كاتم الصوت والإغتيالات السياسية
فيصل الشيخ رضا الزركان
لندن
ربما يعجز علماء النفس في تفسير نزعة المجرم لاستخدام صنف محدد من السلاح لإنهاء حياة مثقف أو عالم أو فنان اوصحفي كما حدث بالامس لاثنين من شباب ملاكات الشرقية، ولكن هناك ثمة جدلية غير مرئية وهي أن معظم المثقفين الأحرار الذين اغتيلوا في مناطق مختلفة من العالم، سقطوا بإطلاقات من كاتم الصوت.او القتل
جهرا ويسمى (بالاغتيال السياسي).
ويبدو أن السياسيين الذين يقفون وراء نزعة تصفية المثقفين والصحفيين مغرمون إلى حد العشق بـ “كاتم الصوت”، والأكثر من ذلك، أولئك السياسيون الذين كانوا إلى أوقات قريبة يعرفون جيداً أن “كاتم الصوت” هو السلاح المفضّل لأنظمة القمع الشمولية، وبعضهم كان ضحية لتلك الأنظمة، لكنه حين تغيرت الأحوال، عاد من جديد ليأخذ مكان فرسان تلك الأنظمة ويتقمص شخصية الدكتاتور أو الطاغية، ولكن بأسلوب أكثر فظاعة.. فهو في حين يطرح نفسه كواجهة نضالية من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى ينتهك حقوق المثقف والكاتب والصحفي والعالم والفنان الذي يبدي اعتراضه أو معارضته للأوضاع السائدة في ظل القائد أو المسؤول الجديد الذي أمسك بيديه مفتاح السلطة وفرض نفسه على إرادة الملايين من الناس.
“كاتم الصوت ولاغتيال السياسي” بضاعة رائجة في أوساط السياسيين العراقيين الجدد.. وإلا كيف يمكن تفسير عشرات الحالات التي تمت بها تصفية عدد ليس بقليل من الصحفيين والفنانين والعلماء العراقيين من شريحة المبدعين الذين أظهروا موقفهم المستقل في محاكمة الأوضاع المأزومة والسيئة في إطار المجتمع والسلطة العراقية.. فإذا قال الصحفي أو المثقف أن هنالك ثمة تحايل في صياغة الدستور، وأن بعض القائمين على إدارة البلاد لا يتمتعون بالأهلية المهنية أو العلمية، وأن هنالك ثمة ظاهرة خطرة وهي ظاهرة تزوير الشهادات، واحتلال مناصب الدولة من فئة جاهلة وربما أمية ولا تمتلك مؤهلات علمية حقيقية.. وإذا علّق بعض الصحفيين على ظاهرة اغتيال الكفاءات أو أشار إلى وجود فسادس شره في مؤسسات الدولة، كل ذلك وغيره يثير نزعة الانتقام لدى بعض السياسيين والمسؤولين في الدولة العراقية، وفي الحال تبدأ مرحلة الإعداد لتصفية كل من يتجرأ على قول ذلك.. ولكن طبعاً بواسطة “كاتم الصوت”، بالضبط كما حدث للصحفي المعروف عماد العبادي، الذي تجرّأ وانتقد بعض المظاهر السلبية، فنال عقابه في الحال؟
” الاغتيال السياسي للصحفيين والاعلاميين وعامة الناس جريمة ضد الانسانية النائب العام عنها محكمة الجنايات الدولية أجلا ام عاجلا.ليس كل مايحدث في العراق نلعن به الارهاب ونقول هو المسؤول الأول عن تصفية المبدعين والمعارضين العراقيين وعامة الناس من احزمة ناسفة وسيارات مفخخة،لابد للحكومة والاجهزة الامنية ان تقوم بدورها باطلاع الراي العام والمجتمع الدولي على مايحدث في العراق من المسؤول من هو الممول من اللذي يدفع من اللذي يؤويهم ويدخلهم كل هذا موقعه الامم المتحدة ومحكمة الجنايات الدوليه وليس الاعلام ، أما الجهة الأخرى التي تقوم بتنفيذ هذه الأوامر وهم من الجهلة والساقطين أجتماعيا وبهائم انتحارية تشاطرهم الحكومه والبرلمان بلجانهم التحقيقه التي لم ترى النور لدى المواطن العراقي والراى العام.إن فلسفة “كاتم الصوت ولاغتيالات السياسية” تنتعش في مراحل الأزمة السياسية، وتحديداً في مراحل الصراع على السلطة، وتهميش المجتمع.. والعقلية السياسية “الحزبية” قد تربّت أساساً على ممارسة العنف بأشكاله المختلفة، حينما تكون في صف النضال السلبي أو المعارض، ولكن حينما تستلم السلطة تسلك نفس السلوك لأن الأيديولوجيات الحزبية الضيقة عادة ما تميل إلى “الحسم” المسلّح، وتفضّل إسكات الخصوم بأي ثمن من الأثمان..
