قصة قصيرة (2)
إغتيال عائلة
تعاون الاثنان على سد كل الفتحات والثقوب حتى الصغيرة منها بباقي الخرق البالية , لم يسمحوا لأية نسمة هواء باردٍ غادرة أن تخترق حصنهما الطيني وضعوا الطشت الدافئ قرب أجساد أطفالهم لينعموا بدفء افتقدوه ليلة أمس و لا يريدوا أن يفتقدوه هذه الليلة .. حقاً أنتشر الدفء في أرجاء الغرفة الطينية .. ما ألذه من طعم افتقدوه .. حشر خلف جسده تحت إحد الأغطية ليستغل هذا الدفء ويحضى بنومة أفتقدها منذ يومين وعيناه تقلب أطفاله وتحتضنهم بحنان الأب .. ولكن عاودته نوبة اليقظة و تذكر كمية المشاكل التي حشر فيها ولا مخرج منها وعاود ذهنه الاستغراق فيها فجانبت عيناه النوم… انتبهت الزوجة المنكوبة لعينيه المعلقتان في سقف غرفتهم الطينية والتي تحكي مقدار بحر الهموم الذي يسبح فيه زوجها.. فبادرته لتخفف عنه قليلاً من الهموم
لا تحزن يا طيب فالفرج قريب لا محالة …. صدقني غداً ستحل كل مشاكلنا … في تلك اللحظات التي غفوت فيها ظهيرة اليوم أو ربما أغمي عليّ من شدة التعب رأيت رؤيا عجيبة وتحمل فيها بشرى لنا … لقد رأيت أننا وأطفالنا مسجونين في غرفتنا الطينية هذه ويحاصرنا الذئاب من كل جهة و هم ينبحون علينا وبعضهم يحاول الدخول إلى الغرفة ليلتهم أطفالنا و نحن نرتجف من الخوف أو من البرد أو منهما معاً و نحضن أطفالنا بأيدينا لنحميهم من الذئاب ورأيت أهل القرية يتفرجون علينا ولا يفعلون شيئاً لمساعدتنا حتى أن السيد كان يضحك على ما ألم بنا وأطلق ذئبين من ذئابه لتشارك في هجوم الذئاب علينا أما أنا وأنت فغلقنا كل الفتحات في الغرفة حتى لا تدخل الذئاب إليها … كما فعلنا قبل قليل …. صمتت أم عباس … فبادرها زوجها ..
ثم ماذا حدث يا أم عباس أكملي….
نعم .. كانت الغرفة مظلمة و كل ما يحيط بنا مظلم ونحن جالسون في الغرفة نرتجف … و فجأة فتحت كوة في جدار الغرفة انبثق منها ضوء أبيض شديد السطوع أنار الغرفة كلها و ظهر من خلاله رجل يرتدي البياض و يشع نوراً لم أر ملامح وجهه من شدة الضياء الذي تخلل إلى أجسادنا فشعرت بدفء لم أشعر به من قبل و سرت في أنفسنا طمأنينة عجيبة لم نشعر بها في حياتنا وتوقف أطفالنا عن السعال و نهضوا من فراشهم .. فدعانا هذا الرجل إلى دخول الكوة المشعة بالضياء . ومغادرة غرفتنا الطينية وحقاً مشينا نحو الضوء… ودخلنا النور وغادرنا غرفتنا الطينية وصعدنا الى السماء برفقة ذلك الرجل … فصحوت من نومي …. ومازالت نفسي تستشعر ذلك الاطمئنان وكأنها أغتسلت في نهر جارٍ فنزعت عنها كل أوساخ الدنيا و همومها …
أنها رؤية رائعة تحمل الأمل والبشرى لنا… سكنت نفسه القلقة .. و هدأ الألم المزمن في رأسه بعد أن سمع هذا الحلم من زوجته.
قاطع كلامهم نوبة السعال الشديدة لطفلتهم الصغيرة ولكنها سرعان ما هدأت لتخلد العائلة إلى نومةٍ هادئة حول طشتهم الذي تحترق فيه الأخشاب المبللة لينعموا بالدفء و النوم …
في ظهيرة اليوم التالي جاء (الملّاك) ومعه شرطيان يحملان بندقيتين وورقة طرقوا باب الغرفة الطينية واستمروا بالطرق كثيراً بلا جواب من ساكنيها…… أضطروا لكسر الباب ليدخل الملّاك والشرطيان والشتاء على جثث نائمة بهدوء …
صدمت القرية على فاجعة مقتل عائلة (خلف) ولم يعرف من هو القاتل حتى الآن و لكن سجل في وقوعات مركز الشرطة أنهم ماتوا خنقاً بسبب دخان أخشاب محترقة في طشت …
علي فاهم – بغداد
AZPPPL