قضية عامة بين مترجم وناشر

قضية عامة بين مترجم وناشر

حمد العيسى

المغرب

اتصل بي الناشر السعودي الأستاذ محمد السيف، صاحب دار +جداول للنشر والترجمة والتوزيع؛ (المسجلة في لبنان) في أبريل/ نيسان 2013، وأبدى إعجابه الشديد بترجمتي لكتاب +حتى لا يعود جهيمان؛، وطلب مني ترجمة كتب لصالح دار +جداول للنشر والترجمة والتوزيع؛. اتفقنا على أساس +كلمة شرف؛ من الأستاذ السيف وكما هي العادة في عالم النشر، على أن أترجم من الإنكليزية كراساً ستراتيجياً قصيراً بعنوان +السعودية والمشهد الإستراتيجي الجديد؛ من تأليف البروفيسور جوشوا تيتلبام (زميل زائر، معهد هوفر للبحوث في الولايات المتحدة ، وقتها)، وطلبت من السيف العقد. وهو كراس ستراتيجي مهم كنت قرأته فور صدوره عام 2010 واقترحته على السيف فوافق عليه، وتكمن أهمية الكتاب بالنسبة لي كمواطن سعودي في أنه يفضح خطط الهيمنة الإقليمية الإيرانية ويكشف بدهاء دور وكلاء وعملاء إيران خاصة حزب الله لفرض الهيمنة الإيرانية في المنطقة. كما يربط الباحث بذكاء بين الأمن والإستقرار الداخلي السعودي وتأثره سلبيا بمساعي إيران وعملائها للهيمنة الإقليمية على حساب السعودية. والكتاب موجه للنخبة الثقافية وخاصة كتاب مقالات الرأي. افترضت – لسذاجتي وطيبتي – بسبب تلك الثقة المفرطة في كلام السيف بأنه يتقن الإنكليزية وربما يتقن الفرنسية والألمانية نظراً إلى وجود كلمة +ترجمة؛ في اسم داره. ولكن إتقان اللغات ليس ضروريا للناشر إذا كان لديه (وهذا أضعف الإيمان) مستشار متخصص يساعده. ولكن كان افتراضي للأسف في غير محله مطلقاً كما سنرى. أخبرني السيف لاحقاً أنه قام بشراء حقوق الكتاب من هوفر برس Hoover Press الأمريكية. أنهيت الترجمة في 29 يوليو/ تموز 2013، ولم يصلني العقد (الذي طلبته في أبريل/ نيسان)، ولذلك رفضت تسليم النص. وفي 4 أكتوبر/ تشرين الأول استلمت العقد (الذي طلبته في أبريل) ولكنني رفضت التوقيع عليه لوجود عدة مشاكل فيه كالآتي: المشكلة الأولى، في العقد كانت تقديم تاريخ العقد ليبدو وكأن التوقيع عليه قد تم قبل استلام النص. والمشكلة الثانية، في العقد أنه يشترط دفع أتعاب الترجمة بعد الموافقة على النص. ومن المعروف أن شرطاً كهذا يعتبر غامضاً لعدم تحديد نوعية الموافقة وماهيتها أي جعلها تقتصر على جودة الترجمة. ولكن جداول رفضت تعديل العقد أو شرح نوع الموافقة. وهذا البند يدل بوضوح على عدم قراءة جداول لنصوص الكتب في لغاتها الأصلية ولذلك تشترط الموافقة على النص المترجم لدفع قيمة الترجمة ليكون الضحية هو المترجم المسكين فيما لو اتضح بعد الترجمة أن محتوى الكتاب غير مناسب للناشر كما سنشرح لاحقا. أما المشكلة الثالثة، في العقد وهي أكبر المشاكل فهي وجود بند مرعب يمنع أي تغيير في النص أو إضافة أو نقص يطال مضمون الكتاب، وبأنه يبرئ ذمة الناشر بموجب هذا العقد من أية مطالبات أو ادعاءات بهذا الخصوص. وإذا بدا خلاف ذلك لاحقاً، يكون المترجم وحده مسؤولاً مدنياً وجزائياً. وهذا البند المتخلف والجاهل يمنع المترجم نظريا من حرية التصرف في الترجمة التي تعتبر جوهر عملية الترجمة كإبداع حقيقي ويقضي على قدرته على الإبتكار واستخدام ستراتيجيات علم الترجمة المشهورة كـ التوطين  (Domestication) و التغريب (Foreignization). واستعمال هذه الستراتيجيات كما يعلم المختصون – وأنا منهم – يقتضي أحيانا بعض الحذف والإضافة لتكون الترجمة مناسبة للغة المستهدفة (Target Language). ومن الواضح والجلي أن هذا البند يثبت عدم قدرة جداول على مراجعة الترجمة ومقارنتها بالأصل والتأكد من دقتها ولذلك كُتب البند بصورة مرعبة ترهب وتمنع المترجم من عمل أي تغيير الترجمة. وبالطبع معظم المترجمين سيوافقون على هكذا شرط خاصة الذين تعتبر الترجمة مصدر دخلهم الوحيد وهذه الحالة لا تنطبق علي بحمد الله لأن الترجمة بالنسبة لي هواية وليست مصدر رزق.