غوته ونابليون ـ عوّاد ناصر

غوته ونابليون ـ عوّاد ناصر
الجيوش الفرنسية تحتل العالم، دولة دولة، ولم تكن فايمار الألمانية إلا دويلة سهلة المضغ، ومن خاصرتها الأضعف دخلت القوات الفرنسية، وكان هناك يوهان فولفغانغ فون غوته، امبراطور ألمانيا في الشعر والدبلوماسية، يدير شؤون الثقافة والمسرح والندوات الفكرية في مدينة يينا، لكن هذا الأمبراطور الألماني لم يكن يتوقع أن يفر الهرتسوغ حاكم المدينة إلى جهة مجهولة ليتولى غوته شؤونها بمواجهة الاحتلال الفرنسي، وإن كان ذلك من خلال موقعه كقامة أدبية وفنية شهيرة، ولكن بلا صلاحيات عسكرية أو سياسية.
يبدو أن الواقع أكبر، وأقسى، من مخيلة الشاعر فتلكم مدافع وبنادق وسيوف الفرنسيين، تلوح عبر سور القصر، قصر غوته نفسه، يراها ماثلة، منذرة، وما عليه إلا أن يفكر بسرعة لمواجهة ما لا قبل لخياله الخصب أن يتوقعه نابليون عند سياج البيت
الشعراء منذورون إلى لحظة الدراما دائماً.
أما أن يفر، مثل صاحبه، الهرتسوغ، حاكم المدينة أو ينخرط مع من اختار المقاومة، أو يجنح للسلم والتراضي.
لم يفر غوته مثل صاحبه، الحاكم العسكري، والمقاومة شأن الموظفين والفلاحين والرعاع، على وفق فلسفة غوته، فلا يبقى، إذن، غير الجنوح للسلم والتراضي والتعاون مع المحتل الفرنسي، وهذا ما كان من موقف امبراطور الأدب الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته، وهو يفتح الباب، بنفسه، لكبار الجنرالات الفرنسيين الذين جعلوا من قصره قاعدة عسكرية، برضاه التام وهو في أتم الصحة العقلية والأخلاقية والأدبية.
كانت الحرائق تلتهم المباني العامة وجرائم النهب والسلب تلتهم المدينة، بل أن الفوضى والخراب يقتربان من بيت الشاعر نفسه مع ما يضم من كنوز ومخطوطات ومقتنيات شخصية، فما كان منه إلا أن يرفع شعار التفاهم مع المحتل والخنوع له من أجل الحفاظ على الثروة الثقافية والفنية للمملكة، وهذا يعني، ضمناً، الحفاظ على قصره وما فيه من ثروة وذكريات وأثاث وكتب ومخطوطات.
يقول المؤلف استطاع غوته أن يجمع قدراً كبيراً من معلوماته وانطباعاته في تلك الأثناء لأنه كان يجلس على طاولة واحدة مع قائد أركان الجيش البروسي أما بعد المعركة فقد صار قصره مأوى لخمسة مارشالات من أكثر مارشالات الجيش الفرنسي شهرة.. فمن هي الشخصية الأخرى، باستثناء الدبلوماسيين، التي تقارن بغوته؟ .
لم يكن الدمار والفوضى والحرب الأهلية في فايمار وحدها، فثمة خطط حربية تقترح على بونابرت التقدم نحو برلين نفسها.
يقترح كريستوف مارتن فيلاند، أحد أبرز الوجوه الفكرية الألمانية، في تلك الفترة، أن يصار إلى البحث عن دكتاتور من طراز خاص وسلطة قوية لإعادة الأمور إلى نصابها، ليس في فايمار وحدها إنما في باريس أيضاً التي خلفها بونابرت خلفه وهي تلعق جراحها المفتوحة، وإذ لا يمكن العودة إلى أي من اللويسيين الستة عشر، ولا إلى آل بوربون الفاسدين، فلا بدّ من مخلّص بمواصفات استثنائية
يتوجب على المخلّص أن يكون لطيف المعشر وذا روح عالية جداً وذا موهبة كبيرة في الحرب أو في السلم، وأن يكون نشيطاً بلا كلل أو ملل وذا ذكاء متوقد وشخصية صلبة ووو .. ثم ينهي فيلاند حديثه تحت عنوان إذن، هو بونابرت .
أما وقد نُفي نابليون، وزالت موجبات الخنوع بزوال قدراته ونياشينه وسطوته وأنيابه ومخالبه، ولم يعد ثمة من منفعة يرجوها شاعره المعجب به، رجع غوته عن غيّه، ومثل مثقف مزدوج الموقف كتب يقول عندما يفكر الإنسان بالمصير الذي انتهى إليه هذا الرجل الذي داس على حياة ملايين البشر وسعادتهم بقدميه فإن القدر الذي لقيه يبدو رحيماً تماماً .
غوستاف سايبت ــ غوته ونابليون، ترجمة خليل الشيخ مشروع كلمة .
AZP09

مشاركة