كلام بالقيراط عطّاب
حسن النواب منذ ايام والعراقيون الوطنيون يستنشقون رائحة العطّاب المنبعثة من الجهة الغربية من قلوبهم ، رائحة دخان ممزوج بنجيع الدم نتيجة اختلاط الحابل بالنابل ، والعطب هو الهلاك يكون في الناس وغيرهم ، ويقال اجد ريح عُطْبة اي ريح قطنة او خرقة مخترقة ، وهذا هو الحال في وطني ، حتى مزاج الناس تعكّر ونفسيتهم اصبحت منكسرة ومهشمة ، فبعد ملامح فرح وبشرى اطلّت على الوجوه بتدمير شراذم الإرهاب في صحراء الأنبار لكنها لم تستمر طويلا ، اذ سرعان ما تغير المشهد الوردي الى مناظر دموية وسوداء جعلت الأفكار شاردة والعيون ساهمة والشفاه مبرطمة والعيون دامعة والصدور مختنقة والقلوب مثل خرقة محترقة ، وانسحب هذا الظرف العصيب سلبا على سلوك العراقي الوطني الشريف ورب الأسرة العفيف ، وفقد الشهية على تناول الطعام واصبح متوترا كئيبا بين اهله واصدقائه وعشيرته ، انعكست الأخبار التي تقطر دما والمحمّلة بالدخان الأسود في الجهة الغربية من قلب الوطن على اهلنا في العراق جميعا ممن تكتوي قلوبهم بالأسى عندما سماعهم احتراق آلية عسكرية او سقوط طائرة او رؤية شهداء من ابناء عمومتهم واصلابهم مضرجين بالدماء في شوارع الفلوجة والأنبار ، والجميع تصيح الله اكبر ، الجيش العراقي يصيح الله اكبر ، والظلاميون يزعقون وينعقون الله اكبر ، وابناء العشائر المتقاتلة فيما بينها تهتف الله اكبر ، والنتيجة مزيدا من التدمير والهلاك في روح العراقية الجريحة منذ عشر سنوات ، كل شيء في وطني مرتبك وحزين ويعيش على اعصابه ، النخل والماء والطير والإنسان والأرض التي سبحت بالدماء العراقية الزكية ، حتى العراقيون الذين يعيشون المهاجر تصارعوا فيما بينهم ، منهم من يقول انا مع العشائر العراقية ومنهم من يقف مع الجيش العراقي ، والمنطقة الخضراء تذكي النار المشتعلة هناك بتصريحات فقدت الرزانة والحكمة ، اجل لقد اختلط الحابل بالنابل في وطني ، فهناك عشائر من الجنوب زحفت تحت جنح الظلام لمساندة عشائرنا في المنطقة الغربية ، وهناك قطعات عسكرية جاءت من محافظات الوسط والجنوب لتعزيز القطعات العسكرية التي انهكتها ارتجالات القادة العسكريين وخيانات السياسيين ودعم غير مسبوق من الأشقّاء بالمال والزعاف والرجال الظلاميين الذين دخلوا افواجا افواجا لقتال العراقي الذي وضع نُصب عينيه تراب الوطن وامن اهله وليس هناك شيء سواه ، المشهد يبعث الى الأسى ويقترب من حافة اليأس ، واذا كان الجيش العراقي قد تمكّن من مقتل بعض شراذمهم وحرق خيامهم المهلهة في الصحراء ، فأن الذين يعششون في شوارع الرمادي والفلوجة اصبحوا اضعافا حتى تكاد العتمة ان تطبق بظلاميتهم على الجهة الغربية من قلب الوطن ، والسؤال الذي يشخص امامنا الآن ماسرّ هذا التحول الدراماتيكي بسير المعارك بين عشية وضحى ؟ من نشوة النصر الى ذل الهزيمة التي لا يتمناها ان تحدث كل عراقي غيور ، ويبدو ان السبب يكمن بتخبط القرار السياسي وارتباكه وجهله التام بالعمليات العسكرية ، اذ حتى الجندي البسيط الذي اشترك بحربين شرستين فيما مضى يعرف ان الضروري في اية مواجهة عسكرية مع العدو هو ادامة زخم النصر على الأهداف الكبيرة وترك الأهداف الصغيرة بعد انجلاء غبار المعركة ، غير ان الذي حدث ان القرار السياسي والعسكري ارتكب خطأ جسيما عندما توانى عن اهدافه الكبيرة وحشّد جهده بالسيطرة على