قضية المياه وأخطارها المستقبلية على العرب

غسان عزام الدليمي

   لا يختلف اثنان، بأن (قضية المياه) وتوزيعها واستغلالها بشكل عادل، اصبحت في السنوات الاخيرة تحتل حيزاً مهما في جانب تحقيق الامن المائي العربي.. ومن خلال متابعة موضوعية دقيقة للتطورات المستجده ازاء (مسألة الماء)، في وطننا، فأن المتابع لهذا الموضوع المهم يخلص الى نتيجة مؤكدة، وهي ان هذه القضية صارت تفوق اي اهتمام آخر، لدرجة ان عناصر الامن القومي العربي تعتبر مفقودة في ظل غياب استخدام منابع المياه واستغلالها بشكل عادل، أو استخدام المياه بمثابة ورقة سياسية للضغط على الجانب العربي من قبل قوى طامعة للعرب، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني.

ولهذا، فان التحديات والصراعات بشأن (قضية المياه) في المرحلة المقبلة ستكون ظاهرة على اشدها، وربما تأخذ منحى خطيراً باعتبار ان منابع المياه الاساسية للانهار الكبرى تقع خارج حدود الوطن العربي، وضمن اراضي دول لا تخلو توجهاتها احياناً من معاداة التطلع القومي العربي المستقبلي الامر الذي سيشكل توتراً ملحوظاً وتفاقماً حقيقياً في جوهر الصراع الدائر للضغط والابتزاز وفرض الارادات المعاديه للحقوق العربيه المشروعة، وقد غدا موضوع المياه مرشحاً لاشعال الحروب في منطقة الشرق الاوسط وفقاً لتحليل دوائر سياسية عالمية، خاصة ان اغلب الاقطار العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها، فاثيوبيا وتركيا وغينيا وايران والسنغال وكينيا واوغنده هي بلدان تتحكم بحوالي 60% من منابع الموارد المائية للوطن العربي مما يجعلها خاضعة لسيطرة دول غير عربية ويدور الحديث الان حول ارتباط السلام في الشرق الاوسط بالمياه بعد اغتصاب اسرائيل لمعظم نصيب دول الطوق العربي من المياه، كما ان بعض الدول اخذت تتبنى اقتراحاً خطيراً للغايه يتمثل في اقناع المجتمع الدولي بتطبيق اقتراح تسعير المياه، وبالتالي بيع المياه الدولية، متناسين حقيقة الارتباط الوثيق بين الامن المائي والامن الغذائي من جهة والامن القومي العربي من جهة اخرى.

وقد شكلت الدوائر والجهات المتربصة بمصالح الامة العربية، لهذا الغرض، مجموعات خاصة تدرس وتهتم بموضوع المياه.. ويأتي دور الكيان الصهيوني بفلسطين المحتله على رأس تلك الاطراف التوسعية-المعادية والطامعه..

وخير دليل على الخطط الصهيونية في (موضوعة المياه) المشروع المسمى (مشروع بيريز) وذلك في شَقيّة الامني والاقتصادي الذي يشدد على ان يكون للكيان الصهيوني دور مهم في مسألة المياه والكهرباء. ومن هنا يتحدد الخلاف وتناقض الرؤيا العربية مع المشروع الصهيوني الذي يدعي ويكذب صراحة من ان قضية المياه تهم كيانه لتطوير المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية للمشاريع الصناعية !! اما الرؤيا العربية فانها تضع (قضية المياه) في وضعها الجوهري المشروع، وفي اطار، ان الامة العربية قد انتزع منها الكيان الصهيوني اراضي ومناطق مليئة بالمياه، ولا بد من استردادها باعتبارها حقوقاً مغتصبة.

ونظراً لاهمية وحساسية الموضوع، فقد اخذت مراكز الابحاث الاوربية والامريكية في المرحلة الراهنة تهتم بشكل ملحوظ بقضية المياه حيث اعدت دراسات وبحوث وتقارير وضعت مضامينها تحت عنوان (حرب المياه المقبلة)، واستلخصت منها: ان ازمة المياه ستزداد توتراً، وان المياه ستكون سلاحاً مهماً بيد الكيان الصهيوني وبضغط من امريكا ضد العرب، لذلك فان الواقع، امام هذه الحالة، يتطلب موقفاً عربياً صلباً موحداً في مواجهة المخططات الصهيونية-الاستعمارية، الحالية والمستقبلية للسيطرة على المياه، وادعاءات ساسة الكيان الصهيوني في تصريحاتهم وتقاريرهم المعلنة وغير المعلنة في (ان الاحتياطي للصهاينة في المياه يمر الان بمرحلة الجفاف، وان الكيان الصهيوني لا يملك حالياً اية مياه احتياطية في ستراتيجيتة السنوية)..

وعلى سبيل المثال، رغم ان الكيان الصهيوني يسيطر على المياه العربية ومنابعها الاساسية في جبل الشيخ التي يستفيد منها لبنان وسوريا والاردن، وتؤمن لها احتياطي مياه لا يستهان به سنوياً، فأن تقارير الكيان الصهيوني وخططه المبطنة بالكذب والتضليل تأتي لتسويغ سياسة (تل ابيب) في احكام السيطرة على منابع المياه واحواضها وانهارها، وسعيها من اجل المطالبة بمياه جديدة تحت ذريعة الحفاظ على التوازن وعدم الاخلال بالتوازن لمصلحة العرب!! ولهذا نجد بالملموس ان العدو الصهيوني يقود حالياً حرب مياه قائمة ضد الامة العربية، تستهدف اساساً الامن العربي المائي بشكل عام..

فضلاً على مباركة أمريكا للجانب التركي في أقامة مزيد من السدود على نهري دجلة والفرات واخرها سد اتاتورك، لغرض التحكم بمنابع هذين النهرين والضغط على العراق وسوريا، كذلك المبادره لأثيوبيا من خلال اقامتها سد النهضة الاثيوبي مؤخراً حيث اصبح مستقبل مصر مهدداً، وان الاتفاقيات الدولية التي تم عقدها على مدار الـ 100 عام الماضية لتنظيم التعامل مع دول الحوض في ملف مياه نهر النيل اصبحت في مهب الريح، وما لهذا السد من خطورة على الامن القومي المصري .

ان لاسرائيل مطامع من حيث استخدام المياه كعنصر اساسي في الصراع العربي الصهيوني، حيث تشكل المياه احد اهم عناصر الستراتيجية الاسرائيلية سياسياً وعسكرياً وذلك لارتباطها بخططها التوسعية والاستيطانية في الاراضي العربية، وتشمل تلك الاطماع في الموارد المائية العربية نهر الاردن وروافده ونهر اليرموك وينابيع المياه في الجولان المحتل وانهار الليطاني والحاصباني والوزاني في لبنان، اضافة الى سرقة اسرائيل للمياه الجوفية في الضفة الغربية وقطــــــــــــاع غزه لمصلحة مستــــــــوطناتها الاستعمارية.

ومن ذلك يتضح ان على الدول العربيه ان تعطي موضوع تنمية الموارد المائية والمحافظة عليها الاولوية القصوى عند وضع ستراتيجيتها الامنية، ويجب ان يكون موضوع (الامن المائي) على رأس قائمة الاولويات.

Ghassanalazame@yahoo.com