كذب المتنبئون وإن صدقوا
ثلاث ملاحظات أمام رئيس الوزراء
عبدالزهرة مطر الكعبي
تحية وبعد..
اهتمامكم بمشكلة الازدحامات المرورية ، يعبر عن وعي لما يعانيه المواطن وما تتسببه هذه الظاهرة من نتائج سلبية لا تقتصر على التأخر الزمني للمواطن فحسب ، بل تتعدى الى جملة من الاضرار التي تكلف دول العالم مئات المليارت من الدولارات سنويا ، وفي العراق ووفق مسح شخصي استغرق سنوات عدة تطلبه بحثنا الموسوم الاضرار الاقتصادية والبيئية والصحية لأهمال تنمية قطاع النقل في العراق وجدنا ان مدينة بغداد وحدها تخسر 50 مليار دولار سنويا باستخدام معادلات معتمدة وبمعونة معاهد دولية متخصصة مرموقه .
سلطات متعاقبة
لقد اهمل هذا الامر جهلا من قبل السلطات المتعاقبة خلال العشرين سنة الماضية ، يضاف اليها سنوات الاهمال خلال النظام السابق الذي اهتم بالحروب العبثية بعيدا عن جهود ديمومة بناء الدولة التي كان لها الريادة على مستوى المنطقة في كل المجالات ومنها تنظيم النقل ،
لاشك ان الورثة الثقيلة في نقص البنى التحتية للنقل هي احد اسباب الازدحام وما يسببه ذلك الازدحام من خسائر واضرار للأقتصاد الوطني والبيئة والصحة المجتمعية، فيما مضى كان العالم يواجه ظاهرة الازدحام ببناء المزيد من الطرق والجسور، ألآ أن الدول المتقدمة ادركت في وقت متأخر من القرن الماضي ثم تلتها مجموعة من البلدان النامية ، من ان بناء المزيد من الطرق والجسور يعني جذب المزيد من السيارات وبالتالي مزيد من التدهور البيئي ومزيد من الخسائر في الاقتصاد الوطني ومزيد من ضحايا الطرق وفوضى المرور، أكد هذا الادراك اعلان شنغهاي عام 2010 والذي كان شعاره مدن افضل – حياة افضل و تم تبني هذا الأعلان من قبل مؤتمر موئل الأمم المتحدة الثالث للاسكان والتنمية الحضرية المستدامة عام 2016 واعتبرته دليل للتنمية الحضرية المستدامة للقرن الواحد والعشرين من خلال التاكيد علي دمج القضايا البيئية و استخدام مصادر الطاقة المتجددة وبناء مدن ذات بيئة منخفضة الكربون. وكان للنقل الاولوية في ذلك لأنه القاسم المشترك بين هذه المتبنيات الثلاث فهو المصدر الاهم من مصادر الانبعاثات ، والنقل هو الحاسم في استخدامات الارض وبالتالي بناء المدن حتى بات الترابط بينهما مثل حكاية الدجاجة من البيضة او البيضة من الدجاجة،
دولة رئيس الوزراء ، أن قطاع النقل مسؤول عن ثلث الانبعاثات البيئية الضارة وهذا ما اتفقت عليه كل وكالات حماية البيئة الدولية ، مع ان دول تلك الوكالات فيها من القوانين الصارمة في تحديد كميات الانبعاث من المركبات على اختلاف انواعها واستخدام الوقود المحسن وسنين من استخدام السيارات الهجينة أضافة الى وجود نقل عام كفوء يعوض عن مئات الالاف من السيارات الفردية التي تتعرض لأقسى التدابير للحد من حركتها، ، فما بالنا في بلد يفتقر الى ابسط الشروط المتبعة حتى في افقر بلدان العالم
