كسب جديد يعرض تنظيماً سياسياً إلى الاختراق والاعتقالات
ناظم كزار يعذب السجناء ويختار منهم وزراء للحكومة التي كان يحلم بتشكيلها
وكيف تعرفت على السياسة؟
تعرفت عليها من خلال المدرسة اذ دخلت المدرسة الابتدائية القحطانية عام 1952 وكان عمري احد عشر عاما وكنت اجيد القراءة والكتابة وبعض العمليات الحسابية البسيطة التي تعلمتها من اقراني وحدث ذلك في مدينة الشامية وعند دخولي مدينة الشامية اعجب بذكائي المدرسان عبد الله الاحمر الاسدي وهو من اهالي السماوة وقد ابعد عنها لتعاطفه مع الشيوعيين والثاني هادي الياسري وهو من اهالي الحلة وله تطلعات شيوعية ايضا ومع انني وجدت من الاثنين تشجيعا على القراءة ودراسة اللغة الانكليزية الا انني وجدت نفسي واحدا من الطلبة الذين يلتقون بالمدرس محمد علي المقرم وكان من حزب الاستقلال ومن محبي جمال عبد الناصر حيث ذهبت اليه فاجلسني قربه وبعد سؤال وجواب اخذ يصرح مبادئ واهداف حزب الاستقلال وانه حزب قومي يجمع بين حب الوطن وحب الامة ثم تكررت لقاءاتي معه وكان يزودني بالكتب كما اهدى لي صورة جميلة لعبد الناصر.
ولم تنقطع علاقتي بالمدرس هادي الياسري وعبد الله الاحمر وانما تواصلت علاقتي مع الاول اذ كان يحفزني على دراسة اللغة الانكليزية وحفظ الشعر والمقطوعات الادبية فيما كان الثاني يزودني بكتب عن الشيوعية منها كتاب كيف تكون مناضلا شيوعيا لرئيس وزراء الصين ليوتشا ويشي وخلال لقاءاتي معه امسك بيدي سائرا معي في ساحة المدرسة وهو يقول انت ناضج عمرا وعقلا وصادق ومؤهل لان تصبح قائدا طلابيا وصديقا للحزب الشيوعي وسوف يأتيك احد الطلبة لتنظم الى خليته وتحضر اجتماعاتها الدورية وتملكني الخجل من ان ارفض طلبه ولكنني استجمعت شجاعتي وقلت استاذ انت قبل لحظات اوصيتني بالصدق والشجاعة وانت مثل ابي وعليه اخبرك انني انتميت لحزب الاستقلال فنظر الي وقال لقد سبوقنا وصادوك ثم اثنى على حزب الاستقلال وطلب مني الاستمرار في قراءة الادبيات الشيوعية ومصادرها الاساسية.
وما هي اسباب انتمائك السياسي؟
انني قد عشت معاناة الفلاحين من الاقطاع وكنت شاهدا على ما يعانون فقر واستغلال وامية وكنت ابحث عن وسيلة لتغيير هذا الوضع كما انني عرفت السياسة في الخمسينات وهي مرحلة حافلة بالحوادث والتوترات السياسية ونمو الاحزاب والتيارات السياسية وهناك مسألة اثرت في حياتي وجعلتني ابحث عن تنظيم سياسي تلك هي مسألة خلاص الامة العربية الاسلامية بشكل عام والعراق بشكال خاص من ربقة الاستعمار ومن الحكام الظالمين التابعين له والذين عمقوا التجزئة بين البلدان العربية والاسلامية حفاظا على عروشهم وكنت اسمع اخبار المآسي وويلات شعبنا في الجزائر والمغرب العربي عموما وتحويل الدول الاسلامية مثل ايران وتركيا وباكستان الى توابع الدول الاستعمارية واهدافها وكل هذه الاسباب دفعتني للسياسة والتنظيم السياسي وهي كما اعتقد من المحركات الاساسية التي دفعت الكثير من ابناء جيلي الى التنظيمات السياسية.
