قصة قصيرة
غريب الأطوار
وفجأة أصبحت شوارع مدينته تخلو من المارة تكاد تكون مهجورة ، ذابت حيويتها وضجيج ساكنيها ، وجهها شاحبا كان حينها يسير على رصيف الشارع العام المؤدي إلى مكان عمله إذ كان يعمل موظفا بسيطا في إحدى الدوائر الحكومية ذات الأجر المتوسط فراح من حين إلى آخر يطرق بقدمه حافة الرصيف لاحداث همس او ضجيج ، تعثرت خطواته ، كان متيقنا كل اليقين بأن شيئا ما يحدث في تلك المدينة دون علمه فلم يشهد منذ أعوام صمتها القاتل مثلما شهده اليوم . اختفاء واضحا جليا نصب عينيه ، احس بالرعب والغموض ، أين ذهبت جلبة عربات البائعين ووجوه العابرين في الطرقات وضجيج الباصات وأطفال ونساء حتى رجالها الطاعنون هولاء الذين يستيقظون باكرا للهرب ربما من شبح الموت كما كان يعتقد ، اختفوا ولم يرى أحدا منهم ،
يبدو بأنني داخل دوامة كابوس مزعج او في غيبوبة والا لم كل هذا يحدث معي دون تفسير او إعطاء مبرر لاختفائهم ؟!!
هل أصبحت شخصية منبوذة او مكروهة من الجميع حتى يختفي الكل من ناظري إم ماذا ؟!
لا أنكر بأنني شخصا كثير الانطواء على نفسه وبعيد كل البعد عن العلاقات الاجتماعية وحفلات عيد الميلاد والتعازي لكن والحقيقة تقال لست بمن يؤذي أحدا او يضمر الحقد لشخص ما فقد عشت حياتي هكذا ، علاقاتي مع الناس شبه محدودة وداخل إطار العمل فقط بحيث اتهمت من البعض بالغموض والغرابة،
ففي أحد الأيام عندما كان خارجا إلى العمل صباحا كعادته التقى مصادفة إحدى الجارات القى عليها التحية واسرع بالسير وكأنه يتهرب منها لترميه بكلماتها : غريب الأطوار.
تجاهل كلماتها بشيء من الحرج وأكمل طريقه مبتعدا ، تناسى الامر بعدها لكن تفاجأ بعدها بأيام بأن اسمه في المدينة صار غريب الأطوار ولا يعلم إلى الآن لماذا الصقوا هذا الاسم به.عائلته لم تكترث للامر بل أصبحوا مثل أبناء المدينة يهتفون أيضا غريب الأطوار ، المفرح في الأمر لم يعد يخجل من لقبه الجديد بل اعتاد عليه وتعايش معه وأصبح جزءا من هويته التي عرف بها ،
اسرع في سيره لتذكره الاجتماع الصباحي لمدير الشركة ، رفع راسه إلى السماء التي بدت بالوان قاتمة وغامضة وكأنه لم يكن صباحا في جو ربيعي جميل،
مد يده التي بدت بالارتجاف إلى جيبه وأخرج هاتفه المحمول ، سيتصل بزميله يخبره بوصوله قبل الاجتماع الذي من المفترض ان يعقد قبل سير العمل ، ينظر إلى ساعة المدينة الكبيرة المعلقة بشكل عشوائي على عمود كهربائي كبير ، تشير إلى الثامنة صباحا ، الهاتف خارج التغطية ، ذاب الوقت وتلاشى في مجاري المدينة ، توقفت الساعة عن النبض ، انعطف الى مظلة للوقوف منتظرا مجيء حافلة لتنقله إلى عمله ، أصوات انين وبكاء خافت يأتي من مكانا ما ، انفجرت أعصابه كانهيار كتل جبلية من قممها.
تحشرج صوته وشاخت قوته ، انحنى وتقوس ظهره ، أعاد محاولات الاتصال بزملائه مجددا ، ماتت الإجابات
لا شك ان أحد ما يقود لعبة سخيفة ضدي ؟، ردد بصمت ،
اعترته الدهشة ، اتسعت عيناه ، معطفه الجديد بدت تظهر عليه ثقوب وتشققات من كل الجوانب ، شعر بالصدمة ، خلع المعطف بفزع من على جسده ورماه على رصيف الشارع ، كأن يبعد عنه وباء ، جرى كمجنون في الطرقات ، متعثرا بدموعه التي هطلت على وجنتيه بحرارة ، صرخ بفزع وامتلئ جو المدينة المخيف بصوته ، تدحرجت المصابيح المعلقة على أعمدة الكهرباء وصارت شظايا متناثرة على الارض الباردة ، كل شيء بدأ ينهار سريعا ،
رسم إشارة الصليب بيدين ترتجف واغمض عينيه متمتما بصلوات، أضاع طريق العودة إلى بيته وتغيرت الأزقة والمنعـــــــطفات كأن خارطة الكون غيرت معالمها ، عاجزا ماذا يفعل ؟!
تقهقر حتى اصطدم بحافة السرير ، افاق على اصوات صراخ ، وامتلأ جوفه بالدخان فقد كان بيته يحترق …
سرور العلي -بغداد