اليس من المفارقة أنه في الوقت الذي تتعافى العديد من المدن في البلدان المتقدمة والكثير من الدول الاخرى من حقبة تنمية تهيمن عليها السيارات من خلال وقف بناء المزيد من البنى التحتية للمركبات ، نعود نحن لأحياء سنة اندثرت وأمامنا الكثير من الحلول الاقل كلفة أقتصدايا وألأفضل بيئيا وصحيا واجتماعيا ، والتي تستجيب للجهود العالمية المدرجة في اهداف التنمية السبعة عشر التي اطلقتها الامم المتحدة عام 2015 والذي اعتبرت النقل هو الوسيلة الاولى لتحقيق تلك الاهداف عندما اصدرت ملحقا منفصلا عن النقل ودوره في تحقيق ذلك ، لقد ادرجنا في بحثنا المنوه عنه انفا تلك الحلول منها وبشكل مختصر ، اسلوب ادارة الطلب على النقل ، بناء المدن المدمجة ، استخدام النقل العام الحضري ، تطبيق نظام النقل الذكي
احتوى ذلك البحث وبشكل تفصيلي انواع النقل العام ومتى يتم تطبيق كل نمط من انماطه وكيفية تمويل انشاءه ومن هي المنظمات التي يمكن ان تساعد في اعداده وحصلنا على استعداد بعضها في اداء هذه المهمة ،
دولة رئيس الوزراء ، انشاء المزيد من الطرق المكلفة ليس سوى حلول وقتية سرعان ما تكون جاذبة لمزيد من السيارات، لقد حان الوقت لأعادة دراسة الامر بشكل علمي ووفق الاتجاهات العالمية الحديثة وإعادة تخصيص مساحة على الطرق للنقل العام والنقل غير المزوّد بمحركات. لتطبيق المقاربة الواردة في اعلان شنغهاي والتي سميت بـ «حمية الطريق تيمنا بالحمية الغذائية « أو «الشوارع الكاملة» والتي تتناغم واهداف الامم المتحدة السبعة عشر لهذه الالفية
دولة رئيس الوزراء – الامر الثاني يتعلق بمشروع قطار بغداد المعلق ، فالبرغم من ان هذا المشروع لاقى رواجا شعبيا كبيرا بسبب لهفة المواطنين الى وجود نمط نقل عام كفوء اسوة باغلب مدن العالم في عاصمتهم التي كانت اول مدينة في الشرق الاوسط خططت لأنشاء مترو الانفاق فيها ، وقد تكون اخر مدن العالم لانشاءه ،
الا ان هذا المشروع ونعني به القطار المعلق يحمل الكثير من الملاحظات بعضها تم مناقشتها خلال حضورنا ورشة عمل هيئة المستشارين في اب عام 2016 وبعضها في لقاء مع امين بغداد السابق د. ذكرى علوش ، والتي على ضوء تلك المناقشة رفضت احتواء المشروع ضمن مشاريع امانة بغداد عندما حاول مجلس المحافظة للتخلص منه ، أن ملاحظاتنا تتضمن :-
كان الحديث في بداية المشروع على أنه قطار أحادي السكة (مونوريل). ثم تغير الحديث الى قطارعادي التصميم الذي قدمته الشركة الستوم(الستوم شركة مصنعة على وزن سيمنز والمصمم عقد باطني مع سيسترا المصممة أيضا لمترو بغداد في نسخته الثانية مع امانة بغداد ) كان ضبابيا ، فحسب اجابات مجلس محافظة بغداد خلال لقاء جمعنا ببعض اعضاءه من ذوي العلاقة بوجود السفير الروماني الذي كان يحمل مشروع انشاء ترام لمدن عراقية ومنها بغداد في كانون الثاني عام 2015 ، قيل إن التكلفة المدفوعة كانت لتصاميم عامة ، ثم قيل ان التصميم تفصيلي خلال ورشة العمل في هيئة المستشارين في اب عام 2016.
مسارات المشروع
والأهم من ذلك أن المشروع لم تسبقه دراسة جدوى اقتصادية كما هو سائد لبقية المشاريع، خاصة وأن جدوى دراسة النقل مهمة للغاية في تحديد ملامح المشروع مثل مسارات المشروع وحركة الركاب وتقدير أحجامها ، وفي ضوء ذلك يتم عمل تصميمات السعة للمحطات وسعة القطارات والعربات ، مع مراعاة سعة سنة الهدف ، وليس العكس .