تيار داخل
وكيف مارست دورك في حزب الاستقلال؟
هناك تفاصيل كثيرة تخص الاجتماعات والتظاهرات لا اريد الخوض فيها ولكن اود ان اذكر ان حزب الاستقلال لم يظل متماسكا وموحدا وانما ظهر فيه تيار يدعو الى الاشتراكية او الطريقة العربية الاشتراكية وكان يتزعم هذا الاتجاه المرحوم عبد الرزاق شبيب والمحامي مالك دوهان الحسن والمحامي احمد الحبوبي وانحاز الى هذا التكتل 90 بالمئة من ملاكات الحزب وجماهيره واطلق على هذا التكتل اسم الحزب العربي الاشتراكي وكنت احضر اجتماعات هذا الحزب في بغداد وكان يحضرها معي من الديوانية المرحوم كاظم علي الكردي وعدنان ابو الريحة ومن النجف المرحوم محسن البهادلي ومحمد علي المقرن وباقر السلامي واحمد المحنة من الكوفة وكنت انذاك في الصف الخامس الاعدادي وكنت خلال العطل اسكن عند شقيقتي في بغداد الشواكة.
ــ وما الذي شاهدت في بغداد خلال هذه المدة؟
من المشاهد التي مازالت محفورة في ذاكرتي ماحدث خلال انقلاب 1963 اذ شاهدت المجزرة الرهيبة التي تعرض لها الشيوعيون والناس الابرياء وكيف كانت الاسلحة توجه من المساجد لحصد الناس الذين خرجوا بمظاهرات تأييدا لعبد الكريم قاسم.
وانت هل تعرضت الى حادث ما؟
لقد عدت الى اهلي في الشامية يوم 15 شباط 1963 ووجدت اغلب المدرسين والمعلمين في السجون وعلمت انهم يلاقون صنوف التعذيب والقتل وكنت مطمئنا لسلامة موقفي حيث انني قومي الاتجاه وعلاقتي مع الشيوعيين والديمقراطيين لا تتعدى الصداقة والاواصر الاجتماعية ولكن الذي فاجأني ان البعثيين وافراد الحرس القومي كانوا يراقبون ويضايقون القوميين والاسلاميين والوطنيين وبالنسبة لي كنت اسمع منهم عبارات نابية وتهديدية وخلال قيام البعثيين بمحاولة احلال الاتحاد الوطني لطلبة العراق بدلا من اتحاد الطلبة الذي يسيطر عليه الشيوعيون وجدت نفسي مؤهلا للترشيح اذ كان الواقع ان الاغلبية الساحقة للشيوعيين والاتجاه القومي الاسلامي وعلاقتي بهما ومع الجميع جيدة وهم مستعدون للادلاء باصواتهم الى جانبي ولن يصوت للبعثيين سوى تسعة افراد.
وقبل اجراء الانتخابات بيوم واحد كنت جالسا مع بعض الاصدقاء في مقهى تقع على حافة نهر الشامية وفوجئنا بقدوم المحافظ ومعه طالب بعثي عرف بتأخره في الدراسة حيث جاء هذا الطالب لي قائلا الرفيق المحافظ يريدك فقمت معه وسلمت على المحافظ فلم يرد السلام وطلب مني الجلوس وبعد ان تشاغل عني قليلا خاطبني قائلا انت مرشح؟ قلت نعم فنظر الي بشزر وقال اليوم تذهب الى مقر الحرس القومي وتنظم الى حزب البعث حزب العروبة والنضال وتترك العملاء وانا انتظر خبرك بعد ساعات واذا لم تمتثل لهذا الامر سترى نتائج اليوم ليلا.
وخلال وجودي في البيت مع بعض الاصدقاء سمعت احدا يناديني باسمي عند الباب ولما خرجت طالبا منه الدخول اذا بحلقة من الحرس القومي تحيط بي شاهرة سلاحها بوجهي وامسكوا بي وقيدوا يدي الى الخلف واقتادوني الى مقر الحرس القومي حيث تعرضت الى الضرب والتعذيب.
ــ وكيف تخلصت من هذه المعاملة؟
تخلصت منها بزوال الحكم البعثي اذ اخذوني الى مديرية امن الديوانية ومنها الى نقرة السلمان ومنطقة الفوار حيث تم نفينا اليها وهي منطقة تقع بين قضاء عفك ومدينة الديوانية.
