قصيدة النَّص

قصيدة النَّص
بعيداً عن النَّصانية قريباً من النَّصية
عبدالرزاق صالح
قصيدة النَّص هي ليست نَصانية بقدر ما هي نَصية غير إجناسية تفلت من التصنيف وترتكز على معطيات ليس لها علاقة بقصيدة النثر ذات الشروط المعروفة كالتكثيف والإيقاع الداخلي الموهوم والتصورات السِّريالية والغموض لغاية الغموض الذي لايؤدي إلى معنى في الغالبية العظمى من قصائد النثر التي تُنشر الآن وخاصة على المواقع الالكترونية والمنتديات وعلى صفحات الكترونية متنوعة، وشيوع الإبهام والتعمية المقصودة أو الغير مقصودة واللعب بالألفاظ التي تؤدي إلى ضبابية المعنى، وعدم توصيل المعنى ليس للقارئ العادي أو غير المختص، بل للقارئ المختص أو الناقد، فنرى أنَّ بعض قصائد النثر الآن تعطي أهمية بالغة للألفاظ وترتكز في أغلب الأحوال على إيهام مقصود لتشتيت ذهنية المتلقي بل الاستهتار بعقليتهِ، حيث يفقد التواصل مع ما يقرأ من تعميات وتعميمات وطلاسم ورموز فاقدة للمحتوى الذي وجدت من أجلهِ، وهذا يؤدي بدوره إلى فقدان الوحدة الموضوعية التي هي الشرط الأساسي للشِّعر ناهيك عن المعادل الموضوعي حسب اليوت ، الذي هو ركيزة أساسية في قصيدة النثر. الاستسهال والبساطة وعدم وجود ضوابط صارمة كما هو موجود في القصيدة الكلاسيكية،هذا الاستسهال هو الذي دفع بعض كتَّاب قصيدة النثر إلى كتابة قصيدة نثر فارغة من محتواها وهم المسؤلون عما وصلت إليه قصيدة النثر من مستوى مُتدنٍ، كما جاء في توصيفي لقصيدة النثر في بداية المقال، أما الذين كتبوا قصيدة النثر في بدايتها وهم الرواد في كتابة ذلك النوع فقد أبدعوا نصوصاً غاية في الجمال والأهمية، وقائمة الأسماء طويلة لمن أبدعوا في هذا المضمار، وهم شعراء حقيقيون رفدوا السَّاحة الثقافية العربية والعالمية بإبداعهم المتميز ولا يزال بعض شعراء قصائد النثر المتميزين يرفدون السَّاحة الثقافية بنصوص جميلة ورائعة ولكنَّهم قلة قليلة للأسف ، إذاً المشكلة ليس في قصيدة النثر ذاتها، ولكن القضية فيمن يكتب تلك القصيدة كمنجز إبداعي، فأما أن يكون ذلك المنجز جيداً أو رديئاً، لكن في كلِّ الأحوال يبقى التطور مطلوباً والبحث عن شكلٍ جديد هو الغاية من كتابتي هذه. من هذا المنطلق ومن تجربتي الخاصة ومنذ فترة ليست قصيرة جربت الكتابة الشِّعرية بشكل مغاير وأطلقت على ذلك الشكل الجديد قصيدة النَّص بدأت ذلك حينما نشرتُ نص حلم السندباد في مجلة أسفار العراقية العدد 16 في ايلول عام 1993م، التي كانت تصدر في بغداد في ذلك الوقت، لكنَّني لم أعلن أو لم أُنَظِرْ لذلك الشكل الجديد في ذلك الوقت المبكر، لأن التجربة كانت في البداية وتحتاج إلى جهد ثقافي كتابة نصوص ، وجهد موضوعي ودراية ودراسة بشكل ٍّمستفيض ونوعي وموضوعي.