هذه الحالة ليست جديدة في التجربة العراقية، لكن الجديد فيها أنها تصدر من ذات الأشخاص الذين بشّروا شعبهم بالديمقراطية والتسامح والعدالة والانفتاح والحوار وعدم الخوف من الرأي الآخر والتظاهر المقموع!!.. تلك هي شعاراتهم الدميلة في مرحلة المعارضة، ولكن الشعب العراقي لم يلمس إلى الآن حقيقة هذه الشعارات.. بل على العكس، فإن قطاعات الشعب المختلفة أصبحت في موضع آخر، وهو ما زال ينزف دماً ويتضرّع جوعاً ويعاني من شح أو انعدام كل مستلزمات الحياة الاعتيادية.. طبعاً كل ذلك بفضل النخبة الجديدة البائسة من السياسيين الذين أمّلوا الشعب بالكثير من المكاسب، لكنهم بدلاً من ذلك، عاقبوا الكثير من شرائح العراقيين، وبعض العقاب هو التهديد باستخدام “كاتم الصوت ولاغتيالات”.
ضحايا “كاتم الصوت والمفخخات” معروفون للجميع، والقتلة معروفون أيضاً، ولكن درجة النفاق والادعاء التمويهي التي يستخدمها المجرمون الحقيقيون قد تخفي آثار الجريمة لوقتٍ قصير من الزمن، لكنها لا بد أن تظهر فيما بعد، وعندها سيتم اكتشاف تلك الوجوه الكالحة التي تقف حقاً وراء تصفية المثقفين العراقيين وعامة الناس بالضبط كما حدث في السابق وتم أغتيال الشهيد (الشيخ طالب السهيل)وكانوا كالجرذ يحاكمون امام المحكمه الجنائيه ونالواعقابهم الذي يستحقونه ومن هنا.
لا يمكن لأي سياسي يؤمن بـ “كاتم الصوت والمفخخات” أن يؤسس دولة حديثة وعصرية، لأن مثل هذا السياسي يحاول نشر مفاهيمه الظلامية بقوة السلاح، حتى وإن بدى متحدثاً لبقاً في شؤون الديمقراطية أوالنظام التعددي أو حقوق الإنسان أو المدافع عن مصالح الشعب العراقي وما اكثرهم وقلة فعلهم في هذه الايام الغبرة بحيث أصبح طغيان اللون الاسود لايشمل ملابسنا فقط بل وصل حد اللعنة الى قلوبنا وعقولنا.
وفي عصرنا الراهن، لم يعد الناس عموماً جهلاء أو متخلفون إلى الحد الذي تنطلي عليهم تلك الإدعاءات أو الشعارات البرّاقة، فالحوادث هي التي تفسّر نفسها بصورة جلية، ومن يحاول إيقاف الناس عن إبداء آرائها بقوة السلاح، سوف لن يحصد النصر مهما أوتي من قوة، لأن قضية الناس هي مجرد وقت، وهذا الوقت لا بد أن يأتي، وسيكون رد الفعل الشعبي أقوى بكثير من قوة “كاتم الصوت والمفخخات”.