وما الذي تود ذكره في هذه الرحلة؟
اذكر المرحوم عبد الجبار العاني مدير امن الديوانية الذي وقف بقوة عند من ارادوا ضربنا وتعذيبنا واذكر السيد علي السيد درويش الذي ضيفنا طوال المدة التي قضيناها مبعدين في هذه المنطقة النائية وكان يزودنا يوما بالاطعمة والماء كما اذكر انني اديت امتحان الاعدادية بعد ان قدمت عريضة الى المحافظ اطلب فيها نقلي الى مركز شرطة الشامية لاداء الامتحان وفي اخر يوم من الامتحان بلغت بالحضور امام المحافظ واخذني اليه الشرطيان المكلفان بحراستي وعندما دخلت اليه تمعن النظر بي ثم اخذ كيل لي النصائح وان البعث جاء ليبقى والذي يعاديه يقتل بلا رحمة ثم صرخ بي اخرج ولما وصلت الباب نادى خلفي راح اطلعك من التوقيف ولكن اذا تحركت يمنه يسرة سيكون مصيرك الموت وعد اطلاق سراحي لاحظت اني ملاحق وفي كل يومين او ثلاثة يأخذني الحرس القومي الى مقره مصحوبا بالتهديد وللتخلص من هذه المضايقات سافرت الى الكوفة ثم قدمت اوراقي للقبول في معهد اعداد المعلمين في بعقوبة حيث واجهت فيه قيام الحرس القومي بالقاء القبض علي في الصف بتهمة محاولة اغتيال عميد المعهد حيث حجزت في حمام مهجور وتعرضت للضرب والتعذيب وقد حدث ذلك بسبب تقرير كاذب من احد الطلبة وقد انقذني الله من هذا الوضع بسقوط نظام البعث.
وما الذي حدث بعد ذلك؟
بعد سقوط حكومة البعث في 18 تشرين 1963 حدثت انشقاقات في حزب البعث والاحزاب القومية والاسلامية ولكثرة هذه الكتل اصبحت كل كتلة تسمى باسم رئيسها فبدلا من ان تقول الحزب الفلاني صرنا نقول جماعة فلان وين هذه الظروف التي هيمنت فيها الانانية وحب الذات اتصل بي المرحوم كاظم علي الكرادي طالبا ان اعود للحزب وان احضر اجتماعاته في بغداد وفي احد الاجتماعات حدث شجار بين المرحوم عبد الرزاق شبيب ومالك دوهان الحسن ووقف المحامي احمد الحبوبي الى جانب عبد الرزاق شبيب فيما انحاز الى جانب مالك دوهان الحسن 90 بالمئة وحدث ذلك عام 1966 وفي العام نفسه اجتمع مجموعة من السياسيين الذين تهمهم مصلحة الوطن والشعب من اسلاميين وقوميين ومستقلين وبعض البعثيين الذين تضرروا بفكر البعث والعسكريين وبعض بقايا الوطني الديمقراطي وبعد مداولات.
تأسيس حزب
تم تأسيس الحزب الاشتراكي وطبعت خمسة الاف نسخة من نظامهم الداخلي وموجز نظريته وهو حزب يجمع بين الاتجاه القومي والاسلامي والوطني وقد تقرر ان تشمل منطقة عملي محافظات الديوانية والناصرية والعمارة و البصرة حيث بدأت بالديوانية وكسبت مجموعة خيرة منها طارق الحياني وهو محام وقائممقام سابق والمحامي فوزي زيدان وعدنان ابو الريحه معاون مدير تربية القادسية ومجهول نعمة مدير مدرسة ومحمد حسن الحاج حسين مدير مدرسة ووالي حسين معلم ورياض عبد الجليل عزاوي موظف في محكمة الشامية ورجم هاني سلمان مدير مجاري الشامية وغازي جبر من مشايخ العوابد وزايد مياخي حمود من مشايخ ال شبل وقد تركت العمل لهؤلاء وتوجهت الى المحافظات الاخرى حيث سلمت المسؤولية لعامر نصر الله مدير اعدادية ونقيب المعلمين في الناصرية وتولى المسؤولية في البصرة سلطان التميمي وفي النجف كان العمل برئاسة احمد المحنة ومعه صباح المعمار وعبد الرزاق .. الخ
وما هي ابرز حوادث الستينات؟
