كلام على الماشي السيد الرئيس
حسن النوّاب
السيد الرئيس .. عنوان لرواية من أمريكا اللاتينية قرأتها قبل اكثر من عشرين سنة، وكاتبها هو ميغل استور ياس الذي يفضح فيها الأنظمة القمعية الحاكمة في العالم الثالث، وبفضل هذه الرواية حاز على جائزة نوبل للآداب عام 1967، واذكر أني تعرفت على هذه الرواية من خلال جلسة مع ادباء وفنانين في حدائق ابو نؤاس مطلع الحرب مع ايران وكنت حينها اتمتع بإجازتي القصيرة كسائق دبابة عائد من الجبهة، حيث لمحتها بيد الفنان المسرحي ناجي عبد الأمير الذي يعيش في منفاه الفنلندي الآن، ودهشت كيف ان هكذا عنوان حرج لرواية مثيرة سمحت الرقابة بتداولها في ذلك الوقت الذي كان الديكتاتور قد هيمن على مفاصل الدولة واحكم بقبضة من حديد ونار على انفاس الشعب الذي زجه شيبا وشبابا في محرقة هائلة اشتعلت على طول الحدود الشرقية من الوطن، ولما سألت حامل الرواية عن كيفية حصوله عليها، اخبرني باسما انها موجودة في المكتبة العالمية، ولم اتأخر بشرائها خشية من منعها على حين غرّة، ولما حملتها معي الى جبهة الحرب، اكملت قراءتها خلال يومين على ضوء فانوس في ملجئي الرطب، وكنت اشعر خلال المطالعة بالرعب من احداثها التي كانت نسخة طبق الأصل من العنف الدموي للسلطة الذي كان سائدا حينها في ارجاء البلاد، بل حرصت ان لا يقرأها غيري من الجنود خشية من عواقب امنية خطيرة سأقع في شركها، ولذا سارعت الى اخفائها تحت الأرض بعد ان حفظتها بكيس نايلون، لكن عنوان الرواية وحده كان يشير الى مالا يحمد عقباه، وهكذا وجدت نفسي بعد اسبوع في ملجأ طيني اخضع لاستجواب مخيف من قبل ضابط الاستخبارات العسكرية، بوشاية من احد الجنود المخبرين وما اكثرهم في الجبهة، وبعد ساعة من التحقيق طلب الضابط ان اضع بيده الرواية واقسم ان يغلق الموضوع من جذوره، وجئت له بالرواية، ومكثت ليالي الجبهة بقلق مرير مضاف له الخوف من القصف الماطر على رؤوسنا، لكن الضابط كان نبيلا وبرّ بوعده، وكدت انسى الأمر بعد شهر على الواقعة، ولما حان دوري بالنزول في اجازة .. استدعاني ضابط الاستخبارات في ساعة متأخرة من الليل ودخلت على ملجئه الطيني مرتبكا .. طلب مني الجلوس واهداني سيجارة جعلتني اهدأ قليلا ثم قال لي بصوت خفيض انها رواية خطرة .. ثم سحبها من تحت فراشه وراح يقلب صفحاتها ثم قال ربما لا تعرف اني خريج كلية الآداب، ولو كان ضابط الاستخبارات غيري، لكنت الآن قد شبعت جلدا بالسياط قبل ان تذهب الى مكان لا يعلمه غير الله، قلت له بصوت مختنق ولكن سيدي هذه الرواية اشتريتها من مكتبة معروفة في بغداد، نظر بشفقة الى وجهي وقال انها فخ ومن خلاله يصلون الى اهداف نحن لا نعرفها، بقيت صامتا وقد صعقني كلامه بينما وضع الرواية بيدي وقال تخلص منها في اجازتك وقبل ان اغادره سمعته يقول في اي حرب يصبح العدو الثاني للسلطة هو المثقف الغامض ؟ هذا الضابط النبيل كان اسمه محمد ظاهر عويد من اهالي الموصل وقد ذبحته شظية لعينة في معركة الفاو الأولى بعد ان اصبح برتبة رائد، لقد تذكرت هذه الواقعة لأن رواية السيد الرئيس اهجس ان احداثها المفزعة بدأت تنضج هذه الأيام مرة اخرى ولكن من تحت رماد ينذر بعاصفة من الجمر والدماء وكان الله بعونك ياوطن .
/5/2012 Issue 4211 – Date 28 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4211 التاريخ 28»5»2012
AZP20
HSNO