قصة قصيرة (2)
صبيحة في بغداد
ومن هنا تم ضرب طوق من الحصار على صبيحة حتى لاترى احمد بعد الان فكان والدها هو من يوصلها الى المدرسة ويرجع ظهرا لاخذها بيده.
وكان احمد لايعرف كيف يتصل بها او يراها واخيرا التجأ الى شقيقتها المتزوجة والتي كانت تتعاطف معه ومع اختها وكثيرا ما كان لها مواقف مويدة لهم عند اهلها وطلب منها ايصال رسالة منه لها رسالة اودع فيها كل لواعج روحه واشتياقها وطلب منها ان توافيه صباح يوم غد الى المكان الذي تعود ان ينتظرها فيه وان تتغيب عن المدرسة بذلك اليوم كما اعلمها بانه سيترك لها رسالة كل يوم في حديقة منزلهم ليلا لتاخذها هي صباح اليوم التالي وهذه افضل طريقة يمكنه ان يكون بتواصل معها.
وفي اليوم التالي كان له ما اراد لقد وافته الى مكانهم المعهود وما ان وصلت لعنده حتى وانطلق معها بسيارة اجرة ليكون بعيدا معها وجلست قبالته في احد المطاعم وهو ينظرها بعيون مليئة بالحب والشوق وكانت هي تبكي بصمت ثم تحدثة بصوت مشحونا بالعواطف عما تصادفه من ويلات بعده عنها وان والدها يعاملها بقسوة وجفاء وكانت احاديث طويلة واخيرا امتدت يده لياخذ بيدها ويسيرا معها جنبا الى جنب والصمت يخيم عليهم فكانا بتلك اللحظات في عالم غير عالمهم ودنيا غير دنيتهم والتفت لها ليقول بانه سيعاود الكرة ويخطبها مجددا ورفضت هي ان يفعل ذلك لان والدها سيفعل كما فعل اول مرة لانه يريد تزويجها من (معلم) مثلما هو (معلم) وضحك احمد لعقليه هذا الرجل التربوي كيف يفكر الا ان احمد قد وعدها ان يفعل المستحيل حتى يتحقق لهم الامل وهدات روحها بعد هذا اللقاء ومن ثم اوصلها الى المدرسة وعاد ادراجة وتفاجأ احمد عندما علم ان اسرة ابو صبيحة قد عادت الى سكنها في ميسان ليستقر بهم الامر هناك دون ان يعلم احدا بالامر وانه كان مباغتا للجميع واحتار احمد بما يفعله وكيف سيكون عليه الامر وكيف يراها بعد الان ويعرف اخبارها ففكر ان يسافر الى بيت خاله الثاني هناك عسى ولعله يكون له عونا بعد ان يقص عليه حكايته وكان له ذلك وتعاطف الخال معه ولكن دون ان يعطيه املا لانه يعرف ان اخيه صعب المراس ولايرجع عن قرار قد اتخذه وباءت كل محاولات هذا الخيال بالفشل ولكنه وعد بالوقوف الى جانبه ووصلت الاخبار الى صبيحة بان احمد موجود وقد جاء خلفها وكان احمد يتوق الى رؤيتها وهي ايضا فارسلت من يخبره ان يقف امام الباب لتمر هي لرؤيته وقف احمد بالشارع وكله لهفة وشوق لرؤية حبيبة القلب وفجاة شاهدها وهي مارة من امامه والدموع تملاء عيناها وتكاد تتعثر في سيرها وكانت عيناه تحادثها بالف حكاية وحكاية وانسابت دمعه على خديه بعد ان غابت عن ناظريه.
ورجع الى بغداد مهموما شارد الذهن وكان قد قرر اخيرا ان السبيل الوحيد ان يضع الجميع امام الامر الواقع والزواج من حبيبته دون موافقة الاهل وحادث والدته بذلك الا انها نهرته على هذه الفكرة التي تسيء الى كرامته وشرفه اضافة الى اسرته ورجع عن هذا القرار لينتظر ما تخبئه الايام.
بعد مرور شهر على هذه الحوادث جاء من يخبره ان من كان يحبها قد تزوجت بالامس من معلم وان زفافها كان تحت تهديد اسلاح وانها قد اجبرت عليه ولم يتمالك احمد هذا الخبر فوقع مغشيا عليه يكاد لايصدق ما يسمع ان تكون هذه هي نهاية ذلك الحب الكبير وان ذلك الاب القاسي يضع هذه النهاية الماساوية لا حلى قصة حب عرفتها الاسرة.
وبقى احمد في معاناته مدة طويلة من الزمن وماتت الابتسامة من شفتيه واصبح لايطيق احدا وكرس كل جهده للعمل ليقتل ذلك الفراغ الرهيب الذي يحطم اعصابه.
وكان صديقه عبد الرحمن خير عونا له في هذا المرحلة واستطاع فعلا اخراجه من عزلته واستقبال الحياة من جديد فلا بد ان يعوضه الله بواحدة مثلها او احسن منها وان كان احمد واثقا بان تلك الانسانة لايمكن ان تعوض ولا يمكن لاحد ان يكون احسن منها.
ومرت اكثر من سنة وعلم احمد انها اصبحت اما وان اسم وليدها احمد على اسمه وتزوج هو ايضا باول انسانة صادفته لا شيء الا ليشغل فراغه وكانت سنوات طوال وطيفها معه دائما وذكريات لاتنسى.
وبعد اكثر من ثلاثة عقود من الزمن يلتقيان لاول مرة وتبادلا التحية وتصافحت الايدي وتكلمت العيون وقالت كل ما عندها فما زالت القلوب تنبض بذلك الحب الكبير وبان ذلك واتضح بعد ان فضحت العيون ذلك واخيرا سار كل منهما في الطريق المعاكس لتسدل الستارة عن قصة الحب الطاهر الشريف.
محمد عباس اللامي – بغداد
AZPPPL