لقد استعملت مخابرات النظام السابق في مرحلة منتصف السبعينات “كاتم الصوت” في لبنان، وتم اغتيال كوكبة من الوطنيين العراقيين المعارضين له، وتحديداً في منطقة بيروت الغربية حيث اغتيل الشهيد “تحسين عزيز الشيخلي” في منطقة الروشة بعد إصابته بثلاث رصاصات من كاتم للصوت، وكذلك الفعلة نفسها في منطقة الفاكهاني عندما اغتالوا الشهيد “خالد العراقي” نائب رئيس تحرير جريدة فلسطين الثورة، وكذلك الشهيد “محمد أبو علي” في منطقة الملعب البلدي , وكذلك المناضل الكبير فهد العراقي والذي أغتيل (بكاتم للصوت) من جهاز المخابرات العراقيه ببيروت الغربية بمساعدة جبهة مايسمى بالتحرير العربية بقيادة ضابط المخابرات أنذاك (عبد الرحيم أحمد) وكذلك محاولاتهم البائسه باغتيال القائد حسن النقيب الا ان حرص جهاز الامن الموحد للثورة الفلسطينية بقيادة شهيد الامه أنذاك (صلاح خلف أبو اياد) قد افشل مخططاتهم، وغيرهم الكثير من الشهداء في مناطق متعددة أخرى خارج الوطن.. والملفت للنظر أنه في السابق كان “كاتم الصوت والمفخخات” تستعمل خارج الوطن العراق، لأن النظام في ذلك الوقت لم يكن بحاجة لاستعماله في الداخل وذلك بسبب يده الطويلة وعسكرته للمجتمع، حيث كان قادراً على استحضار من يراه مناسباً وفي أي وقتٍ وزمان، وقتله بدم بارد.. وكوارثهم المتمثلة في المقابر الجماعية وسجونهم خير دليل على ذلك.. إلا أن المدهش في المشهد السياسي الجديد بعد سقوط النظام المقبور، هو استعمال “كاتم الصوت” داخل العراق، ولم يصل بعد إلى الخارج.. ترى هل هي مسألة وقت ويسافر بعدها خارج حدود الوطن؟!!.. “كاتم الصوت والمفخخات”، هذا الاسم المميز لا يطلق على السلاح نفسه بل يطلق على إسكات صوت الضحية وللأبد.. ولذلك سمي بهذا الاسم، إذن هل بالإمكان أن يسكتوا صوت الشعب العراقي من خلال تشييد تمثال كبير لـ”كاتم الصوت” في إحدى ساحات بغداد؟!.. سوف لن يحدث هذا إن شاء الله.. ولا بد لأولئك القتلة في السابق والحاضر ان يقتصّ منهم الشعب العراقي في محاكماتٍ عادلة. اما فيما يتعلق بموضوع أخر وماحدث أمس من اغتيال الصحفيين من قنات الشرقية يوم أسود أخر في حياة العراقيين يتطلب الحيطة والحذر وتماسك كل القوى الوطنية العراقية وتناسي خلافاتهم على السلطة والعمل الجاد للوصول بالعراق الى مايحتاجه المجتمع من أمن واستقرار وبناء دولة العدالة الاجتماعيه قبل فوات الاوان وقبل ان يلعنكم التاريخ وتذهبون جميعكم الى مزابلة كما هو حال من سبقوكم حتى يقوم ابناء الشعب العراقي المغلوبين على أمرهم والذين يدفعون الثمن الحقيقي لاكثر من خمسة عقود متلقين دائما شتى انواع العذابات دعوهم يحسون بانتمائهم واعطائهم حقوقهم الدستورية الحقيقية لانهم اصحاب الارض والوطن وتناسوا محاصصتكم ودستوركم المختل ولا تعملوا على تفكيك المجتمع والوطن تحت اسماء واهية من مكونات وطوائف واقلية واكثرية كلنا عراقيين متساوين في احقوق والواجبات عندها سيقوم كل عراقي في الداخل والخارج بالحفاظ على ارض وسماء وحدود الوطن وبالتعاون مع الاجهزه الامنية العراقيه لقطع دابر أولئك القتله ومن وراءهم الذين يريدون ألسوء بالعراق لاشباع غرائزهم الدموية التي ابتلى بها المواطن العراقي في السابق والحاضر…