لا جدوى من الإنتخابات بدون شروط مهنية للمرشحين – رياض عبد الكريم

في خضم صراع الأحزاب والإئتلافات المتنافسة

لا جدوى من الإنتخابات بدون شروط مهنية للمرشحين – رياض عبد الكريم

اذا اردنا ان نحقق برلمانا قويا منتجا ووطنيا  لامحالة ، فأن اعادة النظر في قانون الانتخابات لايكفي ابدا مالم يعاد النظر كليا وجذريا بشروط الترشيح ، ذلك ان تجارب الانتخابات السابقة قد اثبتت فشلها في تحقيق النجاح الذي يلبي طموحات الشعب ويعبر عن روح الدولة الديمقراطية التي تتمتع بالشفافية وتراعي كل مانص عليه الدستور ، والسبب هو ذلك الخلل الكبير في شروط الترشيح الذي سمح واجاز للبعض الكثير من الفوز والوصول الى مقعد البرلمان بدون المؤهلات والقدرات التي يجب توفرها في المرشح لكي يصل الى اهم مؤسسة تشريعية في البلد يبنى على اساس عملها ونشاطها كيان الدولة العراقية ، وفي ممارسات الكثير من برلمانات العالم وقبل بدء الانتخابات تشكل لجان عديدة ومتنوعة الاختصصات وفيها الكثير من الخبرات والتخصصات حتى من خارج البرلمان او الجهة التي تعد وتشرف على الانتخابات مهمتها تنحصر في مراجعة السير الذاتية للمرشحين وشهاداتهم العلمية وممارساتهم لطبيعة الاختصاص بل وتحبذ التوصيات التي حصل عليها المرشح من المؤسسات التي عمل بها وتنتهي هذه المهمة بأجراء مقابلات شخصية مع المرشحين للتعرف على قدرات المرشح كلاميا وطريقة التعبير ودراسة الوضع السيكولوجي للمرشح .

هذه المواصفات قد تبدو غريبة للبعض ، ذلك لأن واقع الحال قد ابتعد كليا عن هذه الممارسات ، وايضا لأن من نظم وخطط وبرمج هذه الممارسة لم يكن بالمستوى المطلوب ، بل لم يكن لديه اي اطلاع حول معنى واهمية وطبيعة هذه الممارسة ، والسؤال الاهم الذي يطرح في هذا المجال هو : ماهي خبرة وتخصص اعضاء مفوضية الانتخابات وماهي مديات استيعابهم لكل التفاصيل التي ذكرتها اعلاه ؟ سؤال اكيد سوف لن نجد الاجابة عليه ! ! ولاسباب معروفة ، ولكن هذا لايعني ان يبقى الحال عاجزا عن التطور والاستيعاب وتفهم الامور ، لان في ذلك مساس بمصلحة الدولة والبلد ومسؤلية كبرى يتحملها من لايعي هذه المفردات بالسماح لاناس يأتون لتمثيل الشعب وهم لايعرفون شياً عن مهامهم وواجباتهم والدليل ان علاقة المرشحين تبدأ مع الشعب قبل الانتخابات ولكنها تنتهي مباشرة بعد الانتخابات الا من بعض الممارسات البسيطة التي يؤديها هذا النائب او ذاك ولا تتعدى حدود الوعود الفارغة .

 ولكي لا اكون افلاطونيا ، فانني اطمح ان نبدأ وان كانت بداية متأخرة في الشروع بخطوات جدية وثورية في عملية الاصلاح التي هي جزء من مسؤولية وطنية شريفة تحتمها علينا قيمة الانتماء العراقي وشرف المواطنة الحرة الكريمة ، لذلك اقترح دراسة الشروط التالية للترشح للبرلمان  واقتراح بعض المهام والنشاطات لعمل اعضاء البرلمان التي غابت كليا في الدورات السابقة :

شروط  ليست تعجيزية

–  ان يحمل المرشح شهادة جامعية كحد ادنى او ان تكون بنسبة 80 بالمئة  جامعية فما فوق و20 بالمئة اعدادية .

–   لايسمح بتكرار الترشيح لمرة ثانية ، والاكتفاء بدورة واحدة فقط للمرشح حتى يمكن ان تجدد الكفاءات وتعطى فرص متكافئة للاخرين.

