قمة بغداد: الصعوبات تبدد النجاح

قمة بغداد: الصعوبات تبدد النجاح
عبد الله محمد القاق
يتطلع المراقبون السياسيون الي القمة العربية التي ستعقد في بغداد بالتاسع والعشرين من الشهر المقبل لكونها تجيء في ضوء ثورات الربيع العربي، وأوضاع سياسية واقتصادية عربية متفاقمة، وخلافات ملموسة بين العديد من الدول العربية، الامر الذي يجعل الكثيرين يشككون في مدي نجاحها، لا سيما وان هذه المرحلة تشهد استقطابات نوعية من بعض الدول العربية في ضوء استمرار الاوضاع المأساوية في سوريا واليمن وكذلك عدم الاستقرار في مصر جراء مطالبة المواطنين هناك بضرورة حل المجلس العسكري فوراً واجراء انتخابات رئاسية عاجلة.
وبالرغم من ترحيب الجامعة العربية بالجهود التي تقوم بها الحكومة العراقية من اجل الاعداد السريع لعقد هذا المؤتمر، واعتباره ولادة نوعية تناسب تاريخها كما قال رئيس الوزراء العراقي السابق ابراهيم الجعفري، الا ان الصعوبات التي تواجه الامة العربية قد تقضي علي آمال نجاحها، او تحقيق اهدافها الوطنية والقومية، خاصة وان هناك بعض الدول تشكك في حضورها وان كان العراق حريصا علي انجاحها، لأن هذه المرحلة حساسة وحرجة وتحتاج الي موقف عربي موحد لمواجهة هذه التطورات الراهنة، لا سيما كما يقول المسؤولون العراقيون تحرر من الاحتلال الامريكي وأصبح وجهه الوطني ناصعاً اكثر من أي وقت مضي، وقد تجلي ذلك من الناحية العملية بممارسة العراقيين لدورهم وتجسيد سيادتهم التي ظلت من الناحية الاقرب تحت الاحتلال الامريكي. فالاوضاع العربية الراهنة، وخاصة ما تمر به المنطقة من احداث جسام في ضوء الحراك العربي، وكذلك رفض اسرائيل القبول بقرارات اللجنة الرباعية، والانتخابات الامريكية المقبلة، والتهديدات الامريكية والاسرائيلية لايران والاحداث في المنطقة الخليجية في ضوء تلويح ايران باغلاق مضيق هرمز ان قدمت الولايات المتحدة والدول الاوربية بحظر استيراد النفط الايراني تمثل اهمية كبيرة للنقاش والبحث والتمحيص واتخاذ مواقف عربية موحدة حيالها، خاصة الاوضاع المتدهورة في سوريا والمواقف الدولية فيها. واذا كانت اربع عشرة دولة عربية قد وافقت من حيث المبدأ علي حضور هذه القمة، فان هناك من ينتظر للوقوف علي الاوضاع الامنية هناك، لا سيما وان هناك تهديدات من قبل بعض الجماعات من اجل تعكير صفو هذه اللقاءات العربية بالرغم من استعداد العراق لانجاح عمل القمة وضمان تنفيذ القرارات والتوصيات التي سيتخذها الوزراء في اجتماعاتهم التمهيدية، ورغبتها في ان تكون نتائج هذه القمة علي اراضي الرافدين مميزة وتخرج بقرارات حاسمة وحازمة لانهاء الخلافات العربية والمشكلات التي تواجه الامة في هذه المرحلة الحساسة. فهذه القمة اذا ما عقدت في هذا الجو المتأزم، فانها ستكون ذات اهمية كبيرة نحو العمل علي دعم التضامن العربي، وتجسيد الهدف والمصير العربي المشترك والاخوة العربية، بعد ان عاني النظام العربي من حالات مأساوية عديدة وانفراط عقد الاتحادات كاتحاد المغرب العربي، وهذه الاحداث أثرت بشكل ملحوظ علي القضية الفلسطينية، حيث تراجعت اولوياتها عربياً ودولياً، واصبح من المنظور العربي كيفية رفع الحصار الجائر عن غزة واستمرار تقديم المنح للفلسطينيين، فيما الموقف