غزة والاعتداءات

غزة والاعتداءات
عبد الله محمد القاق
يرى دبلوماسيون عرب واجانب ان اتفاق وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحركة حماس الذي ابرم مساء الابعاء الماضي بانه اعتراف دولي قوي بحركة المقاومة الاسلامية حماس خاصة بعد استهداف الفلسطينيين العمق الاسرائيلي في تل ابيب باطلاق صواريخ بعيدة المدى اصابت المنازل والحقت دمارا كبيرا في العديد من المدن الاسرائيلية واصابت العديد من الاسرائيليين بين قتيل وجريح.
لقد جاءت الاتفاقية التي اسهمت في وقف النار بين الجانبين بعد تدخل مصر القوي والعديد من الدول ومنها الولايات المتحدة الامريكية لتخفيف الضغط على اسرائيل من جانب حماس في قصفها المتواصل بصواريخ حديثة اذهلت الجانب السرائيلي للمرة الاولى خاصة وانه تم قصفه بصواريخ غراد متطورة وغيرها من صنع محلي وايراني ايضا توالت ردود فعل دولية واسعة مرحبة بالاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والذي تم برعاية مصرية، وسط آمال بعودة الاستقرار ومطالبات باحترام التهدئة. وسادت التهدئة في قطاع غزة بعد ثمانية ايام متواصلة من العدوان الاسرائيلي الذي ادى الى استشهاد نحو 170 فلسطينيا واصابة 1222 بينهم 431 طفلا و207 نساء و88 مسنا.
ومن بين الشهداء 42 طفلا و11 امرأة و18 مسنا. وقتل خلال العدوان في هجمات المقاومة 6 اسرائيليين وجرح نحو 30.
من جانبه، قال رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية في كلمة متلفزة إن انتصار قطاع غزة على الاحتلال حقيقة راسخة منحها الربيع العربي، وأشاد بإنجازات المقاومة الفلسطينية في وجه العدوان الإسرائيلي الذي تواصل طيلة ثمانية أيام، مؤكدا أن المنطقة تغيرت وأمريكا بدأت تسمع لغة جديدة وأن فكرة الاجتياح الاسرائيلي لغزة انتهت.من جهته، قال وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك انه من المستحيل زعزعة سلطة حماس دون احتلال قطاع غزة بالكامل.الى ذلك، قال وزير الدولة لشؤون الإعلام وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة الاردنية سميح المعايطة ان وقف العدوان الإسرائيلي على غزة وحقن دماء الشعب الفلسطيني كان الهدف الذي سعينا إليه جميعا.
لقد شهدت لغة حركة فتح تجاه حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة تغييرا واضحا من خلال اتصال الرئيس الفلسطيني محمود عباس القائد العام للحركة باسماعيل هنية رئيس الوزراء المقال في غزة وتهنئته بالسلامة عقب انتهاء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، وذلك في الوقت الذي لم يسمع اي تصريح يشكك في صواريخ المقاومة التي كانت توصف من قبل بالعبثية وعديمة الفائدة.
وشدد عباس خلال اتصالات هاتفية اجراها مع عدد من قادة حماس والجهاد الاسلامي في غزة على الوحدة الفلسطينية وضرورة تحقيقها وانهاء الانقسام، ومهنئا المقاومة بصمودها في وجه العدوان الاسرائيلي الذي استمر 8 أيام مخلفا العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى.
وفي اطار تغير لغة فتح تجاه حماس رحب زكريا الأغا عضو اللجنة المركزية لحركة فتح باتفاق وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وقال هذه الحرب الدموية غير المتكافئة التي استخدمت فيها إسرائيل أحدث الأسلحة عالمياً تمكنت فيها الفصائل الفلسطينية المقاومة من ردع العدوان وضرب العمق الإسرائيلي ووصول ضرباتها إلى القدس وتل أبيب وبئر السبع والمجدل وهو الأول في تاريخ الصراع العربي ــ الإسرائيلي، والصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني والذي يعد بحد ذاته انتصاراً كبيراً لشعبنا الفلسطيني دفع بالاحتلال الإسرائيلي إلى طلب التهدئة ووقف إطلاق النار وشكل في الوقت ذاته رادعاً لأية حماقات إسرائيلية مستقبلية ضد الشعب الفلسطيني.
والواضح أن هذا الانتصار عزز العمل الوحدوي لدى الفصائل الفلسطينية في الميدان واعتبر مدخلاً نحو إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، وسيسهم في التسريع في تحقيق المصالحة لإعادة الوحدة واللحمة لشطري الوطن وإعادة ترتيب الأوراق بما يصب في حماية المشروع الوطني الفلسطيني والتصدي لغطرسة الاحتلال وعدوانه خاصة في ضوء تصاعد عمليات الاستيطان والتهويد في الضفة الغربية والقدس وخوض المعركة السياسية والدبلوماسية في الأمم المتحدة لقبول فلسطين دولة غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهذا النصر باتت الأولوية للمصالحة الفلسطينية، الام الذي يتوجب العمل على سرعة اجتماع اللجنة العليا لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي تشارك فيها حماس والجهاد الاسلامي لإنهاء حالة الانقسام وتحقيق المصالحة، تلك اللجنة التي شكلت بناء على اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة بين جميع الفصائل. وفي ذلك الاتجاه نظمت حركة فتح مسيرة جماهيرية حاشدة في شارع عمر المختار وسط مدينة غزة الخميس تدعو لتحقيق المصالحة وانهاء الانقسام.
