لبنان و7 أيار جديدة – اورنيلا سكر

لبنان و7 أيار جديدة – اورنيلا سكر

ما حصل بالأمس، على خلفية كمين استهدف الجيش اللبناني أثناء الكشف على مخزن أسلحة يراد تفكيك محتوياته في وادي زبقين، يحمل في طياته ملامح مشابهة لحادثة 7 أيار 2008. في ذلك العام، أقرت الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة تفكيك شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، وأقالت رئيس جهاز أمن مطار بيروت العميد وفيق شقير بدعوى ارتباطه بالحزب، وهو ما اعتبره الحزب بمثابة قرارين يهدفان إلى إعلان الحرب عليه، واصفًا الخطوة بأنها اعتداء على بنيته الدفاعية في مواجهة إسرائيل.

اليوم، تتكرر صورة مشابهة مع محاولة تفكيك الترسانة العسكرية للحزب، بما يحمله الأمر من أبعاد أمنية ذات طابع «فتنة طائفية»، قد تؤدي  وفق تقديرات بعض المراقبين  إلى صدام بين الجيش اللبناني وحزب الله، ما يضع لبنان أمام احتمالية اضطرابات داخلية على غرار أزمات تاريخية سابقة، مثل أحداث منتصف خمسينيات القرن الماضي، حين تداخل البعد الإقليمي مع الانقسام الداخلي حول هوية لبنان ودوره.

لكن السياق الراهن يختلف من حيث طبيعة الصراع؛ إذ انتقل من شعارات قومية وعروبية إلى مسارات مرتبطة بالتطبيع والتحالفات الإقليمية الجديدة. كما انتقل مركز النفوذ، بحسب محللين، من معادلة يغلب عليها الطابع الشيعي إلى أخرى تشهد صعودًا للدور السني، في إطار ما يوصف بـ»مشروع الشرق الأوسط الجديد» الذي يُربط بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية، ويهدف  كما يراه بعض الخبراء  إلى الدفع نحو التطبيع وفتح مجالات استثمارية واقتصادية. هذه الرؤية بدأت ملامحها بالظهور من خلال النشاط الإعلامي السعودي في سوريا، الذي يقدم دمشق كنموذج اقتصادي بالتنسيق مع فرنسا، الداعمة لحل الدولتين في فلسطين. ويضع هذا التصور حركتي حماس وحزب الله في موقع المسؤولية المباشرة عن أي فشل محتمل، بما قد يحرف الصراع من كونه مواجهة مع السياسات الإسرائيلية، بما فيها الإبادة الجماعية وأدوات الحصار  عبر سلاح التجويع ، إلى كونه حربًا على «الإرهاب» والجماعات غير النظامية.

وفي هذا السياق، جاءت زيارة المبعوث الأمريكي إلى لبنان، توم باراك، برسالة مفادها أنه لا ضمانات واضحة تتعلق بسلوك إسرائيل، وأن على الحكومة اللبنانية معالجة مسألة حصرية السلاح دون ربطها بضمانات متبادلة. ويرى مراقبون أن هذا الموقف يجعل لبنان أكثر عرضة لاحتمالات التقسيم أو التصعيد الطائفي. ومن منظور أوسع، فإن حزب الله لن ينتهي عسكريًا بسهولة؛ إذ أن التجارب التاريخية تشير إلى أن التدخلات الخارجية لا تحل الإشكالات الجذرية، بل غالبًا ما تزيدها تعقيدًا. المطلوب اليوم، وفق بعض التحليلات، هو إضعاف الحزب على الساحة الداخلية، مع الإبقاء على حضوره كأداة ضمن حسابات الصراع الإقليمي، خصوصًا أن إيران لا تزال فاعلًا مركزيًا، وطرق الإمداد والتمويل ما زالت قائمة عبر الوضع غير المستقر في كلٍّ من سوريا ولبنان.

بحسب تقديرات صادرة عن معهد الدراسات الأمنية في تل أبيب ومراكز بحثية أخرى، يمتلك الحزب عشرات الآلاف من الصواريخ والذخائر الميدانية المخزنة في مواقع متحركة وسرية، ما يجعل القضاء عليه عسكريًا مهمة شديدة التعقيد رغم القدرات الجوية الإسرائيلية. هذه الترسانة تمنحه قدرة ردع أساسية ومساحة مناورة واسعة.

إضافة إلى ذلك، يتمتع الحزب بشبكة داخلية واسعة تشمل قاعدة شعبية منظمة، ومؤسسات اجتماعية، وتمثيلًا برلمانيًا، وتحالفات سياسية، مما يجعل أي حل عسكري منفرد مكلفًا سياسيًا واجتماعيًا.

وعليه، فإن العملية التي استهدفت الجيش اللبناني، رغم خطورتها، من غير المرجح أن تدفع الحزب إلى مواجهة مباشرة مع الدولة أو الجيش، نظرًا لغياب المصلحة المباشرة في إشعال نزاع داخلي. ويشير خبراء إلى أن الحزب يفضّل استثمار المواقف والأحداث لتعزيز صورته كمستهدف خارجي، والالتزام في خطابه على الأقل  بالقرارات الدولية، ولا سيما القرار 1701.

من المرجح أن يبقى حزب الله حاضرًا عسكريًا، لكن قد يتجه إلى تعديل حجم ونوع ترسانته، بحيث تُستخدم كأداة ضغط إقليمية أو كقوة احتياطية في حال تجدد الصراع الإيراني-الإسرائيلي.

 وفي ظل المشهد الراهن، يمكن القول إن سلاح الحزب لا يزال يتمتع بوزن إقليمي ودولي وحاضنة داخلية، مع احتمال توظيفه في إطار التنافس الإيراني-السعودي في لبنان، ما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات الطائفية في مناطق مثل بيروت وطرابلس والبقاع، ويغذي خطابًا إعلاميًا تعبويًا يعزز الانقسام المذهبي، ويضع البلاد أمام معادلة ردع جديدة… والسؤال يبقى: هل ستكون هذه المعادلة لصالح الحزب أم على حسابه؟

مشاركة