وبالطبع كان يمكنني أن أوقع على العقد رغم وجود تلك العيوب كما يفعل غيري ولكن المسألة هنا مسألة مبدأ لأني تلقيت تدريب قانوني رفيع في أرامكو وتعلمت عدم التوقيع على أي عقد يوجد به ثغرات لا بل وتعلمت أن العمل بدون عقد أفضل من العمل بعقد يحتوي على ثغرات. كما أنني تعاملت في 8 كتب ترجمتها سابقا مع ناشرين آخرين ولم أجد مثل هذه البنود الجاهلة في عقودهم مطلقا. وعندما فقدت الأمل في تعديل العقد لرفض الأستاذ السيف المتكرر والذي أكد أنه لا صحة لمخاوفي لأن العديد من المترجمين وقعوا عليه قبلي، قررت تسليم النص المترجم معتمداً على كلمة الشرف التي أخذتها من السيف شخصياً في أبريل/ نيسان، والتي تعتبر عند العرب كافة (من المحيط إلى الخليج) أهم من أي عقد. وهكذا سلمت النص بدون توقيع العقد وبعد ذلك حدثت الأمور العجائبية الآتية: أولاً: رفضت جداول نشر الكتاب لأن المؤلف (عدو) إسرائيلي بحسب ردهم عبر الإيميل. واعترفت جداول في الرد بأنها لم تعرف جنسيته بالرغم من حصولها على الحقوق حيث وصلني الرد التالي في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني من جداول عبر الإيميل نفيدكم علماً بأن جداول للنشر والترجمة والتوزيع لن تنشر كتاب المشهد الاستراتيجي السعودي لأسباب عدة، أهمها جنسية المؤلف (لم نكن على علم بها سابقاً)… مع الشكر، عماد عبد الحميد، المدير العام. ومن المعروف أن جداول مسجلة في لبنان. ولكن من المعلوم منطقيا لدى العقلاء أن شراء جداول للحقوق المنصوص عليه في العقد يقتضي ضمنيا معرفة هوية المؤلف. وعندما بحثت في الأمر، اكتشفت أن جداول تعمل في مجال الترجمة بالبركة أي بطريقة سمك، لبن، تمر هندي ولا يوجد أحد يتقن الإنكليزية بصورة تليق بدار متخصصة بالترجمة وتضع كلمة ترجمة في اسم الدار جداول للنشر و”الترجمة” والتوزيع ، بما في ذلك الأستاذ السيف نفسه. كما علمت أنه يتم اختيار الكتب للترجمة بتوصيات من أصدقاء الدار أثناء الجلوس في الديوانيات وتناول الشاي والقهوة كما شرح لي الأستاذ السيف. والجدير بالذكر أن القانون الذي كان يمنع النشر لمؤلفين إسرائيليين هو قانون المقاطعة العربية في الخمسينيات للشركات المتعاملة مع إسرائيل مثل (كوكا كولا) وسيارت (فورد) وأصبح حاليا في حكم اللاغي (EXPIRED) حيث عادت هذه المنتجات وغيرها كثير للأسواق العربية وفي مقدمتها لبنان وانتهت فكرة المقاطعة، وهو ما جعلني أبحث الأمر بطريقتي الخاصة وعلمت للأسف أن جداول لم يعجبها محتوى الكراس لكونه مناهض لحزب الله ولذلك تعللت بجنسية المؤلف عند الرفض. ثانياً: رفضت جداول دفع أتعابي. ثالثاً: رفضت جداول منحي رسالة عدم ممانعة لأنشر الكتاب بمعرفتي وعلى مسؤوليتي رغم أنني عرضت تعويضها عن قيمة الحقوق. وهكذا صدق حدسي حول فساد عقد جداول من حيث وجود ثغرات أهمها التناقض ومنع المترجم من التصرف في الترجمة واشتراط الموافقة على النص قبل دفع قيمة الترجمة من دون تحديد نوع الموافقة أي تحديدها بجودة الترجمة. ولو كنت قد شاهدت العقد قبل اتفاقي الشفوي مع السيف و كلمة الشرف لما كنت ترجمت حرفاً وحداً. ثم طلب السيف من الناشر الأمريكي هوفر برس فسخ العقد واستعادة قيمة الحقوق بدون شرح السبب الحقيقي لرفض النشر. وبالطبع رفضت هوفر برس إعادة قيمة الحقوق لأنها غير قابلة للإرجاع (Non-Refundable) كما هو معروف عالمياً وذلك لمنع التلاعب وهذا دليل إضافي على عدم مهنية الدار حيث وقعت عقدا مع هوفر برس بدون قراءته. سألتني مديرة النشر في هوفر برس عن سبب عدم النشر؟ قلت لها السبب الحقيقي ووصلتني الردود التالية وأهمها أن هوفر برس وضعت جداول على القائمة السوداء ليكون كتاب التمرد السوري لمؤلفه بروفيسور فؤاد عجمي (الذي تتباهى به جداول حاليا كأبرز كتبها) آخر كتاب تحصل عليه من هوفر برس. وهذه ترجمتي لردود الفعل التي وصلتني من الأطراف الأخرى:

