
كلمات تنقذني كل يوم – هدير الجبوري
لا احد يمكنه ان يصدق كيف يمكن لبضع كلمات مكتوبة في نافذة صغيرة على احد التطبيقات ان تكون لنا وطناً نلوذ اليه كلما ضاقت بنا الحياة.
ما زلت افتح تلك الرسائل ، اتنقل بين كلماتها كمن يزور اطلالاً عاش فيها يوما، اطلالاً لم يهدمها تقادم الايام بل تركتها كما هي، ساكنة، ناطقة بصمتها. بضع جمل قصيرة، ربما لم يكتبها صاحبها بحساب او بتمعن، لكنها بالنسبة لي كانت وما زالت طوق نجاة.
كل مرة اقرأها، اشعر وكأنها كتبت الان. ارددها بصوت خافت كأنها صلاة شخصية، واحفظها كما يحفظ الناس دعاءهم المفضل. احيانا تفرحني، واحيانا تبكيني، لكنني لا استطيع التوقف عن العودة اليها. فيها شيء من الدفء الذي افتقدته، وشيء من الصدق الذي أحتاجه..
ما اقسى ان تبقى بينك وبين احدهم كلمات فقط ،لا تواصل، لا لقاء، لا حضور، سوى حروف الكترونية باهتة، لكنها بالنسبة لك حياة كاملة. هو ربما نسيها، نسي متى كتبها ولماذا وعن اي موضوع كان يتحدث من خلالها ، وربما لم تعد تعني له شيئا ، أما انت، فتعيش عليها كل يوم، كما لو انك تعيش على فتات ضوء قادم من زمن بعيد.
كم هو موجع ان يعيش احدنا بهذا القدر من الحنين، ان يختبئ وجعه بين السطور بينما يواصل الآخر حياته وهو لا يعرف عن ذلك. لا يعلم عنك شيئا، لا يعلم انك ما زلت هناك، تحفظ صوته بين الكلمات، وتستمد قوتك من رسالة قصيرة كتبها ذات يوم..
انه حنين غريب ووجع يتنفس في الخفاء، ويكبر بصمت. ذلك النوع من الوجع الذي لا يراه احد، ولا يسمعه احد، لكنه يملأ روحك حتى الحافة… ويجعلك تعود كل ليلة الى الرسالة ذاتها، لتقرأها كأنها اعتراف جديد، وكأنك تقرأ نفسك فيها كل مرة من جديد.

















