قصة قصيرة أنـــت

 قصة قصيرة      أنـــت

(بني أحب من أحبك ولا تكره من يبغضك وأحب الآخرين قبل نفسك وكن عزيزا ولاتكن أزيزا )

لازالت تلك الكلمات الربانية المنطلقة من فم أمي تجول في ذهني إلى الآن .. فلقد علمت وأنا صغير بأن حب الوالدين وطاعتهما من أسمى الأحكام التي أقرها الله تعالى وان مصطلح “الحب” وارد في كل الأديان والكتب السماوية فعلى ما أوصتني به جنة الأرض أقمت عماد حياتي وجعلت من وصاياها تربة خصبة لإنبات ذكرياتي .ولكن عندما كبرت صرت اسأل عن ذلك الحب الذي يصنع المعجزات والذي يتجاوز التقاليد والعادات .

تائها لا أجد إجابة محددة فمنهم من يتحفظ ومنهم من يرد ومنهم من يشمئز عند سماعه. كعادة الشباب الآخرين حيث الطاقة والحيوية التي يمتلكها فأن مرحلة المراهقة كانت كالحلبة أصارع فيها نفسي غير متحكم بعواطفي وثمة طيش يتصرف بارادتي وانفعالي. في سن السادسة عشر فقد كان يقال لي انت الطالب المجد الحريص على الدوام والمواظبة ودائما ما تكون الأول على زملائك ومثالا رائعا للذكاء والموهبة وفي مطلع الشباب ..

أتريد الانتحار؟ فأجبت مسرعا نعم أريد ان أعرف سبب التغيير الذي طرأ على دواخلي النفسية والعاطفية . ونتيجة لما كنت اسمع عن الحب وعن قصصه الرائعة منها المفرحة ومنها الأليمة وما يعتمل في النفس الإنسانية من مشاعر وأحاسيس غريبة قررت ان أخوض تلك التجربة وأن أتذوق طعم الألم والجراح ومن ثم بدأت رحلتي في البحث عن نصفي الآخر .وبعيدا عن الجدية والواقعية فأذناي كادت تذوب لكثرة استماعي للأغاني وللقصائد الشعرية وعياني تبتلعان ضوء الفجر ولم أكن أعلم اوظفها لمشاهدة الأفلام الرومانسية واصنع في مخيلتي مشاهد غرامية مع الحبيبة التي كنت احلم بلقائها علما اني لا اعلم من هي فقد كنت ارسمها على ظهر كتبي المدرسية وعلى جدران غرفتي واتجول في الشوارع أدندن مع نفسي بعض الاغاني لما كنت امتلكه من صوت لا بأس به.

فبعد انتهاء الامتحانات وفي بيت خالي حيث دائما ما كنت اقيم معهم لبضعة ايام حيث الراحة والـتأمل تاركا خلفي ضجيج الأطفال المزعجة وصراخ اخوتي ونقاشهم اللامنتهي. فطوال تلك الاسابيع التي حلمت فيها لقاء الحبيبة لم اعلم قط ان قدماي ستسير بي نحو ما كان قلبي يهدف اليه.

فقد وقعت عيناي على تلك التي ملأت جدران غرفتي بحروف اسمها تلك الفتاة القصيرة ذات العيون المكيرة وسمارها الكرخي الفاتح التي لا تزل تطبق حاجبيها عن الكلام والتي لم تكن لديها اي فكرة عن العشق والغرام عنيدة وفريدة جدا تلك البغدادية في طبعها وروحها العذبة تحسبونني مبالغا في وصفها لكنني أراهن على انكم لن تعثروا على مثل تلك الصفات عند فتاة أخرى.

وفي كل ما قلته عنها الا انني لم استطع مواجهتها لما رأيت في وجهها من ملامح ونظرات ترهقني فعلا و تعيدني فتى صغير جدا فلقد احتلت مشاعري بالكامل ايها السادة . ومرت الايام والايام .. واقول في نفسي ما الذي انتظره .. هل ستتخلى عن ذلك الكنز الرباني ؟؟ فلم البث الا واعلنتها امام الجميع وبصوت صريح ” احببتك ايتها العنيدة ” ..

لقد احببت ذلك النوع من الفتيات وافكر معي دائما كيف سأجعلها ملك لي !؟ ونشبت في داخلي حروب الحلم واليقضة .. الضياع والوجود والصمت والصراخ .

ما الذي يجري ؟ اغيثوني .. ايقضوني فلم اكن اعلم ان مذاق الحب مؤثر جدا .. حتى وان كنت على سريري اشعر بأني على مرتفع محير ما بين الارض والسماء والاشياء من حولي تتحرك ببطء شديد والقمر يزداد حجما ليلة بعد ليلة ويبدأ السرحان يأخذ حيزا كبيرا من تفكيري احساس يأخذني الى سنوات الطفولة حيث اللهفة والتسرع والعشوائية ..

 نعم انها مشاعر عشوائية تنطلق دون انتظام .. احبك ! اشتاق اليك ! اين انت .. فقد أحببتها وأحببتها .. ولا ادري ما اذا كانت تعلم بحبي لها . فمشاعري بدت تكلمني ولكنها إلى الآن لم تكلمني حتى سألني من كان يتربص بي وينتظرني .. اين هي ؟ فأجبت في نفسي حقا اين هي ؟ ودون توقع فاذا بهاتفي يرن .. وبعد التلعثم والارتباك .. والحديث الطويل قالت أخيرا : سمعت بأنك تحبني !!؟؟ نعم انا ..

 الان فقد تغير عالمي وشعرت بأن اصبح لدي هدف واضح ولابد ان استعد جيدا للقتال من أجله .. (هي) الان باتت مستقبلي .. فأحب كل منا شخصــــــية وطباع الاخر .. وبدأنا نشق طريقنـــــا نحن الاثنان وذابت تلك الحواجز والقيود وتجمعت القلوب والأرواح فقد كنا عشاق من نوع اخر كما أن حديثنا كان يمتد حتى ساعات الصباح لشدة قربنا لبعضنا.

وكنا ننتظر احدى المناسبات او حتى عزاء ما لكي يحضر الاقرباء بما فيهم أهلينا لمجرد ان تتكلم نظراتنا دون افواهنا فلم يكن مسموح لنا ان نكلم بعضنا لأنهم يعلمون ما في قلوبنا ولأن قصص الحب لم تكن احدى سماتهم . فقد علموا !! ولأنهم علموا حاربوا !! ولأنهم حاربوا فلابد ان ينتصروا .. فلم اعط لهم فرصة واحدة لكي ينتقموا ..

فأنا ها هنا ان استطعتم .. فجردوها مني ! وان فعلتم .. فجردوني منها !! رغم العراقيل وفضول الآخرين منهم المراهقين والمسنين وتدخل الذين لا يحق لهم نزع تلك الحياة مني الا ربي الا اننا ظللنا صامدين .. ومعاندين .وان رفضوني ..

 مرة ومرة .. ماذا يعني ؟؟ اني منسحب !؟ وان كرهوني .. اكثر فأكثر .. هل بأستطاعتي أن ابتعد !؟ بالطبع لا فقد سقيت روحي من عطرها وسحرها ..

هل لاحظتم يوما ما ان المسحور فاق لوحده ؟؟ اعترف لكم أحبتي اني انا المسحور واني أنا المجنون بحبها .. لا تستطيعون انتزاعها .. ليست روحاً شريرة .. بل نفس ملائكية بات سكنها في داخلي الى الابد .

عصام ثاير – بغداد

مشاركة