واقع الحال

– ان يقلل عدد الاعضاء الى النصف وان يكون التمثيل لكل  200 الف مواطن بدلا من الـ  100 الف ، وفي واقع الحال لاتوجد هناك اى ضرورة لهذا العدد سوى لارضاء الكتل والاحزاب السياسية على وفق المحاصصة المقيته التي استنزفت موارد الدولة والشعب ، ولو تجري مراجعة سريعة لمعظم برلمانات العالم لأتضح ان عدد الاعضاء لمعظم هذه البرلمانات اقل بكثير من عدد اعضاء البرلمان العراقي بالرغم من ان عدد سكان تلك الدول ضعف عدد سكان العراق .

ـ ان تقلل رواتب الاعضاء الى النصف ، او ان تدرس رواتب بعض البرلمانات المشابهة لظروف العراق ويجري الاخذ بها وفي ذلك جزء من عملية ضغط النفقات المطلوبة في ورقة الاصلاح .

–  الغاء جميع الامتيازات الاخرى والمخصصات الاضافية.

–  تخصيص سيارة واحدة لكل عضو مع مرافقين اثنين فقط.

–  تقديم شهادة عدم محكومية وحسن السلوك .

–  دراسة السيرة المهنية بكل دقة ومعرفة قدرات المرشح المهنية والتخصصية  ، وحبذا لو تشكل لجنة من ذوي الاختصاصات لدراسة تلك السيرة وابداء الرأي الصريح في مدى قبول ترشيحه من عدمه.

–  توازن تنوع الاختصاصات بموجب حاجات عمل البرلمان ، وهذه فقرة مهمة يمكن ان تدرس من قبل اللجنة المختصة ، اذ لو استعرضنا كل تخصصات اعضاء البرلمان لوجدنا ان هناك الكثير من الاختصاصات المتشابهة في حين يوجد عجز في الاختصاصات الاخرى مما يضعف عمل اللجان البرلمانية او ان يجري وضع النواب في لجان ليست من اختصاصهم.

–  تفعيل عمل لجنة تقييم الاداء والزامها بقديم تقرير مفصل كل ثلاثة اشهر حول اداء الاعضاء مع التأكيد على تأشير السلبيات والايجابيات .

–  تشكيل لجنة في البرلمان بأسم لجنة التظاهرات مهامها ان تنزل للشارع عندما تقتضي الضرورة للاستماع الى مطالب الجماهير وتقدم رأيا سديدا لا انحيازا فيه، وهذا جزء اساسي من مهام النواب طالما هم ممثلي الشعب ، وعليهم ان يستمعوا الى مطالبه وان يتفهموا ويتعاطفوا مع تلك المطالب ، وللاسف الشديد لم يحصل ذلك، بل ظهر في وسائل الاعلام ولمرات عديدة بعض النواب وهم يدينون هذه التظاهرات ويصفونها بأسوء الكلمات ، دون الاخذ بنظر الاعتبار ومن باب اللياقة الادبية والانسانية تذكرهم بأن قسم كبير من المتظاهرين هم من صوتوا لهذا النائب او ذاك .

–  تنشيط العمل الرقابي وجعله من اولويات مهام اللجان وان يكون لكل اللجان حضورا في كل مؤسسات الدولة للاطلاع على سير عملها والمظالم التي يتعرض اليها المواطنين، سيما وان كل البرلمانات السابقة لم تقم بهذه الممارسة ، وان جرى بعضا منها انما جرت لاسباب شخصية وسياسية الهدف منها مجرد توجيه التهم التي تختفي من ورائها اهداف ومصالح .

– واخيرا وليس اخر يطالب كل عضو بتقديم تقرير شهري الى رئاسة البرلمان عن واقع حال منطقته التي ترشح عنها ويثبت فيه تواجده وتعايشه مع ابناء منطقته، متضمنا كشفا لواقع حال المنطقة ومعاناة سكانها وحاجيات تلك المناطق الى الخدمات .

بالاضافة الى تأطير مظالم وشكاوى المواطنين وتقديمه الى رئاسة البرلمان لرفعها الى الجهات المختصة .

– وازاء كل ذلك على رئاسة البرلمان، ان تضيف الى لجانها لجنة مهمة معنية بمتابعة كل القضايا والشكاوى والمظالم التي تحال الى الاجهزة الحكومية ، وتكون مطالبة برفع تقرير شهري على ماتحقق او لم ينتحقق .

افكاريمكن

 ان تحقق الطموح

هذه الافكار قد تفتح الطريق امام مسيرة تتصف بالجدية والتوجه الفعلي لانجاح الاصلاحات ، وقد تكون بداية لعمل اوسع على الصعيد الحكومي في اختيار الكفاءات الحقيقية المتمرسة في العمل من حملة الشهادات الجامعية والشهادات العليا لأن تحتل المواقع التنفيذية المهمة في الحكومة والدولة ، وبذلك نخلق حالة من التوازن بين كفاءة البرلمان وكفاءة الحكومة ، الامر الذي سيوصل حتما الى منتج جيد وواقعي على صعيد الانجاز الوطني الذي يعزز قدرة العراق وتقدمه في مسيرة الاصلاح والبناء والرقي .

