قضية طارق الهاشمي
أيمن الهاشمي
المعلوم من خلال وسائل الاعلام الحكومية أن محكمة الجنايات المركزية في الكرخ حددت الثالث من آيار 2012 موعداً لمحاكمة طارق الهاشمي وصهره، غيابيا بعد رفضه المثول أمام القضاء. وقد صرح مصدر مسؤول في المجلس الأعلى للقضاء بأن موعد محاكمة طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، وصهره المطلوبين للسلطات القضائية في بغداد ثابت وهو الثالث من شهر آيار 2012. وان القرار يعود الى المحكمة بشأن النُطق بالحكم أو التأجيل أو البراءة …
قضية طارق الهاشمي، قضية مسيَّسة بالكامل من ألفها الى يائها، والمقصد من تلفيقها معلوم، ألا وهو اقصاء القيادات السنية التي لا تخضع لهوى وأوامر نوري المالكي، ومن تقف بالضد من التدخل الايراني الواضح في العراق الجديد..
ويتهم مجلس القضاء الأعلى عناصر حماية الهاشمي بـالتورط في 150 عملية مسلحة بين تفجير سيارات ملغمة وعبوات ناسفة واستهداف قضاة وأطباء وضباط كبار في وزارتي الدفاع والداخلية باستخدام أسلحة مزودة بكواتم للصوت اضافة الى اطلاق صواريخ، بل إن قائمة الاتهامات التي تنشرها مواقع معلومة بنفسها الطائفي تشير الى أن الهاشمي وحماياته مسؤولين عن اغتيال رموز سنية معروفة منها الدكتور عصام الراوي الناطق باسم هيئة علماء المسلمين في العراق وهذا ما بثته قناة فضائية عراقية معلومة الاتجاه . ومن يدري ربما يأتي يوم يتم توجيه الاتهام الى طارق وحماياته باغتيال شقيقيه وشقيقته طالما يمتلك طرف واحد حق الابتكار في التلفيق والتأليف والفبركة … لا بل إن كثير من المُنصفين والمُحايدين أبدوا استغرابهم ودهشتهم من العدد الحكومي 150 وكيف وصلت القضايا الى هذا العدد العُشري، لماذا 150 وليس 149 ولا 151 مثلاً ومعلوم أنه في البداية 17»12»2011 كانت الاتهامات حسب الاعترافات التي بثتها الفضائية الحكومية تبلغ 50 قضية، ثم تصاعدت فيما بعد الى 100 قضية، ثم أخيرا الى 150 … ولا نعرف سر هذه المتتالية العددية هل هي من تخطيط الهاشمي وعصابته كما يسمونهم أم أنها صدفة رقمية؟؟ أم انها من مقتضيات التلفيق والمبالغة؟ ونحن بانتظار الرقم 200 أو ربما تنتبه السلطات التحقيقية الى هذه الفضيحة فتجعل مجموع القضايا 201 وليس 200 وشر البلية ما يضحك
أهل المعرفة والخبرة والاطلاع، لا يستغربون موضوع الاتهامات المخطط لها بسذاجة بالغة وجهل مطبق، وليس جديداً بث الاعترافات التلفزيونية المرتبة بوسائل التعذيب التي خبرناها منذ عام1958 من قبل أجهزة التحقيق سواء بالشرطة أو مكافحة الاجرام أم الأمن العام أم الاستخبارات أم المخابرات… ومازالت حاضرة في الذاكرة اعترافات المعتقلين في قصر النهاية الشهير عام 1969 حين ظهر عدد من مسؤولي العهد العرفي واعترفوا صراحة بالتجسس لحساب المخابرات البريطانية والامريكية حتى أن المرحوم رشيد مصلح اعترف بأنه يستلم مائة دولار عن كل تقرير يقدمه للمخابرات البريطانية، ناهيك عن اعترافات مدحت الحاج سري وعبدالعزيز العقيلي وغيرهم الذين نالوا ابشع أصناف العذاب على يد الجلاوزة الذين خلفوا لنا من بعدهم جلاوزة وضباط نوري المالكي، بل إن كثيراً من الضباط الذين يمارسون فنون التعذيب في مبنى البلديات الأمن العام السابق هم أنفسهم كانوا ممن يمارسون فنون التعذيب قبل 2003 لأن هؤلاء انتزعوا الضمير والشرف والغيرة والرحمة من قلوبهم فتحولوا الى أجراء لمن يدفع أكثر
في بلد وصفته الهيومان رايتس ووتش وكثير من المنظمات الحقوقية العالمية، بأنه البلد الأبشع في فنون التعذيب والأكثر في أحكام الاعدام التصفوية الطائفية، والمحاكمات الخالية من أي التزام بقواعد حقوق الانسان للمحاكمات العادلة، لن نستغرب أن يصدر حكم الاعدام غيابيا بحق طارق الهاشمي ومن معه من الغائبين وحضورياً بمن هو باق على قيد الحياة في معتقلات الأمن العام بالبلديات، لأن القضاء العراقي في عهد نوري المالكي لم يعد هو القضاء العراقي الشامخ الذي نعرفه، بل صار إمّعَة ينفذ أوامر المالكي دون تمحيص ولا تدقيق.. وما مهزلة الـ متوالية الخمسينية 50 ــ 100 ــ 150 ــ في عدد القضايا المفبركة ضد الهاشمي وحماياته الا واحدة من أتعس المهازل التي تمس سمعة القضاء العراقي في العراق الجديد
خضوع القضاء لسطوة السلطة التنفيذية اهانة لمبدأ الفصل بين السلطات، واستهانة بالتاريخ المشرف للقضاء العراقي، ونستغرب كيف يصدر القضاة قراراتهم بناء على اعترافات منتزعة بالتعذيب، ونحن نتذكر كيف كانت مكافحة الاجرام تأخذ المتهم بعد جولات متتالية من التعذيب، ويقف الجلاد المعذب على رأسه، في قاعة قاضي التحقيق لكي يصدق اعترافات، والمسكين لايجد بدا غير الاقرار بما دونه المحقق من اعترافات لأنه يعرف ان أنكر فسوف يعود الى مسرح التعذيب من جديد وهو تعذيب لا يعرف فنونه وآلامه الا من ذاق ويلاته في زنازين المخابرات والأمن العام ومكافحة الاجرام ومكافحة الارهاب بل وحتى في أقصى مخفر من مخافر الشرطة العراقية .. وأسأل مجرب ولا تسأل حكيم
صدور الحكم غيابيا ضد طارق الهاشمي ليس أمراً جديداً وليس مستغرباً، فقد سبق أن أصدرت محاكم نوري المالكي أحكام اعدام غيابيا بحق سياسيين من أهل السنة المناوئين لظلم نوري المالكي، من بينهم محمد الدايني وعبدالناصر الجنابي، واذا ماصدر الحكم وفق ما نتوقعه من معطيات المشهد وحقائق السطوة المالكية على القضاء العراقي، والسعي الدؤوب لتشويه صورة خصوم نوري المالكي وخصوم التدخل الايراني، فإنه سيكون لطخة سوداء في تاريخ القضاء العراقي
/4/2012 Issue 4183 – Date 25 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4183 التاريخ 25»4»2012
AZP07