قصائد بعد عدد من المجموعات الشعرية

قصائد بعد عدد من المجموعات الشعرية

مفارقات بين المتن والعنوان

حيدر الاسدي

المجموعة الشعرية المجنسة بعنوان (قصائد) للشاعر البصري حبيب السامر التي قدم لها على قفا الكتاب الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف ، وهي ليست المجموعة الاولى للشاعر السامر فقد صدرت له عدة دواوين في وقت سابق وهي كل من مرايا الحب…مرايا النار 2001 وحضور متأخر جداً 2005 ورماد الاسئلة 2007، هذا يعني انه في مرحلة ممكن ان يقال عنها بالتجريب في مجال القصيدة، والخبرة اللغوية والرصيد الفلسفي الحياتي يزداد في هذه المرحلة في ابناء فضاءات النص الشعري ، وعليه تكون محاكاة النص نقدياً تختلف عن النصوص التي تكتب من شعراء في مقتبل تجربتهم الشعرية ، يفتتح المجموعة بقصيدة ( عصا الخرنوب) عن ذاكرة الاطفال وهم يسرقون انفسهم من قاعات الدرس الى مقبرة الانكليز في البصرة ، اذ يشكل النص كذاكرة توثيقية اشبه بالسينمائية التي يحن الشاعر لها فيعمد لرسم فوتوغرافيات تتعالق فيها الذاكرة والامكنة ،

ويقول الشاعر

(مخيف هو ليل المقبرة

وفي الصف هم غائبون

بعصاه الغليظة

المعلم يتوعد

المراقب

بحروف كبيرة يكتب اسماء الغائبين

يبدا المعلم الدرس

تلاميذ المقبرة غائبون) استخدم هنا الشاعر اسلوب التقديم والتاخير بالمفردات الشعرية ، وفق بناء مشهدي سعى اليه الشاعر ومستخدما مفردة مفارقة ( تلاميذ المقبرة) اطلاق تسمية تلاميذ المقبرة على تلاميذ المدرسة الذين يهربون لمقبرة الانكليز من قاعات الدرس هي المفارقة التي اتمت بناء الاسلوب اللغوي السابق في هذا النص الشعري بالذات.وتكرر الامر بذات القصيدة في (تنهض المقبرة) (لوحة دم على قمصانهم)وفي نهاية القصيدة يفصح الشاعر عن المغايرة ما بين ( الماضي) /الجميل / بشقاوته والحاضر المليء بالشوك والفراغات.ويداخل الشاعر في قصيدة (لعبة الحلم )بين الاسلوب الشعري والبناء الشكلي المسرحي في موضوع توظيف الحوار، كما يفعل نفس الامر مع قصيدة(بوح في لجة الكلام)

(الزمن:خامل

المكان:مرتبك

الشخوص:كل شيء يتحرك قربي)

ولكن يتبع هذا بمقطع اخر:

(لم اقصد ان اتهجى بلغة المسرح حكاية مبتورة

لكن هكذا

شاءت الحروف ان تكون

ساحة بيضاء في زمن اسود) يلعب بناء النص الشعري في بعض قصائد المجموعة على الالوان بوصفها اشارات وتوصيفات لمفردات حياتية بلغة رمزية تدلل على تمعن مغاير عن استخدام اللون الجامد بصورته الاولى كبنية سطحية . وهو ديدن القصيدة الحديثة التي تصدر الالوان كدوال لمعانٍ مهمة في فضاءات النص الشعري المرسل ويكرر استخدام اللون في ديوانه مع قصيدة (وردة حمراء) وقصيدة(الجسر الاسود) وقصيدة(رسم بلون الزيت) التي يكون فيها البطل مسير لمسارات القصيدة ـ مع هذا فالسامر يظهر بهذه المجموعة كشاب حالم يرفل بالمفردات الشفافة باحثاً عن زرع طمأنينة للاماكن التي يحلم بها ،

(الشمس تحفظ خطواتنا

كم كانت رحيمة بنا حين نخطو

الصباحات الموشاة برفرفة اجنحة عصافير) كما ان الشاعر مغرم بمفردات الطبيعة ، وهو عاشقا لها من خلال توزع تلك المفردات على بناء وتاثيث قصائد المجموعة برمتها ، وهي تكاد لا تفارق نصوصه الشعرية بوصفه بصريا عاشقا للمكان ولمفردات الطبيعة في ذلك المكان الافتراضي والحقيقي.

