قاهر المانش.. وداعاً – عمار طاهر
وصل علاء الدين النواب خط النهاية، رغم بعد المسافة، وطول الطريق، ليرحل عن دنيانا الى عالم اخر، مملوء بالرحمة، ومفعم بالمغفرة، بعد أن عاش حياة حافلة، زينها بالأدب الجم، والأخلاق الرفيعة، وزهد قل نظيره، فالنواب كان يؤمن أن العمر لا يقاس بعدد الأيام، بل بما يقدمه المرء من اعمال، كانت جديرة باحترام الناس.
والنواب في الحقيقة لا ينتمي الى عصرنا الحالي، فهو رياضي قل نظيره، حفر اسمه في ذاكرة السباحة عندما قهر بحر المانش، الواقع بين بريطانيا وفرنسا، بزمن يزيد قليلا عن خمس عشرة ساعة متواصلة عام 1957 كأول واخر عراقي يقدم على خوض هذه المغامرة المستحيلة في سباق المسافات الطويلة، مثلما أحرز لقب العالم (كابري – نابولي) عام 1957 ، وانهي بطولة (صيدا – بيروت 60كم) في العام نفسه سابحا 23ساعة و24 دقيقة مستمرة.
كرمه الملك فيصل الثاني بساعة يد، ومبلغ كبير من المال في حسابات ذلك الزمن، بعد عبوره بحر المانش، فاستلم الهدية، وتبرع بالنقود الى اتحاد السباحة، ليكون انموذجا وقدوة يحتذى به في رياضة الهواة، عرض عليه غير مرة أن يتولى رئاسة اتحاده فأبى إلا ان يبقى عضوا خدمة للعبة التي تفانى فيها على مدى محطاته المضيئة، شعاره رحمه الله أن العناوين لا تشرّف الرجال، بل الرجال هم الذين يشرّفون المناصب.
النواب كان رياضيا مثقفا، حصل على شهادة الحقوق، وتدرج في المراكز القضائية حتى وصل الى عضو في محكمة التمييز، جمع العلم والمعرفة بالانتصارات الرياضية، فكان متألقا على الصعيدين، فهو من الرياضيين القلائل في بلاد الرافدين ممن حققوا إنجازا عاليا في مجال السباحة والوظيفة، وبأعلى المراتب.
ولأن الامس حلم لا يعود، نكاد نعتقد أحيانا بان الرياضة العراقية مصابة بالزهايمر، وكأننا شعب بلا ذاكرة، فلا توجد صلة بين هؤلاء الماكثون في ثنايا التاريخ، وبين أولئك الطارئون ممن ابتلى بهم الواقع، فسادهم.. جهلهم.. تخلفهم، يشعرنا بالاشمئزاز، حفنة من اللصوص وشذاذ الافاق حولوا الرياضة الى فرجة في ساحات القضاء، فنمت طبقة من المحامين متخصصة في تصفية حساباتهم.
رحل النواب وستبقى ذكراه خالدة، فسيرته الوضاءة سيدونها التاريخ بأحرف من نور، تاركا ارثا كبيرا، وانجازات عظيمة، المطلوب توثيقها بإصدار من الاكاديمية الأولمبية يقص حكايته، أو إطلاق اسمه على بطولة او شارع او مسبح، تبقيه على قيد الوجدان والضمير، فمن يمضي من هؤلاء العمالقة لا يمكن تعويضه، في ظل قيادات حالية الرهان عليها اشبه بلعبة اليانصيب.