كتابات لاتعتمد صناعة الإستعارات والرمزية – اضواء – نور العربي

تحسين عباس وحوارياته الغزلية وأسلوبه المتميز

كتابات لاتعتمد صناعة الإستعارات والرمزية – اضواء – نور العربي

آتٍ إلينا من قلب الشّعر من أرض القصيدة , ليضْفر الشمس َجديلةً. ويتوسّد اللّيلَ همسا ويبلّل العطش نسيماً ويعزف لنا من أنفاسه إبداعاتَ قلم وأوتار عود . قلت له في مزاح الكلمات :” على كتفيكَ أشتهي أن أغرز قوافي قصيدتي في جنون وأعتصر من الغيب تلك الحروف لأصيّرها يقينا…”

تبسّم عن ثغر الرّضا وأحاب لقد سبقتْكِ في العشق قصيدتي. حين وُلِدت وجدتها توأمي…فأسرجَنا الهوى على نفس الرّكب في أبجديّة المدى…”

“وكأنّي بكَ تنقش على زخرفة بابي وتقرع بدندنات العود خفقات القلب فمن أنتَ أيّها العازف على الوتر؟ هكذا انساب تطفّلي بالسؤال وقد عرفته من خلال ما قرأت له : شاعرا ذي أحاسيس قوية استجمعها وقت السّكون من لمعة خيالية فتألق وميضها في سماوة الفكر وانبعثت أشعتها إلى صحيفة القلب …تألم في ماضٍ فنثر سعادته بلا حدود ووشّاها بأحلامه .عاش بإنسان يقبع بداخله الإنسان الشّاعر المتوهّج الباجث في الغيب عن يقين الحبّ .

أصدر ديوانيه : عقارب الذاكرة وفاكهة العطش الذي يضمّ حواريات شعريّة مع الشاعرة السعوديّة ايلينا المدني.

هوّ الشاعر العراقي تحسين عباس في هذا التعريف العابر في هويّته الشّعريّة أمّا هويّته المدنيّة فأكتفي بالقول أنّه ابن العراق .

إذا تطرّقنا الى قراءة سريعة لقصائده نقول أنّ الشاعر تحسين عبّاس يوزّع نصّه الشعري على القرطاس

ويشكّله على مستويات مختلفة منها المستوى البنائي للغة ليستخرج منها أقصى طاقاتها التعبيريَّة والدلاليَّة والصوتية والإيحائية وفي بعض الأحيان منها التقريريّة ففي لغة القصيدة “حجامة قلب نجده أمام ملحمةٍ من الاستعمالات اللغويَّة الجديدة، بل أمام ثورة عارمة على المألوف…..نستشفّها أوّلا من العنوان (حجامة قلب ) وفي بعض الابيات .”ما وراء الصمت قِصَّةٌ مُعبَّأةٌ بالشِفاه” …” تلتَحِفينَ فوضايَ فأطعِمُكِ تنهيداً يُبخِّرُ لقــــــاءَنا بالحُــــــبّ على أرائكَ من عطـــــشٍ نرى تقلُّبَنا في العاشقين….

أما على مستوى الأفكار، فكأن الشاعر يذرّها لتسطو عليها التلقائية، والعفوية، واللحظة الماثلة واللقطة الخيالية السائحة.بحيث يمكن له أن يتقبل من قريحته كل ما تجود به عليه، “إنه نزوع إلى الاعتراف من عطاء الرّوح.”

في أحدى الأماسي وبين ترانيم شدو الشعر خفقت روحي بين السّطور لتسرق منه لقاء شعريّ خاطف في حوار استحال فيه تنميق الكلام ورتابة الايقاع بل حاورته شاعرا مفكّرا ناقدا و مثقّفا…

{ إن البعد الذاتي للأثر الأدبي الشعري يمثل حجة جامحة للنزوع الذّاتي التي تجعل من الشاعر موضوعا قابلا للتفسير والعقلنة. وهنا بالذات يمكن أن يتجاوز لغة السّطور إلى عمق الهويّة المبدعة لنكشف عن تفاصيلها . من هوّ الشاعر تحسين عبّاس في بعده الذّاتي ؟

–           برحابة الصّدر أجاب :” بعيداً عن التعريف السائد وانطلاقاً من حداثة طرحك للسؤال اقول أنا ذلك الاناء الذي يملأه الجمال لينضح بما يراه من خلال تجربته الفنية ورؤيته للأشياء ، انا تلك الورقة البيضاء التي يُدوِّن عليها المجتمع حاجاته الانسانية بمدادِ شعري او نغمات موسيقاي .