هدف صغير ، كان السبب في اشعال هذه النار الخطيرة التي اكلت الأخضر واليابس ، فهل رأيتم جيشا يترك سدة التقدّم ويعود لمشاغلة جيوب العدو التي تركها خلفه ، وهذا هو الجهل العسكري بأمّ عينيه ، ولذا كان متوقعا ان تصبح ساحة المعركة بهذه الفوضى الدامية ، واذكر عندما احتل العدو الإيراني مدينة الفاو وجاءت قوات الفيلق السابع لإيقاف تقدم الإيرانيين نحو البصرة ، ان القائد ماهر عبد الرشيد طلب من قادة الألوية العراقية المندحرة ان يخبروه عن خط الصد حتى يتمكن من الشروع بتقدّم قواته ؟ لكنه فوجىء ان جميع القادة يجهلون مكان خط الصد والذي يعني النقطة التي وصل اليها العدو ، ولذا وجد صعوبة بمواجهة الإيرانين ولم يكن امامه سوى الإشتباك مع العدو بمعركة عشوائية لمدة يومين حتى تمكّن من ايجاد خط الصد ، وبعدها اتضحت امامه الرؤيا ونجح من ايقاف زحف العدو نحو البصرة ، غير ان الذي يحدث في الأنبار والفلوجة الآن هو تداخل القتال بشكل عشوائي ، ربما يقول البعض انها حرب المدن وتلك تختلف عن المعارك البرية ، فأقول ان في كل معركة لا بد من وجود خطا فاصل اثناء القتال ، وهذا الخط الفاصل لا وجود له في المعارك الدائرة في الجهة الغربية من قلب الوطن ، والبرهان ان الكثير من الآليات تم تدميرها بسهولة نتيجة جهل الجيش لخط الصد الذي وصل اليه جرذان الظلام ، لا اريد ان اكون خبيرا عسكريا في معركة خاسرة نتيجة سوء حسن التصرف من القادة العسكريين والذي يقف وراءهم قرار سياسي لم يتصف بالحكمة هو الآخر ، بقدر ما لمسنا منه الرعونة والإرتجال والإنفعال والعناد الساذج ، ومن اكون انا العراقي المنفي منذ عشر سنوات في قارة بعيدة ؟ وقد انعسكت الظروف الدامية هناك على سلوكي سلبا ، فأرتكبت حماقات لاتغتفر بحق اسرتي وبحق اعز اصدقائي الشعراء نتيجة افراطي بتناول ابنة الكروم واقراص حبوب الكآبة بمحاولة لطرد الغم الذي عشش في روحي ، وكدت افقد عائلتي بسبب تردي حالتي النفسية ويشهد الله ان السبب في ذلك هو المشهد الدامي الذي مازال مستمرا في الجهة الغربية من قلب الوطن ، واظن ان كل عراقي غيور يعيش الآن بوضع نفسي متكدر وبروح مهشمة نتيجة القتال الدامي بين ابناء ارومتنا ؟ الأمر ليس بالهيّن بالمرة وانت تشهد داخل اسرتك قتالا داميا بين طرفين من دمك ولحمك وهذا مايحدث في الفلوجة والأنبار الآن ، اجل ايها العراقيون النبلاء جلّ ما اخشاه ان يتحول الوطن الى قطعة عطّاب وهذا يعني هلاكنا جميعا ، اللهم اجعل الجهة الغربية من قلب الوطن بردا وسلاما ، فما عدنا نملك سوى الدعاء مع اعتذاري الشديد لما سببته من أذى معنوي لعائلتي وأحد اصدقائي الشعراء الأعزاء الذي يعيش المنفى معي ، اجل اعتذر للشاعر يحيى السماوي وهو الأدرى ان ماحدث مني انما بسبب الدماء التي مازالت تسيح على ارض الأنبار والفلوجة ، غير ان الحسنة الوحيدة التي كسبتها من هذا المخاض العسير هو قراري بقتل الشيطان الذي اغواني كثيرا ومغادرة ابنة الكروم دون رجعة والعودة بشوق جارف الى الصلاة ، على امل ان اتوقف قريبا من تناول حبوب الكآبة ، رافعا يدي بالدعاء متضرعا الى الله ان يخمد النار المستعرة في الجهة الغربية من قلب الوطن الذي نخشى جميعا نحن العراقيين النبلاء ان يتحوّل الى عطّاب .
جريدة الزمان الدولية التاريخ 6»1»2014
Azzaman Arabic Daily Newspaper issue 4701 Monday 6/1/2014
AZP20