كلام على الماشي ـ وتزوج بيرتون خمس مرات في حياته ـ حسن النوّاب

كلام على الماشي ـ وتزوج بيرتون خمس مرات في حياته ـ حسن النوّاب
بيان الاعتذار للشاعر الغجري نصيف الناصري عن قصيدة كتبها للطاغية اواسط التسعينيات والذي نشره على صفحته الشخصية في فيس بوك قبل ايام وتناقلته مواقع ثقافية كثيرة، اثار ردود فعل كثيرة من قبل اصدقائه والقراء الذين يتابعون قصائد العاشق الغجري، وكانت ردود معظمهم ايجابية وثمنت موقفه الشجاع وصراحته حين قال اعتذر الى الشعب العراقي وخصوصا ضحايا النظام الديكتاتوري وضحايا المقابر الجماعية واعتذر ايضا الى الشعراء العراقيين ايضا على تلك القصيدة السخيفة التي اجبرت على كتابتها في عيد ميلاد الطاغية ولما كنت شاهدا على ظروف كتابة تلك القصيدة وملابساتها في ذلك الوقت وجدت من المناسب ان ادلو بشهادتي دون رتوش، اذ كنت احد الحاضرين في قاعة مسرح الرشيد عندما قرأ صديقي الشاعر الغجري نصيف الناصري هذه القصيدة وبحضور وزير الثقافة حامد يوسف حمادي الذي رأيته منشرح الوجه لحظة القاء القصيدة، بينما كانت حشرجة صوت نصيف واضحة الى الجميع، كأنهُ يقرأ القصيدة مجبراً، الذي اذكره جيدا قبل يوم من الاحتفال وكنا حول مائدة واحدة في نادي الأدباء عندما تحدث صديقنا خالد مطلك مخاطباً نصيف بحضوري وحضور آخرين، ان موقفك بوضع حرج امام وزارة الثقافة واللجنة الأولمبية ولابد من كتابة قصيدة تبرهن فيها على ولائك حفاظاً على حياتك وحياتنا ايضا بحكم علاقة الصداقة التي تربطنا معا وان تذمر الوزارة منك سيلقي بظلاله السيئة علينا ايضا. بالطبع كل هذه الضجة حدثت بسبب المقال الكيدي واللئيم الذي نشره في جريدة بابل أحد المقربين من دائرة ابن الرئيس، حين اتهم الشاعر نصيف بانتحال كُنية الناصري التي ينتسب لها الرئيس لمصالح شخصية، وكانت هذه التهمة الخطيرة وحدها تودي بنصيف الى طامورة اولمبية لا يعرف قرارها، وسط تلك الظروف المتوترة والمرعبة اقدم نصيف الناصري على كتابة قصيدته القسرية تلك. كما ان زبانية مجلة اسفار في حينها طلبوا من الشعراء الشباب ان يكتبوا تهنئة للقائد بعيد ميلاده الميمون وكنت احد الذين كتب مرغما تهنئة غامضة لكني نجحت من عدم التطرق فيها الى اسم الديكتاتور ونشرتها مجلة اسفار في ذات العدد الذي نشرت فيه قصيدة العاشق الغجري، المثير في الأمر ان نصيف بعد تلك القصيدة هاجر الى الأردن، ولما حان يوم تكريم الشعراء الشباب في ديوان الوزارة من قبل الوزير حامد يوسف حمادي فوجئنا باسم نصيف معنا، وسأل الوزير في حينها عن السبب بغيابه عن الحفل، فأجابه احد المقربين منه ان نصيف غادر الى الأردن لقراءة شعره في رابطة الكتاب الأردنيين، صفن الوزير قليلا وبان الغضب على ملامحه وخرجنا من ديوان الوزراة على رؤوسنا الطير، لأن الجميع كان يعرف ان نصيف غادر العراق دون رجعة وكان ادراج اسمه محاولة يائسة لخداعه بالرجوع الى الوطن ولكن هيهات. والحديث عن شاعر غريب بكل شيء مثل نصيف الناصري يحتاج الى اكثر من وقفة، واذكر عندما التقيته لأول مرة بداية الثمانينيات في مقهى حسن عجمي متأبطا ملفات شعرية كتبها بالحبر الصيني بعد ان رفضت الجهات الثقافية نشر شعره، وقد جذبتني عفويته وفوضويته ولما اقتربت منه وتحدثنا قليلا حتى اصبحنا اصدقاء خلال دقائق واخذني في ذلك اليوم مشياً على الأقدام الى نادي الأدباء وكان طوال الطريق يحدثني عن شاعرة يذوب فيها عشقا والدمع يهمي على خدّيه من عينيه الصفراوين المشتعلتين بلمعان الضوء وهو يردد اسم انخيدوانا بين شهقة واخرى وينفث دخان سيجارته الرخيصة الى فضاء بغداد المثقل بالغيوم، ولما اردت توضيحا عن سبب الاعتزاز بالشاعرة السومرية انخيدوانا التي تعتبر اول شاعرة في العالم واقدم اثر ادبي في التأريخ الانساني لأغانيها المكتوبة على الرُقم المسمارية قبل 4300 سنة، تأملني بحزن طاغ ولعن السماوات واردف انها موجودة في بغداد الآن ــ ظننت حينها ان صديقي يهذر ولهاً ــ لكن بعد اسابيع عرفت سر عذابات هذا الشاعر النافر عندما اشار بيده المرتعشة نحوها في امسية شعرية، تلك الشاعرة التي مازالت تنبض في معاقل جنونه حتى اللحظة وبعد ربع قرن من عشق خرافي يندر ان يحدث شبيهاً لهُ في هذا الزمن المتقلب والرديء، ولما كتب الناقد المرموق حاتم الصكر عن اشعار نصيف في جريدة الجمهورية مطلقاً عليه تسمية الغجري، حتى تنبه الوسط الثقافي برمته الى قصائد هذا الشاعر والتي لم تر حبر المطابع حتى ذلك الوقت، لكن مجلة الكرمل الشهيرة نشرت قصائد قصار للغجري قبل اي مطبوع عراقي واثارت لغطاً وذهولا في الوسط الثقافي، ولعل قصيدته التي اشتهرت في حينها ايتها السيدة لا تضعي سيجارتك في المنفضة.. انها قبعتي، اصبحت مشكاة دهشة بين الشعراء.. هذا الشاعر الغجري الذي تعلم القراءة والكتابة في مدارس محو الأمية، اصبح بالوقت الحاضر خير معلم نبيل للجيل الشعري القادم في العراق،وقلبه مازال يهتف من ثلوج السويد ايتها الشفيعة انخيدوانا.. ارحميني.
AZP20
HSNO

مشاركة