قانون التقاعد الجديد خلط السم بالعسل
لم تدم فرحة العراقيين بصدور قانون التقاعد الموحد الجديد بعد الاطلاع على مواده التي بينت ان القانون مليء بالثغرات والالغام حيث أخفق المشرعون مرة أخرى في تحقيق العدالة المرجوة من قانون حيوي لحياة أكثر من ثلاثة ملايين عراقي وأثبت السياسيون أن حرصهم على مصالحهم يأتي قبل كل إعتبار آخر.
والمفرح في القانون تضمنه مواد ايجابية كثيرة أنصفت الكثير من شرائح المجتمع كرفع الحد الأدنى للراتب التقاعدي وشمول الكثير ممن يستحقون نيل الحقوق التقاعدية بعد سنوات من العمل المضني في خدمة الوطن كما سمح القانون لمجلس الوزراء بزيادة الرواتب التقاعدية تماشيا مع نسبة التضخم إلا أن المحزن هو عدم مراعاة العدالة في منح هذه الحقوق لشرائح عديدة أخرى لا تقل إستحقاقا عن المشمولين بالقانون الجديد كالجنود المكلفين الذين قضوا أكثر من عشر سنوات في الخدمة أثناء الحرب العراقية الايرانية بكل مآسيها وأسرى الحرب العراقيين الذين قضى بعضهم عشرات السنين في السجون الايرانية وتحملوا أقسى الظروف والضغوط والمعتقلين الأبرياء الذين قضوا سنين طوال في سجون الاحتلال أو السجون الحكومية بتهم كيدية ملفقة ثم جرى اطلاق سراحهم لعدم ثبوت أدلة إدانة ضدهم إن هؤلاء كلهم يستحقون أن يجازيهم المجتمع والدولة عما كابدوه من معاناة من أجل خدمة الوطن .
والمؤسف أيضا أن المشرعين أظهروا في هذا القانون القدرة على التحايل على قرارات المحكمة الاتحادية التي ألغت قرار شمول النواب وكبار مسؤولي الدولة بالحقوق التقاعدية لقصر مدة خدمتهم وذلك استجابة لرأي المراجع الدينية الكبار واحتراما لارادة الشعب الذي خرج في تظاهرات حاشدة في جميع المحافظات رفضا لذلك القرار . ولا أدري كيف نتوقع من الشعب ونحن على أبواب الانتخابات النيابية أن يحترم المشرعين الذين يتحايلون على العدالة ليس لتحقيق مصلحة الشعب بل لنيل مصالحهم الذاتية فحسب . والمصيبة لم تنه الى هذا الحد بل أن هذا القانون منح النواب وكبار المسؤولين والسجناء السياسيين لوحدهم حقوقا لا يتمتع بها المتقاعدون من موظفي الدولة الآخرين ممن قضوا عشرات السنين في خدمة فعلية (المادة 37) حيث يتم في هذا القانون احتساب رواتبهم التقاعدية مع المخصصات ليصل الراتب التقاعدي الى مستوى مقارب لما يتقاضوه وهم في الخدمة بينما يحجب القانون المخصصات عن باقي موظفي الدولة . وحتى بالنسبة للخدمة الجهادية فإن الجهة التي تحدد سنوات الخدمة هي الحزب أو المنظمة التي ينتمون اليها والتي ستكون بالتأكيد كريمة مع أعضائها في تحديد سنوات الخدمة . كما أن هناك غموضا وعدم وضوح في قضية صلاحية كبار مسؤولي الدولة في منح رواتب لبعض العناوين (مادة 39) .
ولم يراع القانون المستوى الدراسي للمتقاعدين عندما اعتمد سنوات الخدمة في تحديد الراتب وأهمل التحصيل الدراسي حيث ساوى بين حملة الشهادات المختلفة (بكلوريوس ماجستير ودكتوراه) وبين الأميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون وهي سابقة أعتقد أنها غير موجودة في أي قانون تقاعد لا في العراق ولا في خارجه .
وخلاصة الأمر أن هذا القانون هو نموذج صارخ جديد لهدر المال العام كما أن فرحة المتقاعدين بهذا القانون غير مكتملة بل ان هناك خشية كبيرة من دعوات لنقض هذا القانون نظرا لاحتوائه على العديد من الثغرات والمآخذ مما قد يتسبب في مزيد من التأخير في نيل المتقاعدين لحقوقهم التي طال إنتظارها بسبب صراع السياسيين ومصالح الكبار .
مصطفى العبيدي – بغداد