قمة بغداد
عادل البياتي
توافدت أفواج ممثلي الحكومات العربية الي بغداد للمشاركة فيما سمي “مؤتمر القمة العربية 23” وكان جُلّهُم من الموظفين الدبلوماسيين، أما كبار الوفود الحاضرة من بعض القادة العرب فقد كان لكل منهم هدفه الخاص به للحضور. قمة عربية مختلفة شكلاً ومضموناً عن القمم السابقة عُقدت بغياب قادة دول مؤثرة أبرزها السعودية وقطر ومصر والامارات.
لم تحظ قمة عربية، منذ قمة أنشاص مصر 1946، بالجدل والخلاف مثلما حظيت به قمة بغداد، ولأسباب عديدة. وتعد هذه القمة 36 في تسلسل القمم العربية الأصلية والطارئة حتي القمة قبل الأخيرة في سيرت بليبيا، قبيل انطلاق ثورات الربيع العربي التي أطاحت بالحكام الظلمة. وكان من المقرر أن تنعقد هذه القمة في بغداد »وفقا للتسلسل الهجائي للدول« في مارس 2011 الا أن ظروف العالم العربي وثورات الربيع العربي أدت الي تأجيلها لهذا العام. وكانت هناك دعوات عديدة لتأجيل القمة مرة أخري، أو عقدها في مكان آخر غير بغداد، بسبب الظروف العراقية المتمثلة في انهيار الوضع الأمني الذي يشكل خطورة علي الحضور، وبسبب اخفاقات حكومة المالكي في رأب الصدع الداخلي العراقي وارتهانها مصير العراق بيد ايران، وعدم ضمان »نزاهتها« في قيادة العمل العربي المشترك لعام قادم. قيل أن حكومة المالكي أنفقت أكثر من مليار دولار لمصاريف عقد قمة لم تستغرق سوي سويعات، وخصصت تلك الأموال لاعادة تعمير وتأهيل فنادق الأستضافة، ومصاريف أخري مثيرة للشبهات قيل من بينها مليون دولار لاستيراد زهور لأغراض المؤتمر.. في وقت يعاني فيه العراقيون من مشاكل اقتصادية وأمنية وتردي الخدمات وشيوع الفقر والبطالة، وكان هناك شعور عام داخل العراق أن الشعب العراقي هو أولي بهذه الملايين من الدولارات، بدلا من أن تُبذخ علي قمة لم تقدم شيئا لحل معاناة العراقيين مثلما لم تقدم شيئا لحل معاناة الشعب السوري ولا القضية الفلسطينية.. بل ان هناك شعوراً بأن قسماً كبيراً من هذه الأموال ذهب الي جيوب الفاسدين المقربين من نظام الحكم وحاشيته، اذ لا يعقل أن يتم صرف 350 مليون دولار علي »صيانة« عدد من فنادق بغداد الجاهزة والمعروفة، رئيس اللجنة المالية في البرلمان اكد ان مصاريف القمة ببغداد بلغت نحو 2250 مليون دولار من بينها مبالغ دفعت لرؤساء بعض الدول العربية الفقيرة لاغرائهم بالمشاركة في القمة، اضافة الي »الهدايا« المقدّمة لبعض موظفي الجامعة العربية. كما تم تخصيص نحو 100 ألف رجل أمن لحماية القمة والوفود المرافقة لها، كما منحت الحكومة عطلة اجبارية لسكان بغداد لأكثر من أسبوع، وأشرف مئات المضيفين والمضيفات الأتراك علي راحة الوفود في الفنادق، وفي مكان انعقاد القمة، وحُرِمَ العراقيون والشركات العراقية من هذا “الشرف” خوفاً من الخروقات الأمنية.
