لا مقارنة بين العراق ولبنان

د. فاتح عبدالسلام

بالرغم من وجود قرائن، سيئة طبعاً وليست حسنة، بين الوضع العراقي والوضع اللبناني إلا انّ من الصعب الميل الى عقد مقارنات توحي بإمكانية التناقل بين مقتربات الحلول والوساطات الدولية للتجربتين بغية الخروج من مستنقع الاوضاع المأساوية في البلدين .

اليوم حين عاد الرئيس الفرنسي الى بيروت في زيارة ثانية بعد زيارته التاريخية الاولى عقب انفجار مرفأ بيروت مباشرة، باشر من دون مقدمات بتفقد نتائج ما عرضه على القوى السياسية من مطالب محددة في اصلاح الاوضاع وإلاّ انزلق لبنان، كما قال وزير خارجيته، الى حرب أهلية، ستكون نتيجة لتفسخ الاوضاع المعيشية ومحاولة القوي أكل الضعيف في استعادة غبية لتاريخ أسود أحال ذات يوم البلد الى خراب.

يأتي ماكرون الى العراق فلا وقع لزيارته كما كانت لدى لبنان، لا وقع لزيارة أحد في بغداد مطلقاً بعد أن استشرى ذلك التعاطي الفج مع السياسة. إنّهم يسمعون الكلام من أذن ويخرجونه من الأخرى بعد دقائق.

قبل أن تحط قدما ماكرون ارض مطار بيروت، كانت القوى قد اتفقت على رئيس حكومة جديد في أسرع عملية تكليف وزاري يعرفها لبنان منذ عقدين، وهو مطلب أولي بسيط تريد فرنسا رؤية ما خلفه من تعاط مباشر مع خطة اصلاح تُبنى على أساس وطني مع نبذ النظام الطائفي الذي استنكره زعماء لبنانيون في خلال الأيام الثلاثة الاخيرة ، وما كانوا ليتحدّثوا بهذا الحديث قبل شهرين .

فرنسا أظهرت نفسها أنَّها الراعي الأساس للبنان، وانَّها ستحميه وتقويه وتعيد بناء اقتصاده وتصلح منظومة صلاته الدولية بما يعود عليه بالنفع والتقدم، وهي تنفذ ما تعد به، لكنها تنتظر التجاوب السياسي اللبناني في اصلاح الحال جذرياً.

في العراق، يوجد تناحر سياسي وانقسامات وصلت للبنية الاجتماعية أحياناً، وتسارع الخُطى نحو المجهول وسط عجز تام من قوى وصلت، بعد ما يقرب من عقدين الى مستوى العقم ، فلم تعد لديها امكانية أن تقدم خدمة وطنية لأنَّ تراكيبها السياسية والداخلية أقيمت في الأصل ثمَّ تعاطت السياسة والحكم على أسس التقاسم الطائفي وفكرة الاستحواذ والغنيمة مع عدم الاحساس بالمسؤولية، فيما لو انزلق البلد الى الهاوية التي يقف منذ سنوات عند حافتها متأرجحاً.

وفي الوقت ذاته أمام هذا الوضع العراقي المقلق لا يوجد ذلك الراعي الذي يتعهد أن يبني ويستثمر ويعمر مقابل اصلاح داخلي جوهري ، حتى يخال المراقب انَّ ذلك الاصلاح ليس مطلباً دولياً لحال العراق كما هو مطلب لحال لبنان .

بمعنى آخر، انَّ لبنان برغم حاله السيء، فإنّه توجد فرصة ليكون له راع يصغي الفرقاء الى كلمته. أمّا العراق فحاله مختلف تماماً، لذلك نستشعر الخطر وقد تسلل اليه مجدداً عبر أكثر من باب ولم يعد واقفاً عند العتبة.

رئيس التحرير-الطبعة الدولية

fatihabdulsalam@hotmail.com

مشاركة