لا نزال الأقوي لكننا نعاني الركود

لا نزال الأقوي لكننا نعاني الركود
ارنو دي بورشغراف
ترجمة: بشار عبدالله
من التراب وإلي التراب، لم تعد هناك قوة عالمية وحيدة. هذا ما يقوله زبيغنيو بريجنسكي، المنافس الوحيد لهنري كيسنجر في قاعة الشهرة الجيوسياسية الأمريكية المعاصرة.
لقرون عدة، طغت علي المشهدين العالميين البري والبحري قوة واحدة- مثال ذلك البرتغال، واسبانيا، وبريطانيا العظمي، ثم الولايات المتحدة التي لم تدم طويلا هيمنتها التي أرادتها علي العالم.
بني هتلر الامبراطورية الألمانية ذات الألف عام في ست سنوات- ثم سحقت في ست سنوات »الحرب العالمية الثانية 1939ــ1945«. وصمدت امبراطورية ستالين الدموية مدة أطول بقليل قياسا بساعة التاريخ. وبعد هزيمة الكرملين والانسحاب من أفغانستان في شباط/ فبراير من العام 1989، أسدل الستار الحديدي عليها، واستعادت المستعمرات الأوربية الشرقية حريتها.
المعرض: المقاتل الأمريكي في ليبيا
في كتابه العشرين “الرؤية الاستراتيجية – أمريكا وأزمة السلطة العالمية” الذي يعده كثيرون من افضل ما تطرق للموضوع الجيوسياسي، يقول زد بيغ كما هو معروف بالاسم عالميا: ” بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، رأينا ظهور قوة فردية- هي الولايات المتحدة. وساد كثيرين اعتقاد بأن هذه القوة مختارة من الله، ومفوضة من التاريخ لتكون القوة الوحيدة المهيمنة علي العالم.
وقال في اثناء حضوره لمأدبة غداء في نادي المرأة الوطني الديمقراطي ” وها نحن هنا الآن، بعد عقدين من الزمن، لم نعد القوة الأبرز، إننا لا نتراجع، كما يوحي البعض، ولكننا لم نعد نحظي باحترام العالم، وها نحن نقرأ باستمرار ان الصين ستحل محل الولايات المتحدة في وقت قريب، في فسحة بين 2016 و 2018″ ? أي بعد أربع إلي ست سنوات من الآن.
ويشير بريجنسكي، المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلي أنه” لا توجد دولة واحدة مهيمنة علي العالم، ونحن ما زلنا الأقوي، لكن مجتمعنا يعاني ركودا مستمرا. فقد بددنا لتونا 1.5 تريليون دولار في حربين مكلفتين لا لزوم لهما، وكلتا الحربين في الدم والمال، لم يكن لهما ما يبررهما فضلا عن أنهما بالنتيجة حربان خاسرتان تماما”. ويضيف أن “العواقب سجلت تدهورا كبيرا لمكانة أمريكا في العالم مقارنة بالمكانة التي كانت عليها في العقد الأخير من القرن العشرين، حيث نزع الشرعية التدريج من مصداقية الرئاسة الأمريكية وبالتالي مصداقيتها الوطنية أيضا، فضلا عن انحسار كبير في رقعة تطابق حلفاء أمريكا مع الأمن القومي الأمريكي. “
في هذه الأثناء، يشير مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر الي أن ” بنيتنا التحتية قديمة وبالية. أما في أوربا واليابان فإن القطارات فائقة السرعة تربط المدن الرئيسية ببعضها البعض ربطا مريحا. وهنا نستدعي »أسيللا« قطارنا السريع- الذي جري بناؤه ليكون بسرعة 150 ميلا في الساعة لكنه لم يقترب من تحقيق تلك السرعة بسبب عجز الأرصفة عن استيعابه. إن مجرد النظر من النافذة لا يمكن أن يقدم مرتسما عن مستقبل دولة ما، لكنها قادرة علي تقديم مشاهد تذكرنا ببلد من بلدان العالم الثالث. “
معوقات رئيسية أخري في الولايات المتحدة كما يراها بريجنسكي:
تهيمن علي النظام المالي المغلوط في الولايات المتحدة جماعات المصالح الخاصة التي تفرخ فجوة كبيرة تتسع علي الدوام بين الدخول.
إن للولايات المتحدة نظاماً سياسياً مكتظاً، يعتمد علي المال، وهو ما يعني أنه نظام قابل للبيع.
