قصيدتان
ميدوز أكنس
ترجمة حامد خضير الشمري
لحظات اسطنبول
جنب المسجد الأزرق وتحت ظلة من أشجار
البرتقال البراق في أكتوبر وابتسامة النهار
على رحبها , أجلس في حديقة حجرية
تحيط بها التماثيل التي سفعتها أشعة الشمس
ويحف بها اللبلاب الصامت
الذي يخترق الإفريز فوق الحجر القديم الدامي
وتثلم راحة ُ الينابيع وصداحُ الطير صخبَ المدينة التحتي
والشمس رفيقي الناعس وأنا أتمدد في الصمت.
وينادي صوت المؤذن لصلاة الظهر
ويتردد صوته عبر المدينة كهدية مفتوحة
وانعكست أغنيته في فوضى الأصوات التي ترحب
بالساعة في اهتياج التناغم
وتحركت بشكل غريب وكأن الغناء
حرر صدى واهنا للحب في داخلي
كان محكما بشدة لقرون
إنها لحظة التفكير بالله
إنها اللحظة الوحيدة
2
إنها الساعة الخامسة ويصبح الضوء ذهبيا يطرز أشجار تبكابي
ومنائر المسجد المئة التي تناطح السماء على امتداد البسفور
ويغطي المدينة نداء المؤذن الحزين
والطريق الوامض من الأرض إلى السماء.
ويحلق الدخان إلى الأعلى من مشاعل الكستناء التي لا تحصى
لتضفي على الهواء عبقا مستحيلا
والأطفال الواهنون الذين زادهم الفقر جلالا
يبيعون اللبان والمناديل للأزواج الخليين
وزوجاتهم بنظراتهن الحادة المحدقة
والنساء اللواتي يتحدثن برقة.
ويتخيلن خانات العاطفة ولمسة الأيادي العسلية
والحب بلا سبب ويتـُقن لأحلام الدِعة
ووجوههن قبور المرمر لحزن مخبوء
يتلوى الماء بطيات زُرْق شاحبة ٍ تحت جسر كالاتا
عبر صيادين شيوخ يدركون أن لم يبقَ شيء يصطادونه
يقضون ساعات وصناراتهم فارغة
يحاولون اصطيادَ ذاكرةِ زعنفةٍ أو حرشفة
وينتظرون عندما يهبط الغسق معجزة السمك
لاجئ
أنسى هبوط الليل أحينا
والطريق الذي استقر الغبار به في كل ركن ببيتنا
وكأن ستارة تحجب ضوء الشمس
وتثلم الضياع والسرقة .
يصبح طعم الرمان مربكا للساني
وفقدَ التين حلاوته
لم يبقَ سوى الخل في فمي
فتعلمت أن أعيش معه
تتحول السماء بيضاء أحيانا بالرعد
وتسقط الطيور صرعى عند قدميّ
ريشها خراب يتصاعد منه الدخان وعيونها ألق البترول
ناضجة للنهب ككنز قديم
يختبئ صغاري في دور العبادة ولا يقدرون إلا على سوء الحظ
فتنشطر براءتهم
وتطول أسنانهم كالذئاب المتهيئة لتمزيقي
وكلماتهم الحادة كالمخالب تجر الدماء في جسدي
بعيدا كنت مدة طويلة ولم يبقَ أحد يتذكر اسمي
وأصبحت حتى أصوات الترحيب التي كبرت معها
غريبة ً عليّ
ويأبى لساني أن ينحني أبعدَ في فمي
أرى الغرباء أحيانا في أماكن غير متوقعة
وفي عيونهم نظرة أميزها , عطر الطيور عند هبوط الليل يعود لي
والغبار المتحلق
والدخان الساقط في الشوارع من كل مدخنة
تسترجع وجوههم ألفَ أمس
كالأغربة الهابطة أسرابا على بيتي
حدائقي , تلالي الهادئة , بلدي الذي لطخه الزمن
وهي تزيل كل شيء ثمين وكل ما اعتززت به
وأتهادى إلى الشوارع بحثا عن راحة أوسلاندر
وأنا أطارد لحظة الإدراك المتبادل
صوت تلك الكلمات المألوفة لأسمع اسمي
يُنطق مرة أخرى في طريق يفهمه قلبي
وعندما أستخدم كلمة الوطن
لا يبدو الأمر خيانة
ميدوز أكنس شاعرة بريطانية
Issue 4199 – Date 14/5/2012 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4199 التاريخ 14»5»2012
AZP09