عدنان أبوزيد
تتيح نوافذ التواصل الاجتماعي، النشر السريع للإنتاج الأدبي، والترويج له، كما تتيح الحوار الثقافي المباشر بشأنه، لكن
هذه النوافذ الفورية في التراسل أسهمت أيضا، في نشر الأعمال الأدبية السطحية، وفسحت المجال لغير أصحاب الاختصاص والمبدعين الحقيقين، للظهور على الساحة الإعلامية والأدبية، وقد شكّل ذلك خلطا لدى المتابعين الذين لا يستطيعون القدرة على التمييز. واذا كان التواصل الاجتماعي، والنشر الرقمي المباشر، أتاح للكتاب والمؤلفين الجدد نشر كتبهم وإطلاقها الى الجمهور بشكل مستقل، وغير مكلف، فانه ساهم أيضا في استسهال الكتابة والنشر، من دون اعتبار للمعايير الفنية، وحتى القيمية.
وفي حين يجد الكاتب نفسه اليوم، عبر هذه الوسائل، أمام فرص التفاعل مع القراء عبر تبادل المعلومات والآراء والمشاركة في النقاشات الثقافية والأدبية، إلا ان هذه الوسائل أثّرت على القدرة في التركيز، والتمييز بسبب الكم الهائل المطروح في الأسواق.
وبديهيا، فان التواصل الاجتماعي، يشجّع على القراءة والكتابة والإبداع لكنه في نفس الوقت يروّج للنماذج الأدبية واللغوية الضعيفة والسطحية. وقد يكون مهما، الإشارة إلى إن التواصل الاجتماعي قد يؤثر على الإبداع الكتابي والأدبي بسبب الضغط النفسي الذي يحدثه على الكتاب والمؤلفين، وانشغالهم الدائم بالمتابعين، وبما ينشره من اخبار ومعالجات، هائلة العدد، ما يؤدي إلى تقليل جودة اعمالهم الإبداعية، كما إن الوقت لم يعد كافيا لمتابعة كل هذه الاعمال اليومية. وأبرز سلبيات التواصل الاجتماعي والنشر الرقمي، إنه يستسهل نسخ الأعمال الأدبية والكتابية، ويؤدي إلى انتشار القصص والأفكار دون إذن أصحابها، وهذا يؤثر على الحقوق الملكية ويقلل من حوافز الكتاب والمؤلفين لإنتاج المزيد من الأعمال الإبداعية.
غياب النقد
يرى الكاتب والمؤرخ العراقي، الدكتور ابراهيم خليل العلاف، في حديثه لـ الزمان، أن “وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة استطاعت ان تقوم بدورها الفاعل في نشر الكتب والمقالات والدراسات الابداعية والتاريخية والفنية والثقافية عموما، وهذا شيء جيد ساعد في تعميق المعرفة وتوسيع دائرة اليقظة”.
يشير العلاف، الى أن “بعض ما ينشر في هذه الوسائل غث، والبعض الاخر سمين، وفي هذا، فان وسائل التواصل الاجتماعي حالها حال وسائل التواصل الاخرى المقروءة والمسموعة والمرئية، تزخر بما هو مفيد وما هو غير مفيد وهنا يأتي دور النقاد الذين لم يتمكنوا من متابعة ما حصل على صعيد الثقافة الرقمية والنشر الالكتروني، فعجزوا عن تقييم الكثير من الاعمال، بل تخلوا عن مهمتهم في متابعة نشر المعرفة”. يستطرد العلاف في أن “الغث والسمين كان موجودا في الصحف والمجلات وظهر على مستوى اصدار المجاميع القصصية والروايات والنصوص الابداعية الأخرى، لكن كان هناك نقادا قاموا بواجبهم، أما في وسائل التواصل الاجتماعي لم نجد مثل هذا الدور او الوظيفة”.
يسترسل العلاف في القول، أن “النقاد مطالبون بأن يقوموا بواجبهم في التقييم والنقد وتمييز ما هو مفيد وما هو غير مفيد فيما نحن كقراء لا نستطيع ان نمنع احدا من ان يكتب قصة او رواية او ينحت تمثالا او يكتب مقالا لان هذه الوسائل هي شخصية وهي من أعظم منجزات البشرية التي حولت العالم الى قرية كونية صغيرة متفاعلة”.
مشاكل اخرى قادمة على الطريق
واعتبر الشاعر والكاتب العراقي جواد الحطاب إن “التواصل الاجتماعي لم يقل كلمته النهائية بالنسبة للكاتب، وهناك ما هو على الطريق، قادم”. وقال الحطاب لـ الزمان إن “واحدة من مشاكل ما يعانيه الكاتب الان – بمختلف اختصاصاته – هي “الغربة” التي يعيشها مع المتلقي الذي يتوجّه اليه بخطابه”، مشيرا إلى انه “ومن بدايات وعينا، كان الكتاب هو صديق اوقات فراغنا، مهما كانت هذه الاوقات ضئيلة او مسترقة، بعكس ما نراه اليوم لدى جموع الشباب – الذين نعوّل عليهم كقرّاء- فقد اكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي – ايضا بمختلف اختصاصاتها – جغرافية الكتاب السابق، و(جيّرتها) لصالح الموبايل، حيث التصفّح الهامشي، والمرور السريع، والبحث عن (خلاصة) للفكرة التي شغلت الكاتب ربما اشهرا او زمنا يمتد الى ابعد من ذلك، في الكتابات الفكرية – مثلا”. ويعترف الحطاب بان “وسائل التواصل الاجتماعي صارت معبرا للشهرة، والانتشار الذي يحتاجه الكاتب، ولكن ليس تلك الشهرة المستدامة، ولا الانتشار الذي يبقى طويلا في الذاكرة”، مؤكدا على إن “هناك مشاكل اخرى قادمة على الطريق”.
تجربة مفيدة في التواصل الاجتماعي
وتتحدث الشاعرة العراقية سلامة الصالحي لـ الزمان، عن تجربتها الشخصية، وكيف أن “منصات التواصل الاجتماعي فتحت لي نافذة كونية لم تكن متاحة لأنشر فيها نصوصي الشعرية وتفاعلي مع الاحداث”.
تقول الصالحي: “لو لم تكن لي صفحة ومتابعين من كل انحاء العالم لما عرفني الناس مثلما الان، ولما تعرّفت على آخرين غيبتهم الاحداث والأيام”.
وتعتبر الصالحي أن “الفضاء متاح، لكل النتاجات، وللقارئ الحرية في اختيار ما يريده من اصدقاء ومنشورات”.
فوضى النشر
الروائي العراقي، شوقي كريم حسن، يقول لـ الزمان، إن “التواصل الاجتماعي مشكلة انسانية باتت تشكل خطراً على مجمل الحياة الثقافية، فقد توقفت الكثير من الجرائد والمجلات ذات التاريخ العريق، ومن خلال هذا المدخل الخارج عن السيطرة، اسهمت تلك الوسائط في غياب الرقيب والمتابع والتحول الى فوضى النشر التي لا تفيد بشيء”.
يتحدث حسن عن إن هناك “الكثير من المجلات والكتب التي تمر دون ان ينتبه اليها احد ومتابعاتها تكاد تكون معدومة، ذلك ان تلك الوسائل عملت على تقديم السطحي الساذج وابعاد كل ما هو مهم وعالي المعرفة، مع الاشارة الى تراجع المطبوع الثقافي الورقي بشكل لافت، فضلا عن تكدس مئات العناوين المهمة على قارعة الطريق في شارع المتنبي وسواه”.