لا ديمقراطية بلا معارضة
حسن عاتي الطائي
لم يستطع حزب عربي ( قومي أوأسلامي ) قبل أحداث الربيع العربي الوصول الى سدة الحكم في أي قطر من أقطار وطننا الكبير إلا عبر انقلاب عسكري يقوم به ضباط قوميون أوإسلاميون وليس عن طريق الانتخابات في ظل أنظمة ديمقراطية منتخبة بسبب تسلط النظم الحاكمة واستبدادها وقمعها وإقصائها المزمن للقوى السياسية المعارضة ـ ان تهميش وقمع تلك الأنظمة العربية الدكتاتورية للأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية المعارضة لها قد عرض تلك الأحزاب للتفكك والضعف ومنعها من التطور وحال دون امتلاكها لقاعدة جماهيرية مؤثرة إلا في أضيق الحدود مما حولها إلى قيادات دون قواعد وأسماء دون مسميات لا تأثير لها على مجريات الحياة العامة في المجتمع – ونتيجة لكل ذلك فقد لجأت تلك الأحزاب الى اختصار الطريق الى السلطة وتسلمها بالقوة المسلحة عن طريق القيام بانقلابات عسكرية في عدد من الأقطار العربية مثل (مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان وموريتانيا وتونس وغيرها ) والتي ما أن قبضت على مقاليد الحكم حتى تمسكت به بقوة رافضة إشراك قوى المعارضة التي كانت جزءا منها ليس في الحكم وحسب وإنما في ممارسة العمل السياسي ايضا وأصبحت الأنظمة التي اقامتها تلك الأحزاب انظمة دكتاتورية قمعية أشد قسوة وبطشا من الأنظمة الملكية أوالجمهورية التي ثارت عليها واتهمتها بالرجعية والديكتاتورية وأسقطتها بالقوة – أما اليوم وبعد سقوط حواجز الخوف والاستبداد والإقصاء والتي اقامتها المنظمة الشمولية الظالمة وانتشار مبادئ الديمقراطية في كل مكان من أركان الأرض وتلاش الكثير من أنظمة الحكم الدكتاتوري في الوطن العربي أمام زحف الجماهير الغاضبة وإصرارها على الثورة والتغيير فان وجود معارضة قوية سياسية فعالة الى جانب أي حزب حاكم في أي قطر عربي ضمان أكيد لعدم إنتاج الدكتاتورية مرة أخرى ولكي يبقى المسار الديمقراطي سائرا في طريقه الصحيح دون انحراف أواعوجاج – إن وجود معارضة قوية عبر حزب من الأحزاب أوكتلة من الكتل بكل ما تعنيه وترمز إليه كلمة المعارضة من معان ودلالات سيعطي للتحول الديمقراطي حيوية سياسية فائقة وزخما كبيرا لجهة تجذير الديمقراطية واعتبارها من الحقائق التي لا تقبل النقض أوالرفض أوالأنقلاب عليها . وبدون وجود حقيقي لتلك المعارضة القوية فان الحركة السياسية ستكون بائسة وغير قادرة على القيام بواجبها على أتم وجه على المستوى الوطني وستبدوالديمقراطية وكأنها مجرد لافتة يرفعها ويتستر بها الحزب الحاكم وستخلوالساحة له يفعل بها ما يشاء دون أن يخشى مراقبة أوحسابا – ان المعارضة القوية صمام أمان لحماية المسيرة الديمقراطية الناشئة وتقليص مساحة التسلط السياسي والأستئثار بالسلطة من قبل أي حزب حاكم إضافة إلى كبح جماح الفساد بشتى صورة من خلال التأكيد على أن العمل السياسي هوخدمة وطنية وليس وسيلة للجاه أوالنفوذ أوالإثراء غير المشروع – ان المعارضة الوطنية الصادقة التي لا تتصيد الأخطاء والهفوات التي لا بد من وقوعها اثناء ممارسة العمل التنفيذي والتي لا تتخذ من التشهير اوالأنتقام وسيلة للتخلص من خصومها السياسيين أوتشويه سمعتهم ستكون سعيدة حين يكون الى جانبها حكومة منتخبة قوية تؤدي واجبها الوطني بكفاءة ونزاهة لأن ذلك سيخلق جوا مفعما بالتفاهم والثقة يدفع باتجاه إدارة حوار شفاف بين الجانبين كلما كان المناخ ملبدا بالغيوم السياسية مما يسهل عملية البناء السياسي والأجتماعي ويضمن آلية الأنتقال السلمي للسلطة بعد كل انتخابات حرة ونزيهة مما سيقوي الأتجاه نحوتشييد مجتمع ديمقراطي حر ودولة مدنية ديمقراطية حديثة .
ان المهمة الأساسية للمعارضة الناجحة هي تقويم الحركة السياسية ومراقبة عمل الحكومة المنتخبة داخليا وخارجيا وعدم السماح لها بالخروج عن برنامجها الأنتخابي إلا لما هوفيه الخير للصالح العام ومحاسبتها في حال الأخلال بواجبها ونزع الثقة عنها من خلال التصويت على اقالتها داخل البرلمان مما سيدفع الحكومة التي تشعر أنها مراقبة بدقة ليس من قبل المعارضة فقط وإنما أيضا من القوى الشعبية الموجودة في النقابات العمالية والاتحادات الفلاحية والنسائية والطلابية والمنظمات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها بما في ذلك جماهير الحزب الحاكم نفسه .
الى تقديم أفضل ما لديها من أداء سياسي وخدمات وانجازات ومكاسب في مختلف الميادين لسحب البساط من تحت أقدام المعارضة التي تحصي عليها الأنفاس والخطوات والهفوات. إن وجود حكومة ديمقراطية قوية ومعارضة تتمتع بالقدرة والتأثير ضرورة وطنية ثقائمة بذاتها في هذه اللحظات التأريخية الفارقة التي يمر بها الوطن لكي يكون الطريق إلى الديمقراطية سالكا ومن أجل أن ينهض العراق ويزدهر ويبقى عصيا على الفرقة والأنقسام .