غربة

غربة

إلى إبراهيم زيدان

ليث الصندوق

1 – صورة فوتوغرافية للحنين :

في عمانَ الفجرُ يُبلّلُ بالبسماتْ

وجوهَ الصبيةِ والفتيات

يقطرُ مثلَ الدمع الساخن فوق خدود الطرقاتْ

في عمانَ الأشهى في مائدة الأثمار

تعصرُ كفّ الليل بعيني ثمرَ الليل

فتملأ أعماقي بالقار

ألأفقُ جدارُ حديدٍ

ترتدّ عليه مثلَ الطلقات الطائشةِ النظراتْ

تأتي عبرَ المذياع مضرجةً بدماء الشوق الأخبار

ومع الصبح الباردِ

تأتي لتنقرَ نافذةَ القلب طيورُ الحسراتْ

أسّلقُ جِلدَ عِماراتِ الصحفِ الأملس بالأظفار

بحثاً عن نافذة

ألقي منها أشلاءَ الكلمات

الطرقاتُ صَوانٍ

وعواميدُ الضوءِ شُموع

والخطواتُ الحيرى

        تسّاقطُ كالثلج بصحن الظلمة، ثمّ تموع

أتعكّزً كالعُميان على جُدران الصمتِ الطينية

أغفو بجيوب سراويلي

فهي ملاذاتٌ آمنةٌ

للهاربِ من ذؤبان الغربةِ والجوع

2 – نساءُ إسماعيل الشيخلي :

تسّاقطُ في الساحة نجماتُ الظهر

                فيسحقُها بالأقدام السُوّاح

سُواحٌ بعيون تُبرقُ مثلَ رؤوس مَسامير

وبسحناتٍ بيضٍ

تذوي في البَرد بأبخرة الأفواهِ

           كما تذوي في نيران خطاياها الأرواح

سُوّاحٌ بثيابٍ لا تسترُ

بل حتى من دون ثياب

يعتصرون بكأس الدهشةِ فاكهةَ الإعجاب

وأنا أعصرُ صُبّارَة كابوسي في أكواب

تتهشّمُ ألواحُ الأحداق البلوريةُ تحت هراوات اللامعقول

الديناصوراتُ الإعلاميةُ تنفثُ في الأحداق دخانَ حرائِقِهِا

فيشيعُ على الألسُن قاموسُ الهذيان

( دباباتٌ تدخلُ عرضَ الأزياء ببدلة رقص

أشجارٌ يابسةٌ

تهربُ من دخان التبغ الخانق

                  عبرَ ثقوب مفاتيح الأبواب

الأنجُمَ تُسقِطُها طلقاتُ القناصة فوقَ السطحِ

فيُلملِمُها الأطفالُ مُضرّجةً بالأضواء  )

ألهثُ في مدن الكوكاكولا بحثاً عن رشفة ماء

… في الكاليري فنانٌ يسألني عن إسماعيل الشيخلي

فيُرطّبُ سَلْخَ حنيني طشيشُ الأنداء

اللوحةُ نافذةٌ في قبوٍ

تدخلهُ الشمسُ مُحمّلة بقناني الأصباغ

تتبعُها أمطارُ الضوء فتغسلُ غبرتَهُ

وتطهّرُهُ من أنفاس المسجونين

وأحلامَ العُميان

آهٍ إسماعيلُ،

خَرَقَتْ سورَ حَصَارين

لتوقِظَني صَرَخاتُ الألوان

ألنخلُ هناك إلى القريةِ يمشي على سوقٍ عرجاءْ

والنسوةُ غادَرنَ اللوحاتِ،

وترَكنَ فراغاتٍ فيها تشبهُ أفواهاً فاغرةً

تُقلق نومَ الرمَمِ بصرخاتٍ صمّاء

تَختزلُ الوحشةُ صرختَها بالصمتِ

وتضيءُ سراديبَ

 الأسئلةِ بصدري عينان

وحشٌ يا إسماعيلُ هي الغُربة

وحشٌ رافقني مُذ ساعةِ ميلادي

حتى ساعةَ نقّرَ طيرُ الموت على نافذتي في عمّان

وإلى الآنَ يُزاحِمُ جسمي داخلَ طيّاتِ القمصان

أتُرانا نجرأ أنْ نحبسَهُ في صندوق مخاوفِنا

ونلقي بالصندوقَ لمحرقة النسيانْ

أتُرانا نفتح أعينَنا ذاتَ نهار

فإذا نحن نيامٌ في أجداثِ أحبّتِنا ؟

أتُرانا سنعودُ شيوخاً

كي نُكمِلَ أحلامَ طفولتِنا المُبتورة ؟

أم ستظلّ الأجسادُ معلقةً بمسامير الجدران ؟

3 – نُزُلُ الغرباء :

