الرؤية عالم أفتراضي مفعم بالحركة
كاشان وقدرة تصوير الواقع بتناقضاته – نصوص – علوان السلمان
الرواية..(المغامرة والمجازفة)..عالم افتراضي يتميز بالحركية المتفاعلة ومكوناتها اللغوية وتأثيثاتها الشيئية..كون خطابها البحث عن آليات سردية متجاوزة للثبات والنمطية..لذا فهي(عملية بحث دائم يسعى الى تعرية واقع مجهول وان اكتمالها وكمالها مرهونان ببحثها المستمر..)..على حد تعبير ناتالي ساروت..من اجل تخليق منطقها الداخلي وبلورة جمالياتها..وهذا ما يجرنا للاشارة الى مفصل مهم من مفاصلهاالا وهو التجريب بصفته ستراتيجية لها منطلقاتها النظرية ورهاناتها الابداعية وطرائقها الفنية وتقنياتها الجمالية وقد اختصرها الدكتور صلاح فضل في دوائرموجزة انحصرت بابتكار عوالم متخيلة لا تعرفها الحياة العادية وتوظيف تقنيات فنية محدثة كتعدد الاصوات وتيار الوعي مع اكتشاف مستويات لغوية في التعبير تتجاوز نطاق المالوف عبر شبكة من التعالقات النصية مع توظيف لغة التراث السردي والشعري او اللهجات الدارجة لتحقيق درجات مختلفة من شعرية السرد والوصول الى نص غير مالوف وتحقيق البصمة الابداعية لصاحبها ..كون الروابة هي الشكل الادبي الوحيد الذي يرفض الاكتمال على حد تعبير الناقد الروسي ميخائيل باختين..
و(كاشان)..العالم الروائي المشهدي الذي خلقت خيالاته و نسجت عوالمه انامل المبدع خالد الوادي واسهمت دار الفرات للنشر والتوزيع في نشره وانتشاره/2012..كونه يسهم في كسر آليات السياق الخطي ويسعى الى خلخلة البنية السردية باعتماد المشهدية السيمية التي تدين الحرب وتعريها عبر مشاهدها المعنونة بفونيمات احادية التشكيل مرة كما في..(بسعاد/عرس/شرط/ تساؤلات/الزعيم/الجبهة /المعركة/الرياء/اخيرا) وثنائية (ولادة عسيرة/علوان عربنجيا/بداية الماساة/حوار مبرر/بداية الصراع/لحظة فرح/بسعاد تتزوج/سعدون عسكريا/لحظات استثنائية/البيت..الحرب/حلم آخر/دلالة وشم) واخيرا ثلاثية التركيب كما في(الموت وبيت الطابوق/ البحث عن الهوية)..ورمزها الذي يتكرر على امتدادات واسعة من السرد كقيمة عليا الوصول اليها حلم..لذا حمل عنوانها بعد ان استل من بين العنوانات الفرعية..وشخوصها المازومة والمهزومة المتمثلة في(علوان العربنجي السفيه العاجز البطيء بكل شيء الا فحولته الجامحة..)و(امينة زوجته التي نامت بجواره وهي غير راغبة فيه..)و(ام جاسب القابلة الغير ماذونة التي تثرثر كثيرا عن المال والولادات وزوجها الذي مات بمرض السل..)و(سعدون حلم امينة الذي لم يكتمل بسبب موتها..)و(بسعاد الوهج الحزين الذي يعتري وجهها والتي تمنح ودها لسعدون وتكشف لعلوان انها ام بديلة بامتياز ويتحقق ذلك بزواج علوان منها..(و(عبدالكريم قاسم بحذائه الاحمر وبزته العسكرية وقبعة على امتداد راسه يضحك بوجه سعدون ويردد (تريد مني كاشان واني بطرك البطانية)..ص59..و(جاسم الذي يستحوذ على بيت علوان بعد موته وزواجه من بسعاد..).. التي تجمعها الحوارات الموضوعية التي تسهم في غياب الراوي العليم و تكشف عن نفسيتها وبيئتها من خلال استخدامها للهجة اليومية..فضلا عن الافادة من معطيات الخيال وخلق الايهام بدمج الحاضر بالماضي مع امتلاك القدرة على تصوير الواقع واستلهام تناقضاته..كونه يتمتع بشموليته لخارطة الوجود مع قدرة على رصد العلاقات الاجتماعية بمكوناتها الفنية(الحدث/ الشخوص/المكان بشقيه(المغلق والمفتوح)/الزمان/الحوار(الذاتي والموضوعي)..المنفتحة على مجموعة من الضمائر بدءا بضمير المتكلم(الانا والانا الجمعي المفترض داخل النص) وانتهاء بضمير الغائب..
(من جديد اساعد ابي.. لكني ما زلت افكر بهذه الفرشة المبهرة..وتمنيت لو امتلك واحدة مثلها..انها رائعة..تخيلت ان لي حجرة جميلة افرشها بهكذا فرشة واستمتع بوقتي معها..لن اخرج ساظل اتمرغ على حريرها الجميل..
انتهينا اخيرا..لقد وقف والدي ينتظر السيدة التي ذهبت لجلب النقود..سالته عن اسم تلك الفرشة وقلت:ابي لماذا لا نملك واحدة مثلها؟
لم يبال لاسئلتي وظل يفكر..لا اعلم بماذا يفكر؟لكنه كان واجم الوجه..اتت السيدة واعطت ابي النقود..نظرت لي نظرة مريحة وقدمت لي كيسا وقالت:هاي اشياء الك ودير بالك على نفسك..
لكني لا اريد الكيس..بل اتمنى لو تمنحيني فرشة كالتي هناك في الصالة..
