كلام على الماشي معارضة مغشوشة
حسن النوّاب
تسع سنوات مضت على المشهد الدراماتيكي الذي شاهده العالم، حين كانت عيون الخلق في ذلك النهار النيساني تتطلع الى نصب الطاغية في ساحة الفردوس والجندي الأمريكي يضع سلاسل الحديد حول الصنم البرونزي، وما هي الا دقائق حتى رأينا غير مصدقين ان الجلاد يتهاوى لكن قدميه تشبثتا بالنصب مثل قنبلتين موقوتتين بمشهد مفاجئ صعقنا وترك اكثر من علامة استفهام في ذهن الذين كانوا يراقبون ذلك المشهد المثير الذي جعل الأنفاس تتقطع في صدورهم، بينما استرجعتْ ذاكرتي بسرعة احوال المعارضة قبل شهور من مشهد سقوط الصنم المدوّي، حين جنّدتْ كل طاقاتها الفنية والثقافية والعسكرية واللوجستية وحتى البشرية تأهبا لدخول بغداد والسيطرة على مفاصلها المهمة، وفي لقاء موسع حدث في مقر حركة الوفاق الوطني التقينا خلاله الأخ ابوحسن مسؤول المكتب في حينها وكان يقف لجواره عبد الغفار الصائغ مع الدكتور هاشم حسن، كان اللقاء سريعا واذكر ان الصحفي هاشم حسن اكد على استخدام مصطلح التحالف الدولي اثناء الكتابة وان نبتعد عن تسمية الجيش الذي سيحرر بغداد بالقوات الأمريكية، بينما طلب رئيس المكتب ان نكون على اتم الجاهزية لنقلنا الى بغداد في اية لحظة، غير ان الذي حدث ان الهجوم الأمريكي تأخر لاسباب غير معلومة، حينها وصلت تذاكر سفري الى استراليا كلاجئ مع عائلتي، وبعد ثلاثة شهور من اقامتي في استراليا رأيت مشهد سقوط الصنم من ساحة الفردوس، الذي دعاني لاسترجاع تلك الأحداث خطفا، والتي اعمل على تدوينها في الجزء الثاني من روايتي حياة باسلة، ان المعارضة في الأردن كان مغشوشة ونفعية بمعظم مفاصلها، ولعب بعض افرادها دورا قذرا في محاصرتي عند وصولي الى الأردن، ولولا مكافأة جريدة الزمان التي كانت تصل لي بانتظام كل شهر، لكان الجوع قد فتك بي واصبحت من المشردين بامتياز، لقد راهنوا ان حصارهم لي سيجعلني ابحث عن مكان آخر غير الأردن، ولكن الى اين؟ كانت عودتي للعراق في ذلك الوقت، تعني وضع عنقي بحبل المشنقة وبغباء مفرط، لأن زوجتي تعرضت للتحقيق من قبل الجهات الأمنية وهربت بجلدها الى اهلها في البصرة بعد ان باعت اثاث البيت بمزاد علني وبثمن بخس ابكى جميع الجيران، وسارعت الى طلاقي في المحكمة رسميا حتى تتجنب مطاردة كلاب الزمهرير لها وتتمكن في ذات الوقت من السفر مع الأطفال برفقة اخيها، وهذا ماحدث بعد مرور سنة ونصف من قلق ورعب ودموع ظلت تسكنني مع كل لحظة، وتغيرت نظرة المعارضة نحوي حالما وصلت عائلتي، كما وصلت منهم اولى المساعدات الطيبة لتمشية حياتي المنزلية، وكان ذلك مقابل كتابة مسلسل اذاعي لهم بعنوان عشائرنا تأريخ واصالة، اضافة الى كتابة تحقيقات عن مدن عراقية على الصفحة الأخيرة من جريدة بغداد كشفتُ من خلالها الأسى والظلم والحرمان الذي كان مهيمنا على الوطن من قبل النظام المقبور، لكن ما احزنني وظل عالقا برأسي كتنور مشتعل لا تخمد جمراته، حين دعاني مدير مكتب الوفاق ابراهيم الجنابي لرؤيتي قبل السفر، جلست معه لدقائق قليلة ..وبعد ترحاب يليق بمناضل من دم ولحم قال لي نحن في حيرة، لم نجد حتى الآن من يواصل تكملة برنامجك بنفس النجاح والجدارة، ثم زفر حسرة وقال لا ادري ماذا اقول؟ اعرف انك عانيت كثيرا قبل ان تقف على رجليك .. ولكن ليس ذنبنا انما احد اصدقائك المقربين طعن بك وشكك بولائك لنا، ويؤسفنا ان الصورة اتضحت لنا قبل سفرك، نتمنى لك الموفقية .. حين غادرت المكتب كنت طوال الطريق الى بيتي ابكي بحرقة من ذلك الصديق الذي اجزم انه كان خائنا لضميره بجدارة ايام المعارضة المغشوشة.
/4/2012 Issue 4173 – Date 14 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4173 التاريخ 14»4»2012
AZP20
HSNO