في 2 تموز 1968 زار الامين العام للحزب الاشتراكي رشيد محسن الجميلي في داره الواقعة في مدينة المعتصم شمال المطار ابراهيم الدواد طالبا منه اللقاء لامر سياسي خاص واتفق الاثنان ان يتم اللقاء مساء الخامس من تموز فدعاني رشيد محسن لحضور اللقاء وكان من الحاضرين المرحوم سليم مجول المعيني وشخصان لا اذكر اسميهما وطلب منا الا نصرح باسمائهما وبعد وقت قصير حضر ابراهيم الداود بمفرده وبملابس مدنية وقال دون مقدمات ان عبد الرحمن عارف ضعيف ويريد قيام جبهة يشارك فيها الشيوعيون والادهى من ذلك انه يريد تطبيق قانون رقم 80 ليقود العراق الى الصراع مع الدول الكبرى ثم طلب التعاون لاسقاط النظام وانه يمنح رشيد وزارة الداخلية اضافة الى وزارتين فرفض المرحوم رشيد محسن الجميلي ذلك مؤكدا انه لا يملك حزبا او تكتلا عكريا ويريد الابتعاد عن السياسة كما رفض اية صيغة من صيغ التعاون وعندما اخبره الداود انه وعبد الرزاق النايف متعاونان مع مجموعة احمد حسن البكر دعاه الى الابتعاد عن هذه المجموعة وتسائل قائلا كيف تخونان الثقة التي اولاها لكما عبد الرحمن عارف؟ وكنا نعتقد ان الانقلاب سوف يقع في 14 تموز ولقد فوجئنا بحدوثه يوم 17 تموز وكان اول سياسي يراد اعتقاله هو رشيد محسن الجميلي ولكنهم لم يجدوه في دائرة اذ هرب الى جهة مجهولة ومنها الى مصر كما انني نقلت من مركز قضاء الشامية الى مدرسة الجاحظ وهي تقع في قرية المجاوية النائية التي يتم الوصول اليها عبر هور الطويلة ويلزمني ساعتان للوصول اليها سيرا على الاقدام والطريق مغطى بالماء والقصب.
ــ والتنظيم السياسي هل تم ايقافه؟
لقد تم تأليف قيادة مصغرة عام 1969 تتكون من الاسماء التالية
1ــ منصور عبد المحسن الاسدي امينا للسر.
2ــ عبد الرحمن المعيني تنظيمات بغداد
3ــ المرحوم طلال سعدي حماد الخير تنظيمات الطلبة والشباب.
4ــ المرحوم حامد الشيخان عضو ارتباط مع الخارج الخط العسكري
5ــ يكون جواد صافي الغراوي مستشارا.
واستمرت المسيرة وفق المطلوب ودخلت التنظيم دماء جديدة ولكن ذلك لم يدم طويلا.
صفة عسكرية
لماذا؟
كان رحيم هاني الحميداوي قد كسب نائب ضابط في الجيش ووحدته العسكرية في البصرة وكان يصر على سلامة موقفه وللتأكد من ذلك لان وحدته في البصرة ولان صفته العسكرية تحول بينه وبين التفتيش فقد تقرر ان يرافق رياض عبد الجليل عزاوي الى البصرة تسليم النشرات الى الجهة المعنية وقبل يوم من السفر اتصل نائب الضابط بالاستخبارات العسكرية في الديوانية وشرح لهم الامر حيث تم القاء القبض عليهما وانزلوهما في مدينة السماوة واعترف نائب الضابط بالتفاصيل كما اضطر رياض الى الاعتراف بعد يومين من التعذيب وتم اعتقال تسع ملاكات من الديوانية حيث ادعى احدهم تحت ضغط التهديد ان منصور الاسدي مسؤول الديوانية فتم اعتقالي ونقلي الى مديرية الامن حيث تعرضت الى التعذيب وقد زادت عن ذلك حصولهم على اعترافات تخصني من بعض الملاكات فاضطررت الى الاقرار وان مسؤول التنظيم عباس الجبوري في بغداد فراجعوا معلوماتهم وقالوا عباس الجبوري من اهالي الموصل فقلت نعم انه من اهالي الموصل ويأتي الى بغداد بين مدة واخرى وكنت اعرف ان الجبوري هارب الى سوريا وبعد مرور احد عشر يوما اطلقوا سراح كل واحد بكفالة الف دينار ولم اشمل بالكفالة وكانوا يريدون بذلك زرع الشك بيني وبين اخواني واظهاري بمظهر المتعاون مع السلطة.
/7/2012 Issue 4252 – Date 16 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4252 التاريخ 16»7»2012
AZP07