رؤوف كبيسي
من هذه الشرفة التي ترتفع عليها الأعلام، في قصر “فينيسيا” وسط روما، كان حاكم إيطاليا الفاشي بينيتو موسوليني يلهب بخطبه الصاخبة، مشاعر الجماهير المحتشدة في الساحة، ويصور نفسه، على أنه الرجل الذي جاءت به الأقدار ليقود إيطاليا، ويعيد أمجادها الرومانية القديمة.
بقيت الحناجر سنوات طويلة تهتف للزعيم، إلى أن جاء يوم الحساب، في الثامن والعشرين من سنة 1945، فقام الأحرار في ميلانو واغتالوه بالرصاص، ثم علّقوه وأعوانه على عوارض من خشب ورؤوسهم إلى الأسفل إهانة وإذلالاً، وهللت جموع الشعب في طول البلاد وعرضها لمصرع “الدوتشي”، لأنه أدخل إيطاليا في حرب مدمرة، كانت نتائجها وبالاً عليها وعليهم.
أنظر إلى هذا القصر التاريخي الذي شُيد في القرن الخامس عشر، فتعود إلى ذاكرتي صور الحرب الأهلية ومآسيها، وصور “زعماء”دمروا بلداً كان من أجمل بلاد الدنيا، وبدلاً من أن يحاسبهم شعب لبنان كما حاسبت إيطاليا موسوليني، عادوا الى الحكم، رؤساء لأحزاب طائفية، وأصوات فئات من الشعب جاهلة ومغلوبة على أمرها، ما زالت إلى اليوم تنتخبهم وتفديهم بالدم والروح!