لتكن مجالس إدارة وتخطّي الأزمات – خليل ابراهيم العبيدي
كلنا يعلم أن المتراكم من المشاكل في كل المحافظات ( بالا استثاء ) ينقسم إلى قسمين . الأول بلوغ التخلف الحضاري درجة باتت تهدد حياة المواطن في الصميم ، والثاني تراجع قييمي بات هو الآخر يهدد المجتمع في وحدته وتألفه . ولو أردنا أن نبحث في القسم الاول ، لوجد أي منا أن مدننا وقصباتها ، لا بل واحيائها صارت تنتمي إلى عالم ما قبل القرن العشرين ، وهذه ليست مبالغة بالقياس إلى التطور الذي وصلت إليه مدن حديثة ، أو العمران الذي عم حتى مدن الدول المجاورة الأقل قدرة بكثير على الاعمار لا من الناحية المادية ولا من الناحية الفنية التي يمتلكها العراق . والسبب مشخص وواضح يرتكز على عوامل ثلاثة .الأول ….أن مجالس المحافظات كانت مجالس سياسية لا مجالس إدارية كما نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون مجالس المحافظات غير المرتبطة بإقليم رقم 21 لسنة 2008 ومفادا أن مجلس المحافظة هو السلطة التشريعية والرقابية في المحافظة وله الحق في إصدار التشريعات المحلية بما يمكنه من إدارة شؤونها ،، وفق مبدأ اللامركزية الإدارية . وهنا يدور المفهوم على إدارة شؤونها ، والمقصود إدارة النفع العام من الاعمار إلى الاستثمار إلى اعادة بناء الإنسان ، أي الاهتمام بالخدمات البلدية ، الصحية ، التعليمية ، الثقافية ، العمرانية ، الزراعية ، الصناعية ، التجارية ، الاجتماعية ، وصولا إلى النواحي الترفيهية أسوة ببلديات العالم . غير أن المجالس في الدورات السابقة تحولت إلى مجالس سياسية عكست التناقضات الحزبية ونقلت امراض الحكومة الاتحادية إلى تلك المجالس ، وصارت حتى نهايتها مجالس مناكفات وتعاكسات أبعدت تلك التجربة عن أهدافها العامة .ثانيا….لم تختار الكتل السياسية ولا المواطن بالانتخاب العضو الصالح لتلك المجالس لا من الناحية العلمية ولا من الناحية الفنية ، بل كان الاختيار سياسيا بغض النظر عن أهمية العضو ودوره في إنقاذ المحافظة من واقعها المزري ، بل تم اضافة المزيد من التراجع على واقع كل المحافظات.ثالثا ….خروج عضو مجلس المحافظة عن مهمته وتحوله لأسباب كثيرة منها خدمة الكتلة أو الحزب ومنها الجنوح نحو السيطرة والاستمكان من الحصول على المنافع الذاتية ، وصار العضو يلعب دورا عابثا لا منقذا .
تجاوز الاعراف
وانغمس هذا في الفساد وجنج ذاك نحو الملذات ، وهكذا فشلت التجربة التي كانت كفيلة بأن تنقذ المحافظات . أما القسم الثاني فقد تبلور فيه السلوك العام للفرد والعشيرة والمجتمع إلى سلوك تجاوز الأعراف والتقاليد لا بل حتى عاداتنا القائمة على الحفاظ على ما هو اصيل ، وقد تراجعت قييمنا بالمجمل نحو استساغة الاستعهانة بالبلد والخروج على قوانينه من خلال تغليب النزعة الفردية على نزعة المجتمع وصار الفرد يتصرف وفقا لاهوائه دون خوف أو وجل ، فهذا يسرق المال العام دون اعتراض لا من الأهل ولا من الأعمام ، وذاك يقتل لأتفه الأسباب دون خوف من قانون أو عقاب ، وثالث يروج للسموم والمخدرات ، ورابع يزور الشهادة ويحصل على الدرجة العلمية والالقاب ، وخامس وسادس والقائمة تطول ، والسبب يعود إلى تراجع القدوة عن دوره القيادي والنموذج المترفع ، أو تجاوز العوائل ومن قبلها العشائر على القانون والعودة إلى حسم المشاكل بالتقاليد ولفصول ، لا بالعودة إلى القضاء والأصول . ولم تلتفت لا الحكومات المتعاقبة ولا مجالس المحافظات إلى هذا الكم الهائل من الجنوح والمخالفات ، بل والبعض من اعضائها صار طرفا مخربا للوحدة المجتمعية ، وتقابلت العشائر على مرأئ من جميع السلطات بالسلاح الخفيف والمتوسط وحتى الثقيل وصارت المحافظات الوسطى والجنوبية وقبلها العاصمة بغداد مسرحا للمعارك وعلى اتفه الأسباب ، أن ما تقدمنا به لا يمثل إلا جزءا يسيرا من الجنوح العام ، والسبب أن الجميع صار عدوا للدولة وأضعف هيبتها ، فلم تعد للمجالس تلك القدرة على ضبط إيقاع المجتمع ، ولم تعد الدولة بقادرة على تمكين هذه المجالس ومن قبلها ضبط قدرتها على السيطرة والتحكم والتوجيه . والحل بيد المجالس الحالية ، فلها أن تبدأ بالتغيير الجدي لدورها في قيادة الشارع عن طريق تقديم كل ما هو مقنع من منجز أمني وخدمي ، ومنها حسب رأينا يبدأ الإسناد الحقيقي للحكومة المركزية .أن المجالس بعد كل ما تقدمت به من برامج ، صارت اليوم الامل الذي يرجوه المواطن للبدء بالتحول النوعي نحو الأحسن وهو مطلب كل مواطن غيور على عراقه الحبيب …..