أولاً: الناشر الأمريكي هوفر برس العزيزان حمد وجوشوا، هذا الخبر مؤسف. أنا آسفة لأنك، حمد، تورطت مع هذا الناشر في هذه القضية. وأنا أؤكد لكما أن هوفر برس لن تدخل مطلقا في أي نوع من التعاملات مع جداول في المستقبل. مع أطيب التمنيات، جنيفر بريسلي، مدير النشر، هوفر برس معهد هوفر، جامعة ستانفورد، ولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة.

ثانياً: رد فعل المؤلف عزيزي حمد، أنا آسف لما حدث، وبخاصة بعدما أن عملت بجهد وتفانٍ على الترجمة الرائعة. كما إنني حزين جداً أن الناشر جداول يعتبرني عدواً ! يجب أن يُحكم على الكتاب من خلال محتواه وليس عبر جنسية مؤلفه. آمل أن نتمكن من التعاون معاً في المستقبل. بروفيسور جوشوا تيتلبام مركز بيغن-السادات للدراسات الستراتيجية

ثالثاً: رد الدكتور فؤاد عجمي إلى: جنيفر، جوشوا، حمد الزملاء الأعزاء، أنا مندهش لمثل هذا السلوك البدائي. كنت أعتقد أننا تجاوزنا هذا التفكير السقيم. لا يجوز أن تمارس هذه العنصرية في عالمي الفكر والأدب. لقد كتب جوشوا تحليلاً ستراتيجياً ألمعياً بعدما درس طوال حياته الأكاديمية التاريخ السياسي السعودي، وتاريخ الشرق الأوسط. ومن الدناءة أن الناشر المسمى جداول لا يمكنه فهم ذلك. سلوك جداول عار على عالم النشر. وأضاف عجمي في إيميل آخر: لن نهبط إلى مثل هذه الدناءة والتفكير البدائي، ونسحب كتابنا التمرد السوري من جداول. مع أفضل تحياتي، فؤاد عجمي زميل أول، معهد هوفر الرئيس المشارك، مجموعة هربرت وجين دوايت لدراسة الإسلاموية والنظام الدولي وهي المجموعة التي صدر عنها الكراس. وهكذا وأدت جداول كتاب هام يخدم قضية السعودية وليكون المنتصر في هذه المعركة الثقافية إيران وحزب الله على حساب وطني الغالي السعودية مع الأسف بسبب جهل وعناد الناشر الذي دخل عالم النشر غالبا كوسيلة للبرستيج والوجاهة الإجتماعية وبدون استعداد مهني حقيقي ما تسبب في كارثة ثقافية من العيار الثقيل ستنعكس سلبيا على صورة الثقافة السعودية للأسف إذا لم تعدل الدار من وضعها الفني. ولذلك أدعو جداول إلى المبادرة بإصلاح أوضاعها وتوظيف مستشار يتقن اللغة الإنكليزية على الأقل ليرشدها في عملية ترجمة الكتب حتى تتلافى وقوع كارثة جديدة، وأدعوها إلى تنقيح عقود الترجمة لتلافي العيوب التي شرحناها. أما أتعابي فتبقى في ذمتهم… إن كان لهم ذمة!! ولن أتنازل عنها مطلقا.