ليس هناك ركائز أساسية في كتابة قصيدة النَّص أو ليس هناك شروط مُسبقة كما هو موجود في قصيدة النثر أو القصائد الكلاسيكية، أنَّما التعويل على مران وتجربة وثقافة المبدع في هذا المجال آخذين بنظر الاعتبار النَّصية وليس نَصانية الشِّعر مع السَّرد كما حاصل في قصيدة النثر، ومن أجل كسر هذه التراتبية والتناقض في الفحوى المعمول فيه في النثر والشِّعر، نتجه نحو نَصية جديدة تتمركز حول محور إعطاء الألفاظ قرابة عالية للمعنى من أجل توصيل ذلك النَّص بشفافية عالية إلى المتلقي ومن هنا نجدد التواصل الحقيقي بين المبدع والجمهور بأنواعهِ والذي فقدناه منذ زمنٍ بعيد أدى إلى الاعتماد على نخبة مبتسرة من المثقفين والمتابعين، وبدوره أدى ذلك إلى أن يكون المبدع الحقيقي معزولاً عن مجتمعه ِ، ومنزوياً في آخر النفق، بينما راح أنصاف المثقفين أو الأميون بتسيِّد المشهد الثقافي في عالمنا العربي، لكنَّنا نراهن على ما سوف يحمل التغيير في عالمنا العربي من قيم تقودنا إلى الديمقراطية وسقوط الاستبداد،وهذا المخاض الجديد سوف يولد أشكالاً جديدة في الإبداع العربي المعاصر لذا كانت البداية في تجربتي في هذا المجال وهي قصيدة النَّص والتي أرجو أن تأخذ حقها في التنظير والكتابة والتطوير، وأنا أعرف خطورة المسألة، ولكن المغامرة مطلوبة، وأنا أعرف كذلك ما يلاقي كلَّ جديد من صعوبات واستهجان من قبل البعض، كما حصل في السابق مع الشِّعر الحر أو قصيدة النثر سواء في داخل العراق أو خارجهِ، فهناك من ناصروا التجربة الجديدة وهناك من وقفوا في وجه ذلك الجديد، ولحد الآن، ولكن يبقى شرف المحاولة هو الأساس والتجريب ركن أساسي في هذا الجانب. إنَّ التغييرات الجديدة والجدية على المستوى الاجتماعي والسياسي السائد الآن في المجتمعات العربية حتماً تفرز أشكالاً جديدة في الإبداع سواء على مستوى الشِّعر أو السَّرد، ويبقى الزمن هو الكفيل والحكم في نجاح أو فشل تلك المحاولات الإبداعية، ولكنَّني متفائل في نجاح تلك التجربة الجديدة والخروج من عنق الزجاجة الذي لم يحسم إلى الآن في قضية قصيدة النثر، حتى كُسِرَ ظهرها من كثرة ما تحملت من نقد وشروح وجروح لم تندمل لحد الآن، إذْ أن هناك أقلاماً سيالة لا ترحم حتى الجنين أو من كان طفلاً في المهد وحسب ما أضن أنَّ قصيدة النَّص هي العزاء والمخلص من كلِّ تلك البلبلة الفكرية والتراشق بالألفاظ بين مُدعي الثقافة والذين يطلقون الكلم على عواهنهِ، ويطلقون الصفات على الأدباء بغير حق أو وازع من ضمير ويُصنفون الأدباء حسب أهوائهم ونفوسهم المريضة، بل لديهم خانات جاهزة ورخيصة حسب مزاجهم الشخصي وسلوكهم البذيء وعقلهم البليد. إنَّ ثقافة المبدع ووعيه وتجربته وما يملك من حس وخيال وعلم بالفنون الإبداعية الجميلة وكذلك العلوم التجريبية والمختبرية ولو على سبيل النظرية هي المحرك لكتابة قصيدة النَّص، وممكن أن تكون حتى قريبة من العلم النظري أو الفني أو السينمائي وغيرها من الفنون الإبداعية، هذا هو السياق ويتطور مستقبلاً، أنَّهُ عمل ديناميكي يأخذ من ظروف المرحلة مُحركاً له نحو الأفضل والجديد غير عابئ بالعقول المتحجرة والقوالب الجامدة قصيدة النَّص تعتمد أولاً وأخيراً على التواصل مع المرحلة الجديدة، وتهتم جدياً بعملية التوصيل إلى المتلقي، لكي تتم عملية لذة النَّص بين القارئ والنَّص والناص.
AZP09

مشاركة