{ تحسين عبّاس شاعر ماذا يريد أن يبحث من وراء لغة شعره وبأسلوب التضمين وجماليّة الإستعارات والرّمزيّة التي يختارها ليبلّغ بواسطتها الرّسالة الشعرية ؟

–           في طبيعة كتاباتي لا أتعمد صناعة الاستعارات والرمزية وما الى ذلك من اساليب الكتابة في المجاز والكنايات ، ما عليَّ سوى ان يقترحني الشعر ذات نغم في ملكوته حتى أتلقَّف ما تأتيني به الروح من الاساليب المذكورة آنفاً.

{ ممّا قرأت لشاعر الرومانسية وشاعر الحبّ التليد حواريات شعريّة بينك وبين شاعرات عربيات مبدعات مثل الشاعرة إيلينا المدني ..هل هذا الاختيار فُرض عليْك عبر سطوة السّطور أم هوّ اختيار جديد رأيت فيه نمطا شعريّا يستحوذ على  ذائقة القرّاء  ويكون حداثوي   ؟

–           اغلب اساليب التجديد اذا صح التعبير تأتي من توافق بلا اتفاق أي لا تأتي بتفكير وتخطيط مسبق فما وجدتُ نفسي الا محاوراً في بداية مشواري بالحواريات نصاً للشاعرة الاردنية عائشة الحطاب لما رأيت في داخله روح الانثى الصادقة وقد تلتها حوارياتي مع الشاعرة ايلينا المدني التي أخذت العدد الاكثر من مجموعتي الشعرية الثانية . استطيع ان اقول في أخر كلامي بهذا الخصوص انها رائحة النص هي من جمعت وباركت هذه الطريقة من الشعر أو كما إسميتيها ( سطوة السطور) من كلا الطرفين.

{ فاكهة العطش ديوان جمع بين الرومانسيّة المطلقة وبين البحث عن الآخر _ وهنا بلا خجل أقول “حوّاء” وأتحاشى لفظ أنثى لأنّ لهذا اللفظ خصوصيّة الانفراد به_ المكنون السابح في غيا هيب خيالك.. فهل نقول أنّ البانوراما المتلوّنة بكلماتك وراءها توحّد في ذات خفيّة ألهمتكَ صوفيّة العشق؟

–           من المعلوم في فقه الشاعرية ان في داخل كل أمراة رجل مثالي وفي داخل كل رجل إمراة مثالية وكلاهما يبحث عن الآخر بخيال جامح بغية أن يجده وانا قد اعتمدت هذه الفكرة الشعرية في مناداة حوّائي الخاصة ان لم اقل انثاي وقد لعبت دور المرأة في الحواريات كل من الشواعر العربيات ، هذا مما استأثر فيَّ الشعر لكي أوظفه من اجل تشكيل الكون الذي نعيش فيه أدبياً

{ الشعر في حقيقته موهبة وإبداع وهو حكمة وهدف وأدب الشعر مادة خصبة للدراسة وباب واسع يتضمن فنونا وأغراضا مختلفة منها الوجداني وهذا ما التمسته في أشعارك – زقزقة حبّ _ كوثر الحبّ / هسهسة حبّ / لحظة روح ….الخ التي تموّجت بأعمق المشاعر الإنسانية وارق العواطف القلبية لكن ما شدّني هوّ الإثارة في عنونة القصائد فهل ابتعدت بذلك عن محتوى المضمون أم أنّها إضافة نوعيّة في بذخ استفردتَ به ؟

-السيموطيقيا وهي معنى العنونة وحسب رؤيتي الخاصة لصياغة العنوان تنطلق إما من المعنى العام لموضوع النص او من تركيب جديد جاء في داخل النص استحسنه لكي يكون عنواناً لقصيدتي فانا لست مع من يبتعد في عنونته عن المحتوى العام للنص لانَّ العنوان جزء لا يتجزأ من النصّ الاصلي.

