قصة قصيرة ذكريات من ثورة العشرين
برغم مصاعب الوصول الى المدرسة حيث تنعدم الطرق المعبدة في الارياف الا اننا كنا نسعد كثيرا عندما يصل الينا (عبود) فنصعد في عربته الواسعة التي يسحبها حصان اسود حتى باب المدرسة.
مازلت اذكر الكثير من ملامح قريتنا الجميلة.. انهم يسمونها الهور وهي قصبة عند ضواحي بغداد من جهتها الجنوبية.
كنا نشعر باللذة الغامرة لدرس التاريخ واللغة العربية، كان محمود استاذ التاريخ لا يحلو له الدرس الا بعد ان يجعلنا نعيش الحدث برغم مضي عشرات السنين عليه وللامانة اقول انه كان يستخدم ملامح وجهه ويديه في تصوير الحوادث حتى انني كنت استرق السمع او بالاحرى النظر الى زملائي احيانا فاجد الكثيرين منهم فاغرين افواههم وبعضهم يميل بجسده النحيل كما يميل المعلم.
كان الدرس لذيذاً جداً عندما راح الاستاذ ليسرد لنا قصة (ثورة العشرين) مازلت اذكر كيف استرسل في الحديث بدءاً بالاحتلال الاجنبي المحتل الغاشم وبروح عالية وثابة وبرؤية مستنكرة للاحتلال البغيض وبضوء هذا الاحتلال الغاشم راحوا يدبرون عوامل النجاح لثورة شعبية عارمة ويتحينون الفرص لاعلانها.
كان التدبير تدبير شيوخ العشار والمرجعيات الدينية فعندما القت سلطات الاحتلال باحد الشيوخ منها في السجن اذكى هذا الفعل جذوة الثورة من منطقة الرميثة وهبت الرارنجية جزيرة بوجه الاحتلال.. وما هي الا بضعة ايام حتى اشتعلت ارض الوطن كالنار في الهشيم.
توقف الاستاذ قليلا ونظر الى ساعته ولم يثنه عن مواصلة الحديث الا رنين الجرس الذي ابتلعته صيحات الزملاء قائلين لا.. لا.. مع الاسف.
وفي الغروب كنا تنتاول وجبة العشاء ثم ما نلبث ان نتحلق حول المنقلة ونضع ايدينا فوق الجمر بطريقة بعض الديناصورات، كان هذا ديدنا في الشتاء، وسالنا جدي ذات ليلة كيف حالكم في المدرسة؟ حكيت له قصة ثورة العشرين وهز راسه مؤيدا وهو يلف لفافة التبغ فباغته احد اخواتي بسؤال قائلاً: وهل سقط في هذا الثورة شهداء يا جدي؟ وهل نزفت دماء؟ فاجابه نعم يا ولدي لانها ثورة ضد عدو لا يرحم؟
علي الشمري – بغداد
AZPPPL