ضحكت السيدة عاليا..واتكأت بمهل على الجدار الابيض..نظرت الي نظرة محيرة..صمتت لبرهة..فيما ابي ظل ينظر الي بذهول..قالت:تعرف هاي السجادة شسمها؟اكيد انت متعرف..هاي يسموها كاشان..والكاشان نوع خاص من السجاد يصنع بايران ما يمتلكه الا الملوك والرؤساء واصحاب الفلوس الهواي..ماما اشبع خبز اول مرة وبعدين دور على كاشان..) ص55 ـ ص56..
فالنص يعتمد المقطعية المشهدية التي يربطها ببعضها خيط رفيع من الواقع ويوحدها سياق فكري يكشف عن براعة الراوي التي تظهر في نسيج البناء السردي بلغة ضمير المتكلم الذي اخذ حيزا واسعا من عوالمه المتمركزة حول شخصية (سعدون) الحالم بالسعادة التي لا تتحقق الا عبر سجادة الكاشان التي ابصرها صدفة حين دخل الى قصر من قصور اصحاب الاموال فيلازمه المشهد حتى نهاية السرد الذي ظل مفتوحا لكل الاحتمالات..لذا ظلت تلاحقه اضاءات الروائي عبر حلقات محورية رسم من خلالها ابعاد هذه الشخصية وتركيبها السايكولوجي وموقعها الاجتماعي الحاضر على مساحة من جغرافية النص الذي امتلك ادوات التجاوز وسطوة النسج للقوالب الجاهزة بلغة شكلت مكونا من مكونات الخطاب..
(لقد حل المساء مسرعا..الشتاء يتغلغل في مفاصل المدينة..والبرد ينهش الوجوه المعذبة..كنت استمع الى المذياع..كان صوت المذيع صافيا يبعث الخدر في اوصالي..تعلمت مع مرور الايام معنى الكلمات وبالتحديد تلك التي يطلقها المذياع..الاحداث ترغمني على ضرورة الفهم ومتابعة ما سيؤول له المستقبل حتى اني تعلمت النقاش مع الاخرين حول ازمتنا مع الجوع..كانوا متذمرين من الممنوع..يرهقهم الوقت الضائع بلا هدف..الصراع كان تافها اذا ما قورن بحجم الماساة..الجميع يبحث عن الخبز..بعضهم يقول: ـ الخبز وسيلة للانصياع..
واخرون خائفون من الجيوش التي تحيط بالحدود..كنت اسمع ان حربا جديدة قادمة..يا الهي..ما هذه الحرب التي ما انفكت تنتهي حتى تبدأ..قلت هذا ذات يوم..فهرب الجميع من حولي..خرجت الكلمات عالية من تلك اللحظة بدأو يحذرون
احدهم نصحني ان لا اتفوه بكلمات كتلك..قال:هي الحيطان الها اذان وانت بكل بساطة تحجي بالشارع..عمي دير بالك على نفسك..) ص131..
فالسرد ينفرد بواقعية(مبتكرة)على حد تعبير الكاتب..حية تتسم بالحركية مع اتساع مساحة المكان الممتد من القرية(انه متجه الى ام جاسب تلك السيدة الارملة..صاحبة السمعة السيئة حتى باتت جزءا مكملا لحكايات الناس هنا في تلك القرية المترامية الاطراف من الجانب الشرقي للمدينة العاصمة..) ص7..الى المدينة..مع رصد الموقف الاجتماعي لواقع الانسان..كونه يعالق سردا توثيقيا لامتدادات تحكي واقعا خالصا بحضور بعض المعطيات التاريخية المقترنة بالنص والتي تسهم في تشخيص معاناة المجتمع السابح وسط امراض نفسية ومادية..فكانت رسالة تجنح الى ماهو حافل بالقيم الانسانية عبر بنية اسلوبية اعتمدت الحوار بشقيه الذاتي(المونولوجي) الذي هو(حوار النفس والذات)..
(كان انيني منتحبا هذه الليلة اكثر من أي وقت ..اوصالي تتقطع بل تتشتت..حياتي على المحك والموت يجوب ارجاء جسدي..الا ان روحي يقظة لما يصيبها من الم.فهي تدرك مقدار الخطر الذي يحوم حولها فانا اتالم حد الجنون..) ص7..وحوار الواقع الموضوعي الذي هو حوار الشخوص وغياب الراوي العليم..
(لقد مد الزعيم يده الى جيبه واعطاني ربع دينار(ابو النخلة)كما يروق لي ان اسميه..وسالني:
ـ انت شنو اسمك..
قلت: سعدون
قال:اخذ سعدون هذا الربع الك..
قلت له: لكنه لا يكفي لشراء سجادة كاشان ص69..
فالتعبير الحواري بشقيه يوجه الخطاب صوب الواقعية بتراكيب لغوية تعتمد الفاظا مالوفة..فضلا عن تداخل السرد بالوصف مما يكشف عن تركيز الكاتب على الوصف المنصب على الفضاء الزماني والمكاني الذي تتحرك فيه الشخوص.. وتتحقق فيه الاحداث المشهدية التي تعرض بمنظور سردي من الخلف يكشف عن تحكم المنتج(الراوي) بجميع عناصر روايته التي يتكيء فيها الحكي على عالمين متلازمين: اولهما عالم خارجي(مرئيات/مسموعات..)و عالم داخلي(بوح/تداعي/استرجاع..)..
وبذلك قدم الوادي نصا سرديا مفعما بالخيال المتوهج للوقائع والمرتبط بالاحدث التي تضفي جمالية فاعلة متسائلة..كونها تعايش الواقع وتستفز الوعي لما تحمله من عمق فكري وبعد نفسي يجرنا الى عدها اشتغالا سايكولوجيا استنادا لمعطـــــيات الشخصية وــسلوكها وتحولاتها..

















