قصيدة نثر عمودية وبالعكس
عوّاد ناصر
تخاصم ثلاثة شعراء، ذات يوم، الأول شاعر قصيدة عمودية والثاني شاعر قصيدة نثر والثالث شاعر قصيدة الحر التفعيلة .
حدثت الخصومة بشكل علني وتداولتها وسائل إعلام عديدة، ذات يوم.
شاعر القصيدة العمودية ما الذي تكتبونه هذه الأيام؟ إنه لغو لا أكثر ويدل على جهلكم بالعروض.. نقرأ قصيدتكم من آخر سطر باتجاه أول سطر فلا تختلف القراءة ولا نجد أي أثر للمعنى.. إنها تهويمات لغوية لا رابط بينها ولا بناء تقتضيه القصيدة كي نعرف راسها من رجلها.
شاعر التفعيلة قصيدتنا هي التي قلبت موازين القوى والذين كتبوها هم الذين قادوا ثورة الشعر الحديث أواخر أربعينيات القرن الماضي، وهم، لا سواهم، من أطلق عليهم لقب الشعراء الرواد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي.
شاعر قصيدة النثر بلغت قصيدة التفعيلة أو ما سميتموها بـ قصيدة الشعر الحر نقطة الصفر، ولم يعد في جعبتها ما تقدمه للعالم، عالمنا المتغير، الذي لم تعد هذه القصيدة تستوعبه أو تجاريه أو تحاوره أو تستجيب لتعقيداته المعاصرة.
شاعر القصيدة العمودية حسناً، لنشطب من تاريخنا دواوين امرئ القيس والمتنبي وأبي تمام وأبي نواس ومئات الشيوخ الكبار الذي أسسوا للقصيدة المهمة التي يتداولها الناس في شتى بقاع العربية، فلا يبقى سوى قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر.
شاعر قصيدة التفعيلة إن ما اجترحه الشعراء الرواد السياب ومن معه جاء استجابة لما اعترى العالم من تغير وتغيير، فبات حاجة موضوعية، سيكولوجياً وفنياً، وهي قصيدة لم تغير شكل القصيدة الخارجي، أو موسيقاها، أو عدد تفعيلاتها، حسب، بل ثمة تغيير جوهري في مضامينها ونقلت الشعر من أغراضه المعروفة إلى عوالم جديدة.
شاعر قصيدة النثر إن قصيدتنا هي ابنة عصرها العصي على التأطير في التفعيلة، سواء كانت عروض الخليل بن أحمد الفراهيدي أو بدر شاكر السياب، فهي كتلة ملتهبة تنشر الضوء والدفء في مسيرتها الجديدة، وهي أكثر اتساعاً من سطور متتالية، تطول حيناً أو تقصر.. إنها ثمرة طبيعية لعصر ما بعد الحداثة الذي يجتاح عالم اليوم، مما يؤهل هذه القصيدة لئن تكون ابنة عصرها وممثله الشرعي والوحيد.
شاعر القصيدة العمودية عن أي حداثة وما بعدها تتكلمون؟ الحداثة وما بعدها ثمرة عالم غربي متحول، سريع التغير، يغير معه أدوات تعبيره وأشكاله الفنية والفكرية والفلسفية، بشكل متساوق، بينما تنسخون، أنتم، ما يحدث هناك وتنقلونه بشكل رديء الترجمة، بل تترجمون الترجمة ليقال عنكم حداثيون وما بعد حداثيين، ونصف شعوبكم ما تزال تتنقل على الإبل بحثاً عن الكلأ والماء.
قرأنا مثل هذا الجدل» الخصومة قبل أكثر من ثلاثة أرباع القرن في صحافتنا، ذات يوم، والمؤسف إننا نقرأه اليوم، كما يحدث في الألفية الثالثة، وفي عاصمة ثورة الشعر الحديث، بغداد، عشية انعقاد الراية لها عاصمة الثقافة العربية عام 2013.
.. واليوم، أيضاً، نجد من يكتب قصيدة نثر بروح عمودية أو قصيدة عمودية بإهاب نثري أو قصيدة تفعيلة أضعف من قصيدة عمودية.
يا أصدقائي الميامين لا تحوّلوا الشعر إلى ميادين للمحاصصة ومناطق شعرية متنازع عليها كما يفعل زعماؤكم السياسيون، فالشعر حاشية رقيقة لا قبل له بمنازلات وصولات وخصومات، إنما هو مساحة للجدل الخلاق، بلا صيغة محددة تقاس بالمسطرة والشاهول، إنه فعل حريّة، ينكفئ عندما يصطدم بالجدران الخرسانية، ويتراجع عن الحواجز العسكرية وينتعش في الفضاء المفتوح، وقوته بلا عضلات ولا أبواق نفير ولا رنين عال، إنما هي طاقته الذاتية التي تسير بقوة الجمال والجدّة واختراق المقدّس وما تأتيه من وثبات باتجاه دهشة المستقبل لا الانكفاء نحو التقليد العمودي.
AZP09