قلعة موسى عبد الكريم المعماري – رعد ابو كلل الطائي

قلعة موسى عبد الكريم المعماري – رعد ابو كلل الطائي

قلب الشوف بجبل لبنان حلم الطفولة يتحقّق

لبنان دولة جبلية وساحلية فقط أي تنعدم فيها الصحارى والبوادي  ولذلك تكثر فيها القمم الجبلية التي تكسوها الأشجار مشكلة فيها غابات شجرية وخاصة أشجار الأرز التي تشتهر بها والتي جُعلت رمزاً للبلد فوضعت على علمها الوطني (ساريتها).

ومن جبال لبنان الشاهقة جبل البارروك والذي يضم غابة الأرز الكبرى والتي تطل على بلدات عديدة في قضاء الشوف وهو يتبع إدارياً محافظة الجبل وعلى رأس تلة بين كتفي دير القمر وبيت الدين بنى موسى عبد الكريم المعماري قلعة حلمه وبمساحة 3500م2 تقريباً من أحجار نحتها بيديهِ كلوحات فنية غاية في الجمال والروعة تروي كل واحدة منها قصة من قصص التأريخ التراثي اللبناني وتتكون القلعة من ثلاثة طوابق وفي داخلها حوالي ثلاثين قاعة وغرفة تضم أكثر من 160 تمثالاً متحركاً صنعها موسى وهي تجسد التراث الحضاري اللبناني عبر التأريخ فضلاً إلى متحف الأسلحة الفريدة من نوعه في العالم والذي يحتوي على آلاف من القطع الأثرية.

والقلعة تضم ثلاثة أبواب منها الباب الكبيرة وهي لدخول السواح والصغيرة صممه خصيصاً لأستقبال استاذه وبنت الجيران الأرستقراطية لكن القدر شاء ان لا يرى الأستاذ هذه القلعة وأما السيدة الأرستقراطية فزارتها بعد فترة من وفاة استاذه وكان موسى في استقبالها هو وشريكة حياته ( ماري ) وكانت لحظة مؤثرة جداً اما الباب الثالثة فخصصت لخروج السواح والقلعة تضم باحة خارجية كبيرة تحيط بالقلعة وفيها مرأب وتحتوي على سيارة قديمة تعود للمعماري موسى فيما تحيط بالقلعة أبراج حجرية متعددة .

 سيرته الذاتية

ولد المعماري موسى في قرية الفاكهة الواقعة في البقاع عام 1930م وتوفى في عام 2018م وفي مقر عمل والده في طرطوس التحق موسى بمدرسة المتنبي لمتابعة تحصيله الدراسي .

وعندما كان في الخامسة عشر من عمره وقع في حب إحدى زميلاته في المدرسة المنتمية إلى إحدى العائلات الارستقراطية وكان والدها حاكماً لإحدى نواحي طرطوس وتعيش مع عائلة والدها في قصر كبير ولما حاول موسى التقرب منها سخرت منه وقالت له( عندما تملك قصراً يمكنك التحدث أليّ) .

وفي إحدى حصص الرسم طلب المعلم من تلامذته أن يرسموا عصفوراً على شجرة لكن موسى لم يفعل ما طلب منه بل رسم القصر الذي وعد الفتاة به فغضب الأستاذ ومزق رسمه وضربه وطرده من الصف فخرج حاملاً رسمه الممزق .

وقال موسى عن هذه الحادثة :

( استهجن الأستاذ انور عرنوق من فعلته وسألني إن كان هذا القصر المتخيل لأجدادي أجبته بأنني رأيت هذا القصر في الحلم وأكدت له إنه سيراه مبنياً في الواقع هو والفتاة الحلوة الأرستقراطية).

ظن ألأستاذ اني اهزأ به فأنهال عليّ بالضرب ثم مزق الرسم ورماه على الأرض وغادرت متوعداً بتحقيق الحلم .

كان موسى طالباً عندما حلم ببناء هذه القلعة وقد رسم حلمه على قطعة من الورق في الصف وكان جاداً في دراسته حتى إن استاذه اعتاد على السخرية منه قائلاً  :

أنت لن تحقق شيئاً .

 بداية الحكاية

كان موسى حالماً ومبدعاً منذ طفولته إذ كان يحول الطين والحصى إلى دمى وتماثيل بأشكال وانواع مختلفة وكان يسمع دعاء أمه له :

( يا رب اجعل التراب بيد موسى ذهباً ) .

وفي عام 1944 كان موسى في الرابعة عشر من عمره عندما راودته فكرة بناء القلعة فسكنت مخيلته ليلاً ونهاراً بعدما وقع نظره على بنت الجيران الشقراء ذات العيون الساحرة التي أشعلت أحاسيسه كلما تقرَب منها كانت تسخر منه .

وأبت عليه عزة نفسه فإنتفض قائلاً  :

( سأُريكِ في المستقبل الفضة والذهب وقلعة تناطح السحاب شموخاً وعظمةً ) .

  مسيرة الحياة الشاقة

انطلق موسى في مسيرة الحياة الشاقة متكلاً على الله وعلى دعاء اُمهِ بالعمل الدؤوب واصلاً آناء الليل بأطراف النهار بدءاً من قلعة صيدا مروراً بالمتحف الوطني ثم قصر بيت الدين عمل كمرمم للآثار علاوة على عمله في شركة الكهرباء واستطاع أن يجمع 15 ألف ليرة خلال ثماني عشرة عاماً تقريباً .

وفي عام 1963 شرع موسى وشريكة حياته ( ماري ) يده اليمنى في العمل في معركة البناء فكان الحلم القلعة يتحقق  بعد سبعين عاماً تقريباً من العمل الجدي المتواصل .

بقي أن نقول :

ما كان مستحيلاً جعله أزميل موسى ( أي مطرقته )  واقعاً ملموساً إنه الواقع الذي جعلنا ندرك انه فقط في العزم والإيمان والإرادة الصلبة والعمل الدؤوب نستطيع أن نحقق أحلامنا .

وما تزال عائلة موسى جادة في عملها المتواصل لمتابعة وأنجاز ما قد بدأ موسى به ونذر حياته لإتمام هذا المعلم التأريخي والثقافي والسياحي العالمي .

مشاركة