كلام على الماشي طبيب العائلة
حسن النـوّاب
بين حين وآخر تداهم صدري وخزات موجعة تستمر لثوان سرعان ما تختفي، وكنت أعزو ذلك الى تشنجات في عضلات القلب او ارهاق في حويصلات الرئة، بالطبع هكذا كنت اقنع نفسي دون استشارة طبيب العائلة الفيتنامي الذي لايبعد عن منزلنا القديم الا دقائق معدودة سيرا على الأقدام، لكن تلك الوخزات بعد انتقالنا الى منزلنا الجديد بدأت تضطرد واصبحت تستمر لدقائق وأكاد اشعر بصعوبة بالتنفس، وعزوت الحالة الى قربنا من المحيط الهندي وربما الرطوبة هي السبب في ذلك، غير ان ام الجهال لم تسكت وطلبت مني مراجعة الطبيب، وهكذا حملت جسدي بالسيارة وذهبت الى اقرب مركز صحي من المنزل، لم اتأخر كثيرا في صالة الاستقبال، حتى دخلت على طبيبة صغيرة بالعمر بوجه عصفوري له لون القمح وشرحت لها ما أعانيه، رفعت جهازا صغيرا وطلبت مني النفخ بقوة من خلال انبوب مطاطي لمعرفة قوة التنفس عندي، ثم نهضت وبدأت من خلال سماعتها التي وضعتها على مناطق متفرقة من ظهري وصدري بفحص شهيقي زفيري، وعادت تجلس خلف طاولتها ثم كتبت على جهاز الحاسوب سطورا سرعان ما سمعت انين الطابعة ثم خرجت من جوفها ورقة وضعتها بيدي وطلبت مني الذهاب فورا الى مركز الأشعة الذي لا يبعد عن المركز الصحي الا دقائق معدودة بالسيارة، وهناك قامت فتاة استرالية مرحة بشرتها لون الشمع الذهبي بالتقاط اربع صور لصدري العاري من جهات مختلفة، ثم طلبت مني الانتظار في صالة الاستقبال، بعد فترة وجيزة عادت بوجه يمطر ابتسامات رقيقة واخبرتني ان المركز سيرسل التقرير من خلال البريد، وعليك انتظار اشعار من الطبيبة، عرفت ان صور الأشعة تحمل مكروها ما، مادامت الفتاة الذهبية لم تضع صور الأشعة والتقرير بيدي، لما عدت الى المنزل اخبرتهم ان كل شيء على مايرام، لكني في حقيقة الأمر بدأت افكر بالموت، بل كنت قلقا على رواية ثالثة مازلت اكتب فيها ولم تكتمل بعد، اضف الى مجاميع شعرية مخطوطة بالعربية واخرى كتبت قصائدها باللغة الأنكليزية لم اجد فرصة لطبعها، ومقالاتي في جريدة الزمان التي تجاوزت المئتين والتي افكر طبعها بكتاب ايضا، وغيرها من المسرحيات المكتوبة الى الأطفال والكبار وانطباعات نقدية تجاوزت المئة عن ادباء مبدعين نشروا كتبهم في وقت سابق، تذكرت وعدي الى زهرة الرازقي البعيدة للقاء بها في الربيع المقبل، وشعرت ان الوقت لم يكن مناسبا البتة لمغادرة الحياة، وفكرت برفاتي هل سيحالفه الحظ ويدفن بجوار قبري ابي وامي واختي بكربلاء، ام سيوارى الثرى هنا في استراليا؟ بعد ان ذهبت ادراج الرياح مناشدات الأصدقاء للحكومة بنقل رفاتي الى العراق، وتخيلت جسدي يُحمل بجنازة موشحة بعلم العراق على اكتاف بعض الغرباء وقبل ان يوارى الثرى في الأرض الاسترالية اقفز من التابوت واحلق بسماوات الله، تبسمت لذلك المشهد الفنطازي، وقررت العمل بهمة على أرشفة جميع نتاجاتي حتى اضعها في فلاش صغير ثم احمله لصديقي الفنان اياد القره غولي يبقى كوديعة عنده لحين لقائه بأخي علي النوّاب او صديقي القاص علي حسين عبيد، لم اشأ ان ادع ذلك الفلاش بيد أم الجهال حتى لا تكتشف امر رحيلي عن الحياة قريبا. ولما زرت الطبيبة الصغيرة بناء على طلبها اخبرتني بهدوء ان بقعا سوداء تنتشر في مجاهيل رئتي، استقبلت الخبر دون خوف لأني توقعت ذلك، وقررت حال مغادرتي غرفتها ان احجز على تذكرة طيران ادور بها العالم بأسره قبل الموت، لكنها عادت واخبرتي ان تلك البقع الغريبة لم تتأكد من خطورتها حتى الآن وطلبت مني اجراء صورة شعاعية اخرى بعد اسبوعين وكتبت لي بعض المضادات الحيوية،لم انفذ طلبها ولكني تناولت المضادات الحيوية كلها وحملت جسدي مع صور الاشعة القديمة الى طبيب العائلة الذي كنت اراجعه عندما كنت اقطن بيتنا القديم، استقبلني الطبيب الفيتنامي الشفاف الذي يعرف عن جسدي ورأسي وحياتي وجنوني كل شاردة وواردة، واخبرته بما آل اليه وضعي الصحي، رفع صورة الأشعة نحو حزمة نور منهمرة من نافذة الغرفة، وامعن النظر فيها ثم تبسم وقال لا تقلق، ثم نهض وتفحص مواضع من صدري وظهري بسماعته الطبية، وقرأ التقرير المرفق مع الصور الشعاعية ثم قال متبسما infection just infection dont worry، بالطبع شعرت بالسرور وبنبرة خجولة قلت له كنت اعتقد انك لن تستقبلني لأني راجعت طبيية اخرى تبسم بوجهي وقال انا اشكرك لأنك منحتني الثقة مرة اخرى وتأكد ان رئتيك صافيتان. بعد يوم جئت بصور شعاعية جديدة اليه، تفحصها بدقة وتبسم بوجهي ثم اخرج عليه حلويات من جارور في مكتبه وقدم لي واحدة ثم قال بثقة مازال الوقت مبكرا جدا حتى تموت ايها الشاعر الحزين.
AZP20
HSNO