الدولي يُراهن علي استمرار اسرائيل في سياسة القمع والغطرسة والصلف واقتلاع المزارع وقضم الاراضي ومواصلة الاستيطان والاعتقالات للفلسطينيين والاعتداءات علي الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس ايضاً. فهذا المؤتمر العتيد يجب ان يولي اهتمامه بقضية المصالحة الفلسطينية، لأن القمم السابقة التي دعت الي انهاء الخلافات بين الفلسطينيين لم تكلل مساعيها بالنجاح، خاصة وان الجامعة العربية عبر السنوات العشر الماضية لم تحقق النتائج المرجوة للقضية الفلسطينية بل ان عمرو موسي الامين العام للجامعة العربية السابق رد علي سؤال لي في قمة الجزائر حول حل القضية بقوله: ان حل قضية فلسطين هي بيد الفلسطينيين انفسهم وعلي الفلسطينيين ان يحلوا مشاكلهم الداخلية، وهذا يعني ان الجامعة العربية قد تنصلت عن جهودها الرامية الي دعم المواقف العربية علي الساحة الدولية من أجل فلسطين، وأصبحت تتفرج علي اهالي غزة وهم يُقتلون من قبل اسرائيل وبيوتهم تُدمر دون ان تُقدِم علي خطوات جاة تهدف الي »حل الدولتين« وتنفيذ خريطة الطريق، او المبادرة العربية للسلام، فضلاً عن ان الدول العربية وقفت دون اي »حل للدولتين« بسبب انشغال العالم بثورات الربيع العربي، وتكييف مصالحه في ضوء المرحلة المقبلة حيال هذه الاوضاع الجديدة في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا، وكذلك الاوضاع المأساوية القائمة في سوريا.
الأمل كبير في ان يكون مؤتمر بغداد، قادراً علي مواجهة التحديات الراهنة، ونقطة تحول جديدة علي مستوي حل الخلافات العربية بروح اخوية والعمل الحثيث لتوطيد اطار التعاون الامني والخدمي بين الشعوب والحكومات العربية، وان يُسهم هذا المؤتمر باستعادة العراق لدوره الحضاري علي الصعيدين العربي والدولي، فضلاً عن الدور العربي المطلوب لتكريس التنمية والتحديث والاصلاح، بما يتفق مع مصالح الشعوب وقيم الامة وتلبية احتياجتها وخصوصياتها العربية، بحيث تكون قراراتها استجابة لطموح التغيير الحاصل في بعض الدول العربية بغية تفعيل العمل العربي وفق رؤية تتفهم الحاضر والمستقبل باعتبار ان حاضر هذه الامة ومستقبلها واحد، وان ما يهددها هو الانكفاء وما يمكن ان يصد عنها الخطر هو العمل العربي المشترك والتقدم في خطوات واثقة نحو اطار عربي يتجاوز ما تفعله الجامعة العربية حالياً ويكاد يقترب من نموذج الاتحاد الاوربي الذي حقق لاوربا، وفق برنامج مدروس، لا يترك أي توجس لاية دولة اوربية بأن حقها سيهضم او ان هويتها الذاتية ستضيع. فقمة بغداد ان عقدت ستكون أهم القمم التي تناقش أوضاعاً عربية مستجدة واحداثاً مأساوية في بلدان عربية، وتفاقما للخلافات، ورغبة حقيقية جادة لحلها، وتحديات اسرائيلية وامريكية في المنطقة ناجمة عن رفض اسرائيل الدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني لكونها تواصل عملية الاستيطان وتحظي بدعم امريكي في سنة انتخابات الرئاسة والتي لا يعول أحد هذه الشهور علي الادارة الامريكية في امكانية دفع عجلة السلام بالمنطقة إلي الامام.
رئيس تحرير جريدة الكاتب العربي الاردنية
/2/2012 Issue 4124 – Date 17- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4124 – التاريخ 17/2/2012
AZP07