قصة قصيرة
موت الموت
حيدر علي الجبوري
بطريقةٍ ما قد حصل ذلك, ولم يصل أحد إلى السبب الحقيقي . مجرد افتراضات, وتفاسير لم يقتنع بها أيّ عاقل . بعد عامٍ واحد شعرَ بذلك الجميع, وأنّ أحداً لم يمت . عامٌ تامٌّ لم يغادر إنسانٌ الحياة بالرغم من سبع حروبٍ تدور على وجه الأرض القبيح , في أفريقيا تدور ثلاث حروب قبلية يغذّيها أمراء حرب محليين وعصابات أوروبية تبحث عن الماس . وأربعة غبية أخرى في بلاد العرب. لم يمت أحد بسبب حوادث السيارات, أو الأمراض الفتّاكة أو السطو المسلح . كان الجنود يعودون إلى ذويهم ويروون لهم قصصاً خرافية عن نجاتهم من الموت . تنشر الصحف والمواقع الإخبارية حوادثاً وملاحم مداهمات تشتعل فيها الشوارع بالرصاص والحرائق , دون أن يكون للموت دور . ” لقد توقّف الموت” قال طبيب يعمل في الطب العدلي . بينما تهكّم صحفي بقوله أنّ الموت لم يعد يعمل. و مفكّر غربي اختصر وكتب مقالاَ معنوَن بموت الموت. بعد عامٍ تامٍّ , تنبّه الجميع إلى ذلك . كان الأمر مرعباً بداية الأمر , حاول فيه بعض المشككين إثبات العكس بمحاولتهم الانتحار , هناك من يرمي نفسه من المباني المرتفعة و يتعرض لكسور شديدة , تخترق عظامه الجلد و تحرر نفسها , تتحرر المفاصل وتذهب عكس طبيعتها , غير أنّ كل ذلك كان مجرد ألمٍ يعاني منه المحاولون حدّ تمنيهم الموت خلاصا من الوجع , وبعد شهور من التداوي يعودون إلى الحياة . كل محاولات الموت باءت بالفشل . عامان مرّا على رتابة الحياة . الجميع يشعرون بنقصٍ ما , حتى أولئك الموغلين في العمر واقتحموا المائة الثانية من أعمارهم بسنين قليلة , الذين كانوا يقصّون للشباب عن شحّة الموت في أزمنتهم البعيدة , لا حروب مرعبة تحدث , و لا جرائم . كان العالم ينعم بالهدوء , والموت كان كضيفٍ يأتي من أقاصي الأماكن فيأخذ الذي انتهت دورة حياته بكل رضى . مرّ العام الثالث , صار الموت نسياً منسيا , ومن المواضيع الطارئة , اختفت من الصحف والأخبار مفردات كثيرة مثل ( نجا من موت محقق , أو كاد يفقد حياته ) . اختفت كل المهن المرتبطة بالموت , وصارت أرشيفاً إنسانياً مرّت فيه البشرية في فترةٍ ما. في العام الرابع , تحوّلت المقابر إلى متحف السيرة الإنسانية , و كثرت المؤلفات عن تلك الحركة التي كان ينتقل فيها الإنسان من مرحلة الوجود إلى العدم , يتعرّض بسببها لحادثٍ يفقد فيها روحه , ولم يعد الجسد بعد ذلك على الحراك , يفقد فيه كل الخصائص الطبيعية التي من مسؤولياتها مساعدته على الحراك و تشغيل الغزائز . كانت كتب المرحلة تفلسف الموت بطرق مختلفة , الفيزياء ذهبت إلى وجود خلل فني أصاب كهرباء الجسد ما أبقى الروح مستمرة بطاقتها مهما حصل للحاضن الذي يحتويها . الفلسفة بررت الأمر على تغيير معرفي حصل عليه العقل وجعل منه متغيّراً جديداً أخرجَ الفكرة الأزلية من قانون الرتابة . في العام الخامس , كان العالم يتابع الأزمة الكونية ما بين إسرائيل وأمريكا بعدما تلاشت علاقتهما وأمسيا عدوين يهددان بعضهما بالأسلحة الفتاكة , وانعقدت الامال في استخدام سلاح من شأنه إعادة الموت إلى الوجود. غير أنّ الفرحة لم تدم لكارهي أمريكا و إسرائيل , ولمحبيهما أيضاً بعد أن فقدت الحرب جدواها , إنّ الموت لن ينال من أحد منهما . في العام السادس , كانت مشكلة تكاثر السكان عالمياً مبعث قلق كوني آخر ,خرجت كل قوانين تحديد النسل من أطرها , وشُحّ الغذاء صار أخطر من الحياة نفسها , دول أفريقيا تحنّ إلى الحروب التقليدية , أيام كان الواحد يموت ويرتاح من موجات المجاعة الجهنمية . طُلب من العلماء والمفكرين إيجاد بدائل للموت , أو للحياة . اقترحَ البعض بسفر الإنسان للبحث عن ارض أخرى بغير مجرّة اعتماداً على مبدأ إنّ الإنسان لم يعد يموت . سافرت البعثة الأولى التي رآها كل العالم من على التلفاز , غير أنها لم تعد , سافرت بعثة أخرى ولم تعد , ثالثة ولم تعد حتى نال اليأس في العالم على افتراض تقطع السبل بالبعثات الباحثة عن أماكن منجية من عذاب الحياة . في العام الثامن , كانت الأرض تتحول إلى الشحوب , لا اخضرار في مساحتها , اختفى كل حيوان سابح أو طائر أو ماش منها . تغيّرت حركة الإنسان فيها وصار أكثر هزالاً وحزنا . في العام التاسع , عمّ الصمت بكل الأرض على أمل مجيء العام العاشر , والذي تنبأ فيه مشعوذٌ على أنّ دورة الوجود ستعود لطبيعتها , ما بين حياةٍ موت , و يأمل أن يكون هو أول الموتى كما اخبره جنونه.