كلام على الماشي نهر دجلة يستغيث

كلام على الماشي نهر دجلة يستغيث
حسن النواب
هل يمكن لعراقي ان يتخيل الوطن بدون نهر دجلة؟ بل هل يمكن لكل من زار بغداد ان لا يستدير بعينيه متأملا بحب وشوق نهر دجلة وهو يعبر جسر الجمهورية او السنك او المعلق؟ بل هل يمكن ان نتصور شارع ابونؤاس بدون نهر دجلة؟ هذا النهر الذي كتبت عنه اجمل القصائد وتقف في مقدمتها رائعة الجواهري حين ينشد قائلا حييت سفحك عن بعد فحييني، يادجلة الخير يا ام البساتين، هذا النهر الذي شهد قبل آلاف السنين مذبحة الكتب النفيسة التي اغرقها التتري هولاكو في موجه العذب حتى اصبح الماء القراح بلون الحبر، وهذا النهر الذي مازال شاهدا على خطوات العشاق البريئة بجوار ضفته وعلى اغاني السمّار والولائم العراقية الشهيرة بالسمك المسكوف والذي مازالت نيرانه الدائرية مشتعلة حتى الآن حول اسماك النهر، ودجلة اسم آشوري الأصل كما ورد في المعاجم اللغوية ويعني النهر العالي الضفتين او المرتفع الضفتين، هذا النهر الذي يعني لنا الكثير نحن العراقيين، سيتعرض الى اغتيال علني من قبل الجارة تركيا التي شرعت ببناء سد اليسو على نهر دجلة، الذي ينبع من مرتفعات جنوب شرق هضبة الأناضول وتحديداً من بحيرة وان الواقعة في قرية اليسو التركية، ويتمركز سد اليسو المتوقع إكماله عام 2013 في منطقة دراغيجيتين الواقعة على بعد 45 كليومتر من الحدود السورية، ومن المخطط ان يكون سدا ضخما، اذ سيصل ارتفاعه إلى 135 متراً وبعرض 2 كليومتر تقريبا،وتهدف الحكومة التركية من بناء هذا السد، كما تقول، بشكل اساسي الى توليد الطاقة الكهربائية عن طريق محطات الطاقة الكهرمائية اذ من شأنه ان يساعد على توليد طاقة تصل إلى 1200 ميجاواط، سوف تغطي احتياجات حوالي مليوني أسرة تركية من الطاقة،لكن المعارضين لفكرة انشاء السد يفندون هذه الحجة بالقول ان تركيا لا تعاني من اي ازمة في الطاقة، صحيح ان استهلاك الطاقة يزداد سنوياً بنسبة 5 إلى 6 بالمائة، لكن هناك اهمال كبير في استغلال كافة الإمكانيات، وتركيا لا تحتاج إلى مزيد من مصادر الطاقة قبل عشرة سنوات ، كما يقول ايكران أيغوبا أحد المعارضين لبناء هذا السد من كتلة تحالف المعارضة المحلية في المنطقة.لكن الهدف من بناء السد لا يقتصر على توليد الطاقة، اذ تسعى الحكومة التركية ايضاً الى تحقيق تنمية اقتصادية في المناطق التركية الواقعة جنوب شرق الأناضول والمتميزة بارتفاع ملحوظ في نسبة البطالة والفقر، فمن شأن هذا المشروع ان يساعد على ايجاد فرص عمل لسكان هذه المنطقة والمساهمة ايضاً في تحسين نوعية الحياة ومستوى التعليم، كما اشار احد العاملين في قطاع البناء، حيث قال هنا في جنوب شرق تركيا ارتفاع حاد في معدلات البطالة والفقر، وسكان المنطقة بحاجة ماسة للعمل، ولا يوجد قطاع اخر قادر على خلق فرص عمل اكثر من قطاع صناعة البناء، بالوقت التي هبت منظمات المجتمع المدني في العراق واعلنت احتجاجها على بناء هذا السد المشؤوم والذي يهدد بشكل اكيد جفاف المسطحات المائية بالأهوار، واندثار نهر دجلة داخل الوطن، وتقول مقدمة برنامج استراحة الظهيرة الإعلامية رقية حسن على صفحتها في الفيسبوك خبرٌ اسعدني جدا وصلني للتو عبر الهاتف من الناشطة المدنية نور العنبكي ضيفتي في حلقة الجمعة الماضية. سلطنا فيها الضوء على الخطر الذي يهدد دجلة ودعونا الى التصويت عبر موقعهم في اول مناقشة علنية حول الموضوع تقول بعد الحلقة زاد عدد المصوتين الالافا كان العدد عشرين الفا وصار تقريبا 29 الفا، بينما وصلت الى بريدي الإلكتروني حملة واسعة لإيقاف بناء السد بالتعاون مع منظمة اليونسكو تحمل مئات الآلاف من التواقيع والتي يسعى منظميها الى جمع مليون صوت لضمان ضم نهر دجلة الى هيئة التراث العالمية وذلك سوف يحول دون بناء السد عبر رسالة موجهة الى السيد وولفجانج ليتنر بصفته رئيس مجلس ادارة مجموعة اندرتز والتي مقرها النمسا وهي الشركة الراعية لبناء السد وتُرسل الرسالة تحديدا الى هذه الشركة كونها الوحيدة القادرة على التأثير على علمية بناء السد سواء بإيقافه تماما او بتقليل حجم ضرره المتوقع، ومما زاد بقلقي ان عراقيا نبيلا كتب على صفحته قائلا هبوط حاد ولأكثر من 30 سم في نهر دجله.. هذا اليوم واثناء صعودي ظهرا من مرسى الزوارق في شارع المتنبي الى جهة الكرخ لاحظت وجود هبوط في مستوى نهر دجله وعندما استفسرت عن ذلك من احد الاشخاص اكد لي هبوط مستوى النهر عن الأيام السابقه بارتفاع لا يقل عن 30 سم، استمرار هبوط مستوى النهر وبهذه المستويات يشير الى قرب وقوع الكارثه التي يخشاها الجميع.. اجل ستقع الكارثة الموجعة، انها فجيعة كبيرة وبكل المقاييس حين ترى العراق بدون نهر دجلة بينما الساسة الأقحاح مازالوا منشغلين بتقسيم الكراسي فيما بينهم، وكأن عملية بناء السد الخطيرة لا تعنيهم مطلقا، برغم زحام منظمات المجتمع المدني على مواقع النت وحملاتهم التي مازلت مستمرة بإيقاف بناء السد، الذي اذا ما تحقق سنرى وطنا قاحلا لا بساتين ولا حدائق ولا مشاحيف ولا ثروة سمكية ولاحيوانية ولا نوارس تحلق فوق الجسر ولا ماء عذبا سيبقى فيه، ولا ادري كيف يمكن لحكومة ان تظل صامتة وهي ترى شريانا حيويا من جسد الوطن مهددا بالإغتيال العلني، اصح ايتها الحكومة لأن نهر دجلة يستغيث وسيصبح بلا ماء؟
/6/2012 Issue 4234 – Date 25 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4234 التاريخ 25»6»2012
AZP20
HSNO

مشاركة