القطار الاحادي السكة عادة ما يتم انشاءه مرتفعا عن سطح الارض وفق حق الطريق صنف A ، والسؤال أذا كان قطار عادي، لماذا يكون مرتفعا في كل مساراته مع وجود مساحات من الارض يمر بها خالية من أية شواغل وبالتالي لا تشكل عوائق لمساره ، أذا ما عرفنا أن كلفة المسار المرتفع تبلغ ثلاثة أضعاف المسار المقام على ألأرض،
بشكله المرتفع فانه سوف يشكل اعاقة لاستخدامات الارض مستقبلا خصوصا ان مدينة بغداد تحتاج الى اعادة نظر في استخدامات الارض والاعمار فيها بعد أن فقدت ملامح المدن العصرية بسبب الفوضى والعشوائية التي سادت منذ ما يقرب اكثر من اربعين عاما وأزدادت سوءا خلال العشرين سنة الماضية . وأتمنى قبل المباشرة في تنفيذ هذا المشروع ، ان تجري مناقشة تفصيلية يحضرها المعنيون ، ومن ثم القرار أما الاستمرار في المشروع او أجراء تغييرات عليه أو تحويل مبالغه الى مشروع نقل من تلك التي اقترحناها في بحثنا والذي سيكون اكثر كفاءة واقل كلفة وسيغير من مظاهر فوضى النقل العشوائي السائد الآن . وفي رأيي المتواضع ان فرض هيبة الدولة تبدأ من الشارع.
وبمناسبة اهتمام دولتكم بموضوع الخط الحلقي الرابع حول بغداد ، اود الاشارة الى ضرورة اعادة تفعيل دراسة اعدتها شركة انكليزية متعاقدة مع امانة بغداد في ثمانينيات القرن الماضي فيها الخطوط الحلقية الاربعة لمدينة بغداد اضافة الى الخط الدائري للسكك الذي يمثل الخط الخامس ان جاز التعبير.
دولة رئيس الوزراء قبل ان اغور في الملاحظة الثالثة هنالك بيت شعر عربي قديم صار مثلا ، يقول الى الماء يسعى من يغص بلقمة الى اين يسعى من يغض بالماء للمرة الثانية يتم مصادرة فكرة قدمتها الى احد مؤوسسات المجتمع المدني عام 2007 ضمن ملف مقترحات تطوير اثنى عشرة قطاع خدمي تسلم نسخة منها مستشار السيد المالكي الزراعي ايضا عام 2007 ، هذه الفكرة تتلخص في تطوير قطاع الاسكان بشكل عام مع فكرة لتجديد مدينتي الصدر والشعلة وقد نشرتها في صحيقة الدستور البغدادية عام 2008 ، الا ان امين بغداد الاسبق نسبها اليه رغم ان نشرها في الصحافة وايداعها الى مؤوسسة المجتمع المدني ولدى مستشار رئيس الوزراء قد تم في وقت يسبق تبني امين بغداد لهذه الفكرة ويمكن الاطلاع على تفاصيل هذه الفكرة التي لا يستع الوقت هتا للخوض فيها، لكن السيد امين بغداد فهم الفكرة بشكل اخر، فذهب بعيدا وتعاقد مع شركة اجنبية انكليزية لتصميم مدينة الصدر الجديدة ، واليوم يتبنى مجلس الوزراء الموقرهذه الفكرة .. والفرق هذه المرة الالتزام بواحد فقط من شروطها من خلال اعتماد بناء عمارات من ثلاث طوابق ، لكن بقيت نقطة الخلاف في تغيير المكان حيث تفترض الفكرة بناءها على نفس مساحة المدينة الحالية وعلى شكل مراحل، بثوب عصري يليق بانسانية الانسان ويعوض معاناة اهلنا فيها لعقود من الحرمان والغاء التلاصق السكني الحالي الغير صحي، أضافة الى عدم تمكين المدينة بوضعها الحالي من استيعاب اية بنى تحتية على اتم وجه، والطوابق الثلاث تتناغم ورغبة السكان في التمدد الافقي ، لأن كل عمارة سوف تجمع الأقارب وتستوعب الانشطار العائلي وفق بناء يوفر الاستقلالية ويحقق القرب ويوفر المناخ الصحي ويحقق توفر مساحات خضراء وخدمات متكاملة من الارض التي ستفيض عن الحاجة نتيجة ضغط البناء، وسيعود الامر بالفائدة على الدولة من خلال تقليص مساحات الخدمات وكلفها .
مهندس استشاري