‬ضرورية‭ ‬لكنها‭ ‬غائبة‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬المحبة‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭. ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المهمة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬عملية‭ ‬إعداد‭ ‬معلمي‭ ‬ومدرسي‭ ‬العربية‭ ‬أمراً‭ ‬مهملاً،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يسعى‭ ‬للتطوير‭ ‬في‭ ‬الاستزادة‭ ‬بعلوم‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬علوم‭ ‬طرق‭ ‬تدريسها،‭ ‬فالمعلمون،‭ ‬في‭ ‬أغلبيتهم،‭ ‬لا‭ ‬تمتد‭ ‬أيديهم‭ ‬الى‭ ‬كتاب‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬مرتين،‭ ‬فمن‭ ‬أين‭ ‬تأتي‭ ‬الإضافة‭ ‬ويقبل‭ ‬التطوير‭ ‬والتحفيز‭ ‬الذاتي‭ ‬المنعكس‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬التلاميذ‭.‬

لا‭ ‬معنى‭ ‬لوجود‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬مستقبل‭ ‬لها‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نعتنِ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬والمعاهد‭ ‬والجامعات،‭ ‬اذ‭ ‬ليس‭ ‬لدينا‭ ‬أي‭ ‬ميدان‭ ‬آخر‭ ‬لتلك‭ ‬العناية‭.‬

fatihabdulsalam@hotmail.com

رئيس‭ ‬التحرير‭-‬الطبعة‭ ‬الدولية