مُشرَعةٌ أبوابُ  النُزل على أوطانٍ

                        تُحملُ في كيس، وحقائبَ

أوطانٍ أقتُلِعَتْ من سطح الأرض

لتُضَمّ إلى جغرافيا الحرمان

مَن يدخُلْ للنُزلِ

يُعلّقْ في الباب جثامينَ الذكرى

لتُلطّخَ بالأشواق الجُدرانْ

مزدحِماتٌ غُرفُ النُزل بأمتعة القَهر،

                          وحسْراتِ الغرباء

حسراتٍ تتكدّسُ كالأحجار على الأرضِ

أما أجسادُ الغرباءِ فتطّايرُ فوقَ سَحاب الدخان

في رُكن النُزل سِلالُ المطبخ ملآى

                  بقناني الدمع، وفاكهةِ الأرزاء

ومن الأرواح المحروقةِ

تصّاعدُ رائحةُ شِواء

للصمت عُواءٌ يخمُشُ في الروح

ويُدمي الأقدامَ

أنّى تمضِ

تتبعْكَ الأبنيةُ

الفولاذيةُ مثلَ قطيع ذئاب

ألغربةُ وحشٌ أعزلُ

يَحملُ في كيسٍ حُزمةَ أظفارٍ

                      معْ حفنةِ أنيابْ

أنزلُ عن صُلباني لأصعدَ أخرى

أصعَدُ صُلباناً توصِلُ للأخرى

وغدَتْ أضلاعي لمناشير

همومي أخشاب

4 – اللاعبُ بالنار :

أبداً ليس يكلّ الساحرُ

يقضمُ كِسَرَ زجاج،

أو أمواساً

يتبخترُ كالعُشّاق ع

لى ( كورنيش ) النار

ترَكَ الحربَ لمن أضرَمَها

طافَ يشيلُ على كتفيهِ جبالَ الأقدار

تستهويه الغربة والتيهُ

فبيوضُ الوَحشة تفقسُ عن حَيّاتٍ

                      تحتَ ضروس السُمّار

كم باردةٍ عَمّانُ بلا أهلٍ

الوديانُ سكاكينٌ

وحجارتُها جُثثٌ نخرتها الطعناتْ

وألنُصُبُ المحزونة

تتهشّمُ تحت فؤوس كآبتها في الساحات

في المقهى يصّاعدُ – كالصرخات –

                  بُخارُ الشاي الساخن من أفواهِ الكاساتْ

أضلاعي على قيثارة صدري أوتار

داعبها لحنٌ بصريّ

حملته من الشرق رياحُ التَذكار

… في الكازينو أغنية من أبعدِ لغةٍ في الدنيا

تنقرُ كالعصفور على بوابة ذاكرتي

وتُعَيّرُني : أنّ صخورَ عِنادي رَضَختْ للتيار

5 – رقصة الموت :

أوطانٌ كالشلالاتِ وَلودٌ

زُفّتْ للقَدَر العنّينْ

آلهةٌ بثياب العَسكَر

تُخفي في البيريّات قرونَ شياطين

أسألُ في عمّانَ صديقي :

مَن أغرانا فقبلنا أنْ نُسلَخَ

ثُمّ تُعلّقَ جلدتُنا خافقةً بسواري الراياتْ ؟

مَن ألقانا في أحضان

 المُدُن المنكوبةِ بالحُسنِ ؟

ألأحداقُ النُجلُ تفحّ

كأشداق ( تنانين )

مَن أغرانا أن نقفزَ للجَنّة

مِن أعلى ناطحةِ سَحابٍ دونَ مِظلات ؟

لم يَكُ هذا قَدَرَاً

لكنّا لم نُحسِنْ تأويلَ الآياتْ

نُمنا،

وتركنا تحتَ وسائِدنا

تَسمُنُ ديدانُ الشُبُهاتْ

الطرقاتُ نُهورٌ من غِسلين

نرقصُ من حُرقتِنا فيها

مثلَ السَمكِ المقتولِ

بضربات السِكّين

مشاركة