كلام على الماشي ــ عرق جبين الصعاليك ــ حسن النوّاب

كلام على الماشي ــ عرق جبين الصعاليك ــ حسن النوّاب
نادراً ما كنت أرى قطرات العرق تنز من مسامات جلد صديقي الشاعر كزار حنتوش حتى لو كانت الساعة تشير الى انتصاف النهار في عز صيف، وكان يقول ان جلده يحمل طباع البدوي الذي اكتسى جلده بطبقة سميكة من التراب على مر السنين ولذا عادة ما ترى البدوي لا يتعرق تحت شمس الصحراء اللاهبة، بينما كنت لا اتخلى عن منديلي حتى في موسم الشتاء لأن هناك حنفية مزروعة تحت جلدي عادة ما تنضح العرق من جميع مسامات جلدي، وكان كزار يردد على مسامعي عندما يرى غزارة العرق التي تغزو وجهي
سيقتلك كبدك الضعيف ذات يوم وأنت تمشي.
ولذا تعودت منه ان لا استحم الا في الضرورات القصوى عسى تغلق مسامات جلدي مثله وأتخلص من نزيف العرق الذي يزعجني ويربكني امام الآخرين، لكننا ذات شتاء عزمنا الدخول الى حمام شعبي في كربلاء وتحممنا بماء ساخن ودلكنا جلودنا بصابونة محلية رديئة الصنع، اذ لم نر اية رغوة على جسدينا العاريين الا من مئزرين يغطيان عورتينا، وكانت مناسبة الاستحمام هو الحضور بعد ساعات الى امسية للشاعر يوسف الصائع سيقيمها منتدى الأدباء الشباب في مركز الفنون، وتمكنا من الوصول الى مكان الأمسية بالوقت المناسب بعد ان ركبنا حافلة من كربلاء، كانت القاعة ممتلئة بالحاضرين تتقدمهم الفنانة ليلى العطار بعينيها البدويتين الغارقتين بالكحل وهي ترتدي الساري الهندي بلونه الذهبي الذي اضفى على طلعتها الفاتنة سحرا مثيرا، وكان الاتفاق الذي ابرم قبل يومين مع رئيس منتدى الأدباء الشباب خالد مطلك ان يقدم هذه الأمسية الشاعر كزار حنتوش، لكن الوجوه التي استقبلتنا داخل القاعة كانت غائمة وشعر صديقي ان ثمة محاولة خبيثة يقوم بها البعض لابعاده عن تقديم الأمسية التي يبدو انها على وشك الافتتاح بعد ان اتخذ الشاعر يوسف الصائغ محله خلف طاولة في منتصف القاعة، وفجأة هب كزار من جواري واغار بسرعة الى حيث الصائغ وقال له بصوت منفعل يشوبه التوتر والارتباك
ــ أبو مريم .. ليس هناك سواي من يقدمك بهذه الأمس..
ظل الصائغ ينظر بعينين باسمتين نحو كزار ولم ينبس بكلمة، وعاد كزار وقد استبد به الغضب وبعد ان نفث دخان سيجارته اللف قال معاتبا
ــ اما يكفي اني تحممت مع صديقي النواب في كربلاء حتى اكون انيقا بهذه الأمسي .
تبسم الشاعر الصائغ بحماس وقال
ــ تعال اجلس لجواري .. وابدأ بتقديم الأمسية.
كان كزار بصحو تام وقد ابهر الحاضرين بتقديمه العفوي الشفاف الذي شنف آذان الجميع لسيل عذوبته المتدفقة كعسل مختوم من خلية رأسه المزدحمة بالصهيل والغناء والبكاء والألم. وكنت ابصر الفنانة ليلى العطار وهي تراقب مأخوذة بصديقي القروي الذي استحوذ على مشاعرها وهو يردد
ــ ألا تبصرون ضوء الشموع وتستنشقون رائحة البخور التي تزدحم بها مزارات قصائد الصائغ؟
لما انتهت الأمسية اخذنا الصائغ بسيارته الفارهة الى شقته الحكومية في شارع حيفا ومكثنا نتبادل الأنخاب ونقرأ له شعرا وعصافير الحبور والبهجة تتقافز حولنا حتى صياح ديك الزعلانة ؟
AZP20
HSNO

مشاركة