{ الكتابة الشعريّة قادرة على بناء معايير الاختلاف النوعي والحسّي بين نخبة الشعراء في معالجتهم لقضايا المجتمع لما يحصل فيه من استحضار الواقع في الصور المبثوثة بأسلوب كيفي. لماذا لم يطغَ هذا النوع على أشعار تحسين عـباس ؟

–           أنا لما التجأت للكتابة في الغزل لم يكن فعلي هذا الا اصلاحاً لما تعانيه المنظومة الاجتماعية العربية والشرقية من تفكك وبما أن اصل الكون يرتكز على الجنسين من ( ذكر وانثى ) فقد رأيت أن ابتدأ من هنا ولما استقرأت الواقع الأدبي رأيت من الادباء الذكور من حطَّ من مكانة المرأة في المجتمع كما رأيت من الادباء النساء ممن اقتنصنَ شواذ الصفات الطارئة للذكور ليجعلنها مثالا للرّجل وهذا مما يفكك المنظومة الكونية …

{ إن التعبير الجمالي يتم وفق قانون الجمال لأن جدلية إثباته ونفيه هي في الآن نفسه جدلية الجميل بما هو حركة محرّرة للنصّ الشعري من القيد اللفظي فهل ترى تحسين عبّاس الشـــــاعر فــــكّ قيده من قوانين اللــــــفظ ؟

–           حاولت جاهداً ان ابتكر كثيراً من التراكيب الشعرية في نصوصي لسببين اولهما فك قيد اللفظ وثانيهما لتوسيع طريقة التوصيل للمُخاطب كما سعيت في الابتعاد عن المباشرة قدر الامكان.

{ تشهد الساحة الأدبيّة بامتياز بوفرة الإنتاج الأدبي والشعري منه ما يجسّد تلك الإبداعات الخلّاقة ومنها ما يجسّد هبوط الكلمة في ابتذال يشكّل منهج خراب لثقافة دونيّة لا تتناغم وذوق القارئ المعاصر ولا تنمّي فيه حسّ الصورة الشعريّة والحركة في انتظامها السريع مع ذائقته . حسب رأيك ما هيّ دواعي هذا الهبوط في مستوى الكلمة الشعرية اليوم ؟

–           قد تطرقت بمقالة لي في هذا الخصوص تحت عنوان ( فنجان من الرأي) منشورة في عدة صحف عربية وعراقية وقد تناولت جملة من الاسباب التي أدت الى اللامبالاة في الأدب وكان من ضمنها عدم الفهم الصحيح لمبدأ الرأسمالية الذي انتشر في اغلب البلدان العربية مما ادى الى سعي الكُتاب جزافاً اليه دون الاكتراث الى النوع الأدبي والفكري حيث يسعى الأديب الى استرشاء النُقاد من اجل ان يعتلي مراتب الشهرة ومن اجل ان يُستكتب من قبل صحف معينة بعد ما يُنشر عنه في الصحف المعتبرة من نقد باعتباره اصبح مشهوراً لان الناقد الفلاني نوّه بإبداعه !!! والسبب الثاني ان هذه اللامبالاة ولّدت لامبالاة اخرى في المحاباة والمجاملات في المهرجانات الادبية على حـــــساب سمو المادة الثقافية لــــــلأدب مــــن أجل تبادل الدعوات وما شــــابه ذلك..

{ الشّعر وعلى اختلاف التـــيارات الإبداعية الأدبيّة الأخرى يشهد انتكاسة يمكن أن نسميها القارئ فهل يعود هذا إلى عدم اكتشاف الشاعر للغة القارئ أم هوّ تقلّص في الصور الخيالية التي فقدت ابداعها وجمالياتها ؟

–           حتى لا يجرُّنا الجواب الى تناول نظريتي (الفن للحياة ام الفن للفن ) سأقول: ان لغة الشاعر يمكن اكتشافها من خلال تعايشه مع ما يظهر من مسميات الحياة الحديثة في تقانتها العلمية ومن ثم الاجتماعية والاقتصادية ومن خلال ما تصطاده روحه من لاهوتية الشعر؛ ونحن نعرف ان احدَ اساسيات النص الادبي هو عامل التوصيل فلا يكتمل الجمال الا به، فما نفع الكروان ان غنى في اعماقه صامتاً وما هي قيمة الجمال ان لم يستمتعْ بها فؤاد وتعيها أذنٌ شاعرة ، فرايي في خصوص هذا المنظار ان طريقة الكتابة في ( السهل الممتنع) خير وسيلة لاستجلاب القارئ ومن ثَمَّ النهوض به ثقافياً . فانا ارى عدم وصول الخــــــطاب الشعري الـــــى المتلقي هو عجز الشــــــاعر عن الابتكار.