أما نظام التعليم في الولايات المتحدة فهو براق- الجزء العلوي منه يحتضن أفضل ما في العالم. لكن مستواه الوسطي سيئ للغاية، إذ يقترب من أسفل السلم العالمي.
أما لماذا لم تعد تحظي الولايات المتحدة باحترام العالم كما كانت عليه عندما خرجت منتصرة من صراع الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي فهو سؤال يصعب الاجابة عنه لصعوبة فهم واقع الحال. لكن الولايات المتحدة ما تزال أغني دولة في العالم، تتمتع بالابتكار، ولديها فائض من الطاقة الوطنية، التي ما يزال ممكنا تسخيرها، وتوجيهها بالاتجاه الصحيح. كما يمكن للولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة في مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة ولديها ما يلزم لتنشيط القوي الغربية عبر مضافرة الجهود.
وواقع الأمر أن الولايات المتحدة تشعر برعب من التطرف الإسلامي. ولكن الحل، كما يقول بريجنسكي، يكمن في تركيا، البلد الذي يصل تعداد سكانه إلي نحو ثمانين مليون نسمة وهو مع ذلك ” بلد إسلامي لكنه غاية في الحداثة. ووجود تركيا في أوروبا، يقدم مثالا للدولة الديمقراطية الرشيدة روحيا وهي قريبة من الغرب”.
ويري بريجنسكي أن علي الولايات المتحدة توسيع الغرب من خلال دمج روسيا به. لقد فقد قادة الولايات المتحدة القارب في نهاية الحرب الباردة عندما كان بعض أبرز مقاتلي الحرب الباردة يقولون علنا انه حان الوقت لدعوة روسيا الجديدة للانضمام الي حلف شمال الاطلسي، الذي من شأنه لو كان تحقق أن يجبر قادة روسيا الجديدة علي اختيار الغرب الديمقراطي. من ناحيته يود فلاديمير بوتين إنشاء اتحاد أوراسي، كما يقول بريجنسكي، يتألف من دول سابقة في الاتحاد السوفييتي ولكن عددا من هذه الدول قد حسمت أمرها بعدم العودة إلي أي اتحاد يسيطر عليه رجال الكرملين.
واما مأخذه علي أعمال الشغب “الشعبوية” في العالم العربي فهو أن هذه الأعمال سببها إلي حد كبير يعود إلي “عدم المساواة”. وهذه برأيه لا تمثل ربيعا عربيا. فالحرب الأهلية في سوريا، وأعمال الشغب في مصر، وسفك الدماء بين القبائل في ليبيا، كلها تشير إلي مزيد من الاضطراب السياسي في المقبل من السنوات.
أما تشويه سمعة الصين فهدفه ببساطة، كما يقول بريجنسكي، دعوة قادة الصين لإعادة بناء سمعة صورة الولايات المتحدة التي أصابها التشويه. إن للولايات المتحدة شبكة من الترابط المتبادل في كثير من المجالات وسحب قيادة الصين الي شبكة من المصالح المتبادلة مع الولايات المتحدة من شأنه أن يسفر عن دلالة جيوسياسية بدلا من دلالة المواجهة.
إن أي هجوم اسرائيلي علي ايران سيكون، كما يقول بريجنسكي، كارثة تامة بكل المقاييس علي الولايات المتحدة أكثر منها علي اسرائيل نفسها في المدي القصيركما ستكون كارثة أساسية علي إسرائيل في المدي البعيد.
فمثل هكذا هجوم من شانه أن يؤدي إلي صدام مع الولايات المتحدة ويجعل مهمتنا في أفغانستان مستحيلة. من شان هجوم كهذا أن يشعل النيران في الخليج العربي، ويرفع من أسعار النفط إلي ثلاثة أضعاف أو أربعة. وبالتالي فإن الأمريكيين الذين يدفعون اليوم أربعة دولارات للغالون الواحد، سيكون عليهم دفع 12 دولارا أو أكثر بقفزة واحدة في الأسعار.
وستكون علي أوربا أكثر تبعية واعتمادية علي النفط الروسي مما هي عليه الآن فعليا. تري إذا حصل ذلك كله، ما ستكون مصلحة الولايات المتحدة فيه؟
المصدر: صحيفة يو بي آي
/2/2012 Issue 4125 – Date 18- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4125 – التاريخ 18/2/2012
AZP07