جدل حول الأهداف
كما أن حالة الرعب التي عاشتها بغداد منذ عشرة أيام منعت فيها الحركة وتم التضييق علي المواطنين بحيث ان العراقيين اطلقوا تسمية »مؤتمر النقمة« بدلا من »مؤتمر القمة«. وغادر معظم رؤساء الوفود مباشرة بعد انتهاء القمة دون أن يباتواپليلة في بغداد، بل أن أمير الكويت غادر قبل انتهاءها. انفضّ »مولد« قمة بغداد بـ »اعلان بغداد« الذي تضمن عبارات انشائية يعاد تكرارها في كل القمم. وانشغل رؤساء الوفود الحاضرة بدبج الكلمات الرنانة التي حولت المؤتمر لمنبر أشبه بسوق »عكاظ«، كلمات لاتسمن ولا تغني الأمة من جوع. قمة بغداد هي قمة عادية في زمن استثنائي، وأخطأ من توقع أن التغيرات الحاصلة سوف تجد صداها في مؤسسة الجامعة العربية التي لم تغيّر في ميثاقها حتي الآن والذي يجعل قراراتها “حبراً علي ورق” في معظم الأحيان، ويثبت عجز الجامعة في التعامل مع القضية الفلسطينية والقضية السورية حيث بدا أن قرارات الحد الأدني سلمت بنقل التعامل مع الملف السوري الي الأمم المتحدة، ودعم مهمة المبعوث العربي. كوفي عنان مع التركيز علي ضرورة تبنيها بقرار ملزم من مجلس الأمن. كما أن اقتصار تمثيل القادة علي عشرة من أصل 22 يظهر هشاشة هذه القمة. المعلومات من داخل المؤتمر أكدت أن المالكي كان حريصا علي عدم اغضاب ايران، وحليفها بشار، من خلال عرقلة اي مشروع قرار ضد الحكومة السورية، وتأكيداً لهذه المعلومات، حذر المالكي في كلمته أمام القمة، من أن تسليح طرفي الأزمة سيؤدي الي “حروب اقليمية ودولية بالانابة في سوريا”. ولعل افضل كلمتين في المؤتمر كانت كلمة وزير خارجية مملكة البحرين الذي أكد فيها أن الشعب السوري “يعاني من قتل وارهاب”، وكلمة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي الذي دعا الرئيس بشار الأسد الي التنحي، مطالباً بارسال قوة سلام عربية “تحت راية الأمم المتحدة” الي سوريا. وقال المرزوقي، ان النظام السوري “مات في العقول والقلوب ويجب ان ينتهي علي أرض الواقع حيث ان لا مستقبل له”. وفيما عدا الكويت، كان تمثيل المنظومة الخليجية متدنياً جداً، رغم انها المنظومة الاهم في الشأن العربي، وفي الشأن العراقي كذلك، وهي رسالة تحذيرية لحكومة المالكي الطائفية الاقصائية، المرتهنة بالقرار الايراني، وتعكس الريبة التي ما زالت تراود بعض الدول العربية ولا سيما الخليجية منها تجاه العراق، ووجود تحفظات علي الموقف الرسمي العراقي تجاه بعض الملفات الاقليمية. وفي اطلاق يد ايران للعبث بالشأن العراقي، ومساندة نظام بغداد لنظام دمشق لدواع طائفية معلومة. ولا شك أن حجم التمثيل البسيط، للزعماء العرب، يعكس رسالة سلبية لحكام بغداد، برغم ادعاءات المالكي أن العراقيين مستعدون لفتح صفحة جديدة مع الدول العربية والعودة الي أحضان أمتهم العربية، وأنهم كسروا الحاجز الدبلوماسي لذلك.
صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية نشرت تقريراً اعتبرت فيه أن التمثيل الدبلوماسي الضعيف لدول الخليج بقمة بغداد، يمثل رسالة ضمنية للحكومة العراقية التي تتعمد بشكل كبير تهميشپالعرب السنة وممارسة كافة أشكال التمييز ضدهم. فأمريكا أرادت القمة مناسبة لتعديل صورتها المُدمَّرة في العالم العربي بعد احتلال العراق وفشلها في تحقيق وعودها من الغزو، وأشك بأنها نجحت في مبتغاها من حث العرب علي حضور القمة. وايران حرصت علي أن يجلب وكلائها ببغداد، العرب الي بغداد، الأسيرة بيد ايران، لكي توصل رسالة معاكسة، كما أنها أرادت من أتباعها ببغداد أن يعرقلوا أي جهد عربي لدعم الشعب السوري واسقاط نظام بشار.. ويبدو أنها نجحت في الهدف الأخير.
تضارب الآراء
عربياً، نحن نعتب علي من حضر القمة في بغداد لكي يصافحوا قادة مليشيات الموت الطائفية ممن تلطخت اياديهم بدماء الابرياء والشهداء من العراقيين منذ الاحتلال وسلموا العراق بيد ايران. ولا نظن أن العرب استفادوا شيئا من عقد القمة ببغداد.
أما عراقياً، فقد تنفس العراقيون الصعداء بعد مغادرة وفود القمة، بعد أن عادت الحياة المشلولة الي بغداد، وتخلصوا من تعقيدات الحركة وانقطاع الاتصالات، والحكومة سوف تروج لما تدعيه من نجاحها السياسي، والأمني والتنظيمي للقمة البائسة!التي مازال العراقيون يسمونها بـ »النقمة« وليس »القمة«.
كاتب أكاديمي من العراق
/4/2012 Issue 4164 – Date 3- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4164 – التاريخ 3/4/2012
AZP07