فبعد مسيرة عقدين من الزمن من عمر ما سمي بالعراق الجديد، لم تكن وللاسف صورته مشرقة كما توقعنا وتأملنا ، فقد طغى على المشهد العراقي الكثير من الارهاصات والتشظي والتفكك ، دون اي فعل واقعي وجدي للتصدي لهذه الاشكالات وكأن الكل غير معني بما يحصل في العراق ، تناحرات سياسية ، محاصصة حزبية ، فساد مستشري ، تهميش للكفاءات ، بطالة منتشرة ، تدهور في معظم قطاعات الدولة ، مزاجيات في التعينات ،  وانعدام الخدمات، وامور اخرى عديدة ، كلها لم تخضع للتقييم والمراجعة والبحث عن الحلول البديلة ، بحيث وقفت كل الحكومات عاجزة عن الاداء المنتج الذي يخلص البلد من تلك المصائب التي لو توفرت لها نيات صافية وتفهم للادوار والمسؤليات وحرص وطني وقييمي واتاحة الفرص للكفاءات والتخصصات لان تساهم بخبراتها لما حصل كل ذلك ، وهذا شيء محزن ومحير للغاية ، الا ان الفرح الوحيد الذي تملكنا وهو المنجز الاوحد الذي تحقق هو القضاء على عصابات الاجرام والخديعة داعش الغبراء ، بل هو النموذج الذي كنا نتمى ان يتحقق على صعيد اطر الاخاء العراقي والتوحد الانساني عندما هب الجيش الوطني والشرطة الاتحادية وفصائل الحشد الشعبي وحشد العشائر بمشاركة التحالف الدولي ، لخوض اكبر ملحمة شهدتها المنطقة في مواجهة داعش والقضاء عليه ، لقد نجحنا بهذه المهمة الصعبة جدا فلماذا لاننجح في مواجهة الكوارث التي تعصف بالبلد .

اقول كل ذلك ، لانني ادرك وليدرك المعنيين ،لابد من ان  يعي الساسة والحكومة ومفوضية الانتخابات والبرلمان اننا امام مرحلة مفصلية، يتوجب على الجميع ان يمارسوا اقصى مافي العفة السياسية من درجات عليا وان تتوحد الاراء والمنطلقات بأتجاه تقوية الشأن العراقي داخليا وأن تترك كواليس الخلافات والتوجهات الضيقة ، على ان ينظر الى التظاهرات الشعبية نظرة متفحصة واقعية وتفهم دقيق لما يمكن ان تتمخض عليه هذه التظاهرات من عواقب اذا استمر حال البلد على ماهو عليه الان ، اضافة الى انها ستعرقل مسيرة الانتخابات وربما ترجعها الى مربعاتها الاولى.

مرحلة مفصلية

هذه الانتخابات كما ذكرت هي عملية مفصلية في تأريخ العراق الجديد ، ولأنها هكذا يجب الحرص على التصدي لكل محاولات عرقلتها او الأخذ بها الى مسارات التفريغ من محتواتها الوطني او لتحقيق اهداف وغايات سياسية كما حصل في الانتخابات السابقة ، والانتباه الى بعض المخططات المشبوهة التي ربما يخطط لها البعض بركوب موجة التظاهرات لتتخذ منها وسيلة ضغط للرضوخ الى اهدافهم وغاياتهم ، من خلال بث الافكار المشبوهة التي يمكن ان تؤجج مشاعر المتظاهرين للتصعيد والدفع بأتجاه العنف الذي يمكن ان يهدد سلامة وامن البلاد .

اخيرا وليس اخرا ، ماتبقى من وقت لاجراء الانتخابات ، فرصة ذهبية وكبيرة امام الحكومة والبرلمان ليكونا فريقاً واحدا متفاهماً ومتحداً لانجاز هذه المهمة الكبيرة في معناها ، والوطنية في انجازها في اطار الوحدة الوطنية المعادية للطائفية والمحاصصاتية والولاءات الحزبية والتي تمهد لحوار وطني واسع لكل الطيف السياسي وفي حدود الممارسة النقدية التي غابت عن كل الاحزاب بدون استثناء طيلة السنوات التي مضت .

كاتب ومتابع للشأن السياسي

مشاركة