وهذا الانتصار يتطلب من الجميع باستغلال الزخم الوحدوي بعد الانتصار الذي حققه الشعب الفلسطيني بالدفاع عن نفسه بالشروع لتحقيق مصالحة عاجلة تنهي كل ذيول الانقسام وتجعل الكل الفلسطيني موحدا خلف قضاياه المصيرية سواء في المحافل الدولية وما يتعلق باستحقاق العضوية في الامم المتحدة او في ادارة الشأن الداخلي بشراكة حقيقة تتجاوز اخطاء الماضي.
كما يتطلب من الفصائل الفلسطينية العمل على عدم تفويت فرصة الانتصار في غزة دون تحقيق مصالحة، لان المصالحة باتت امرا واقعا في الشارع الفلسطيني بعد ان هتف المواطنون لهذ الانتصار بأعلى صوتهم ومزجوها بعرقهم ودمهم في كل ربوع الوطن ولم يبق على المسؤولين إلا التحرر من ذيول الماضي وإبرام المصالحة التي يهتف لها الشارع.
والواقع ان انجاز التهدئة وإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار سيستكمل حالياً بنصر جديد من خلال تحقيق المصالحة والاجتماع في القاهرة لبحث كافة النقاط بما فيها التحرك السياسي إلى الأمم المتحدة.
هذا ويجمع المراقبون والمتابعون لثورة 25 يناير على أن النتيجة الرئيسية لغياب الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة بعد سقوطه في 11 فبراير 2011 تتمثل في استعادة مصر لمحورية وفعالية دورها القومي والإقليمي والذي شهد قدرا كبيرا من الانحسار على مدى العقدين الأخيرين من حكمه بالرغم من أنه سعى بعد وصوله الى الحكم عقب اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات الى ترميم الفجوات في العلاقات مع بعض العواصم العربية التي نتجت عن قرار مقاطعة القاهرة بعد توقيع سلفه اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل فى العام 1979.
وقد اتسمت العلاقات المصرية العربية خلال السنوات الثلاثين التي حكم فيها مبارك بالعديد من المنعطفات وأحيانا المنحنيات التي شكلت في مجملها ملامح خفوت في الصوت القومي لنظامه وابتعادا عن الدائرة العربية على النحو الذي كان سائدا في سنوات جمال عبد الناصر والتي كانت تشكل الدائرة الأولى للسياسة الخارجية لمصر ولعل الالتزام الشديد الذي أبداه مبارك بمحددات اتفاقية كامب ديفيد بعد رحيل السادات جعله يعطي الأولوية لما يترتب عن هذا الالتزام خصما من رصيد الارتباطات العربية وهو ما جعل السياسة الخارجية لمصر تبدو من الهشاشة بمكان وأقرب لحالة التبعية لكل من الولايات المتحدة واسرائيل.
وتجلى هذا الجانب في تعاطي نظام مبارك مع القضية الفلسطينية والذي بدأ اقرب الى دور الوسيط بين الفلسطينيين واسرائيل وأحيانا كانت القاهرة تمارس ضغوطا على الجانب الفلسطيني استجابة لمطالب اسرائيلية وأمريكية وبلغ الأمر ذروته بالموقف الشديد السلبية تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي بدا منحازا للمنظور الاسرائيلي فضلا عن القيام بخطوات واجراءات عملية تصب في خانة محاصرة سكان القطاع الى جانب الحصار الاسرائيلي وهو ما تنبهت اليه الحكومة المصرية عقب ثورة يناير، حيث تقرر فتح معبر رفح بشكل دائم وفق ضوابط محددة لا تضر بالأمن القومي لمصر.
وإذا كان نظام مبارك قد حاول أن يلعب دورا فعالا في صفقة الافراج عن الجندي الإسرائيلي شاليط ــ الذي كان أسيرا لدى حماس في غزة على مدى خمس سنوات إلا انه نتيجة ارتباطاته القوية مع اسرائيل لم ينجح في بلورة صفقة تحقق مصلحة الطرفين حماس واسرائيل ولكن بعد زواله بعدة أشهر نجحت مصر بواسطة نفس الجهة الممسكة بالملف الفلسطيني وهي جهاز المخابرات العامة في إنهاء الصفقة على نحو أرضى الطرفين وأشرفت القاهرة على تطبيق كل طرف لالتزاماته.
وبالتأكيد فانه لن يكون بمقدور مصر أن تعود الى قيادة محور اعتدال جديد قد تسعى أطرافه الى التشكل او ممارسة دور ما خاصة على صعيد الجنوح الى السلام مع اسرائيل وتغليب الحوار مع الغرب وذلك لا يعني أن النخبة الحاكمة الجديدة في مصر سواء المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية أو التيار الاسلامي السياسي بشقيه الاخوان المسلمين والجماعات السلفية بعد فوزهم بأغلبية مقاعد البرلمان المصري سوف تتبنى سياسات راديكالية فمن الواضح أن هناك التزاما بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي أبرمها النظام السابق وعلى رأسها اتفاقية كامب ديفيد وهو ما أكدته قيادات إخوانية وسلفية سواء عبر تصريحات إعلامية أو في لقاءات علنية مع مسؤولين غربيين وأمريكيين زاروا القاهرة خلال الأشهر القليلة الماضية.
حقا ان دور الرئيس المصري محمد مرسي في وقف العدوان الاسرائيلي كان واضحا عندما اتخذ قراره بسحب سفير بلاده من اسرلئيل احتجاجا على العدوان واعلانه بشكل قاطع ان مصر في عهد ثورة 25 يناير تختلف عن عهد حسني مبارك الذي كان يعطي اسرائيل الضوء الاخضر لمعاقبة حماس لمواقفها الرافضة للقبول بشروط الرئيس لفلسطيني الرامية للاعتراف باسرائيل والتنزل عن الاراضي العربية والمحتلة.
AZP07