(وانت تقحمين خارطة السعادة الموهومة

كانت حكاية قديمة بقدسية اوجاعانا

نتنفس رائحة الماء والشجر) وبنفس النص ( كهلال تدثر بغيمات حبلى بمطر لم يهطل) ويبدأ الامر كذلك بالقصيدة الاخرى ( ولا على المراة حرج) اذ يقول

(غرفة

تحدها الشمس ذات اليمين والقمر ذات الشمال

مراة تتوسطها على حائط املس

تفضح او تكتم خيباني لاننا عالق بها …تحدثني كل صباح)وفي هذه القصيدة بوح وكشف ذاتي ما بين الشاعر ونصه ، ما بين الانسان وذاته ، والتعلق بالطبيعة لم ياتي على مستوى المفردة الشعرية وحسب بل حتى في انتقاء العناوين كما في (قصب اجوف) وهذه العناوين لم تات جزافا بل تتبع مضامين النص الشعري الذي يمثل تجربة تتمازج بها ذات الشاعر وتعلقه بمفردات الطبيعة وبين تلك المضامين التي يعبر عنها شعرياً ، وفي نفس قصيدة قصب اجوف تاتي ثنائية التقابل ما بين اللون( الابيض) و ( الاسود) وها ما ذهبنا اليه من توظيف اللون ودلالته في النص الشعري السامري فهو يقول

(خذ ما تبقى من نسغ الحروف

وضع بياضاً

في خرائط عوزك) وبعد قليل جداً في ذات القصيدة

(في لجج النقاط السود

بمجاذيف باسلة

سادرك ليلك

على ايقاع مساء صاخب) هذه التقابلية عن طريق دلالة اللون ، وتوزيعها على ثنائية الخير والشر هي مفاهيم اضحى للقصيدة الحديثة حصة منها ولكن لا توظف على بنى مفرداتية سطحية وانما عن طريق مرمزات يكون اللون احدها كما في قصائد حبيب السامر.وفي القصيدة التي عنون بها الشاعر ديوانه (اصابع المطر) تعالوا معاً نحصي مفردات السامر في النص.(السطر الثالث/مطر .السطر الرابع/ضوء.السطر السادس/زهرة.السطر السابع/للغيم.السطر الثامن/الزهر.السطر الثاني عشر/ريحا.الثالث عشر/الشجر.الرابع عشر/البراري.الثامن عشر/المطر.الحادي والعشرين/الليلة.الخامس والعشرين/بالحجر.الثالث والثلاثين / بثمار.الثالث والاربعين /ابخرة.) على ماذا يؤثث السامر نصه ، تلك المفردات اعلاه ستفصح عن ذلك بالتاكيد.ان المطر في هذه القصيدة وفي اغلب القصائد مهيمنة وبطل رئيس في النصوص الشعرية ، وتتغاير دلالته من نص لاخر ولكنه يبقى يمثل النقاء والحنين للماضي النقي بكافة تفصيلاته.ويتناص الشاعر مع سورة يوسف في القران الكريم  (والقميص ذاته

قد من ارق

والنساء اللاتي قطعن مشاعرهن وجدا

يحلمن بجسر الرصافة)هذا ما جاء في نص (قول في المسرة)ولكنه هنا يوظف التناص دلالياً مع سياق نصه الشعري فيغاير من المفردات وفق بناء جديد للتناصات.ولا يمكن ادخال ما هو سردي في بناء نصوص السامر كما في نص( بائعة القيمر)

(انه من سلالة الريف ورائحة المعدان

احدهم قال وعدل من جلسته هامساً:

يفتح الريق ..المارة يتناوبون الصباح طازج في الصحون) كما ان الشاعر يشعر بالنوستالجيا الى اماكن البصرة ( التنومة – الحكيمية – مقبرة الانكليز) كما في قصيدته (ليل التنومة) وذكره لامكنة البصرة في طيات نصوصه الشعرية ، ان السامر يقدم المجموعة الشعرية منصهرة مع تجاربه الشخصية خالقاً لنفسه رؤية خاصة عن المحيط/العالم متخذاً لنفسه موقفاً منفذ عن طريق المفردة الشعرية وهو ما يمكن ملاحظته عند قراءتنا لنصوص المجموعة الشعرية ( اصابع المطر).

مشاركة