قرون وقرون من التخيل السردي عيون إنانا وقدسية أوروك سمير الخليل وأنا أطالع عينيها تلمست في كل واحدة من هاتين العينين ضوء سرمدياً وألقاً ورؤى تختلف الواحدة عن الأخرى فكانت عين تمطر لؤلؤاً وتنطق شعراً، والعين الأخرى تحمل في طياتها عبر قرون وقرون من المتخيل السردي، بذلك تكون لكل عين خاصية تتمتع بها وما يهمنا هي العين الشاعرة من دون سواها. مدونة (عيون إنانا) منذ العنوان تعلن أنها لون نسائي يراد بهِ رد فعل على لون ذكوري سائد كان له سطوته على مرّ العصور إذن نحن بهذا امام ثنائية (الذات – الآخر) (الأنوثة – الذكورة) (المرأة – الرجل) والمدونة مجموعة شعرية مشتركة لعدد من الشواعر العراقيات. والمرأة ذات شاعرة تحاول أن تجد لها خصوصيتها أمام الآخر و”بمجيء النظرية التفكيكية في الأدب لجاك دريدا عام 1966 ليقدم الحجة القوية لأقطاب النقد النسوي – النقد التفكيكي شكك بمبدأ الإرث النظري للنقد الأدبي”( ). حاولت المرأة العراقية الشاعرة عن طريق اللغة الشعرية وطاقاتها تكسير البنى التقليدية والخروج عن المألوف بشتى أنواعه سواء أكان عن طريق الجانب المعرفي أم الجانب الاجتماعي عن الذي حاول قمع المرأة وتهميشها فتكون مصرّحة بالكلمة مرة وبالإشارة أخرى، تعتمد التلميح الشعري والإيماءة الأنثوية التي تشع من عينيها فتكون إشارتها أبلغ من الكلمات. سأحاول في هذه المقالة من خلال استنطاق النصوص الشعرية تلمس التنوع الإبداعي والشاعرية والأشعة الصادرة من العيون الشاعرة وتعاطيها للآخر تنوعاً وتعاملاً متبايناً يمر بثلاث مراحل لكل مرحلة أدواتها ومستلزماتها. المرحلة الأولى: تنظر فيها المرأة إلى الرجل تلك النظرة النمطية التقليدية انطلاقاً من نظرة (بايولوجيه) ذكورية يكون فيها الرجل رمز للفحولة وقادر على التخصيب والمتمم لها، فهي بدونه كيان غير كامل. ونحن هنا لا نريد أن نصادر للمرأة حقاً لها في الإبداع والحب. فتنطق (آمال إبراهيم) في قصيدتها السماء القريبة جداً. مصرحة بذلك فتقول: أنتَ … لحظة مرور أصابعك بخريفي فأورق ( ) ومن خلال الألفاظ وتكاتفها مع بعضها تغيث الدكتورة سهام جبار بكرمها عاشقين فتقول: تعشق قمراً تلك السحابة تمطر عاشقين في كل نافذة ( ) وتحاول الدكتورة (ناهضة ستار) من خلال الصور المليئة بالقلق والاضطراب متخذة من صوته ضوء فيه طريق للهداية وهي في عجالة في الإنصهار في ذلك الضوء خوفاً من ظلامٌ قادم. تقول: كلامك الضوءُ … يهديني فأعتنق .. هلا أقمت صلاتي .. والمدى قلقُ إني على قلق .. يفضي إلى قلقِ ( ) وحاجة الذات للآخر حاجة ملحة وضرورية فبه تبني أوطانها المقفهرة الجدباء وتضع دستورها إلى أن تقول: احتاجك الآن أوطاناً مسالمة دستورها الحب: الحب والإنسان والألق أحتاج خارطةً .. نبضي يصممها أوطانها الماء يمشي خلفها الورق إلى أن تختم نصها محاولة منها لأفشاء سر الاكتمال عن طريق الآخر وهذا لا يكون لامعاً، فتقول: عشقي … محارة طيب أغلقت فمها كأنها الشمس تهدي وهي تحترقُ عشقي … بلا جسد دوما سيكتبني أن شفَّهُ الوجدُ… من طيني سينخلقُ … ( ) وتختم لنا (آمال إبراهيم) ما حبونا إليه من حاجة الذات إلى الآخر وتكمم الأفواه التي تقول بخلاف ذلك فتقول: فقد اقترب قدومه يلوح بالمر الجديد اختبأت خلف جفني خلف وجهي في قميصي أجمع له ابتساماتي ( ) المرحلة الثانية: في هذه المرحلة تنظر الذات الشاعرة إلى الآخر نظرة مساواة أو موازاة أو علاقة مجاورة من خلال كتابتها الشعرية، محاولة منها أن تلغي ” الفروق بين الذكر والأنثى فيما يسمى (الجنوسية) ويعنون بها الهوية الثقافية أو الاجتماعية للشخص بصرف النظر عن كونه ذكراً أو أنثى”( ). وإذا كانت هناك سطوة ذكورية على المشهد الشعري حتى ذهب الآخر بغروره أن لا يكتب عن نفسه بل أعطى هذه الصفة أي صفة الكتابة للأحاسيس أن تكتب عنهُ. مثل ما قال أحمد مطر في قصيدة له (دمعة على جثمان الحرية) أنا لا أكتب الأشعار فالأشعار تكتبني ( ) مما حدا بالنسوية أن تسترد حقاً لها وهي الكتابة عن نفسها بعد أن كان الذكر هو الذي يكتب الأنثى فهذه فليحة حسن في قصيدة لها عنوانها (تساؤل) ترد على الرجل بصيغ استفهام تكرارية فتقول: ولماذا لا أكتب عني ؟ وأنا منذ وجودي محبوس في قمقم رأسي افكر أن أصلح هذي الهوة بين الوجه وبين الناس إلى أن تقول: ولماذا لا أكتبُ عني ؟ وأنا إذ يرسلني بريد الشوق نحو دروبك مغمغمة الروح ترجعني نقاط التفتيش إلاّ من همي وإذاً هل يوجد من يسأل لماذا لا أكتب عني؟ ( ) هنا نجد (فليحة حسن) وهي تكتب عن نفسها تحمل في طياتها حزناً كبيراً ونظرةً سوداوية تشوب ألفاظها استطاعت أن تعبر عن لوعتها وفجيعتها بالاستلاب من خلال هذا التكرار الحزين. المرحلة الثالثة: في هذه المرحلة تحاول الذات الأنثوية أن تنظر إلى الآخر الذكوري نظرة ناقمة تحط من قدرهِ فتراه هو السبب في تعاستها وتخلفها وجمودها وضياعها بسبب (تابواته) الخاطئة الرعناء التي ألقت بظلالها عليها فحولتها إلى ذات مكلومة حزينة مفجوعة فهذه (آمنة محمود) تحاول أن تضع صورة حقيقية عن الوضع السياسي المأساوي بسبب سياسة الأحزاب الفاشلة تقول: ابنة الشارع أنا … وإلى انحناء ترتفع باستفهام قامتي عمري سبع برعمات يابسات سبع انفجارات أكلن السبعة التي كانت كل عائلتي ( ) نجد هنا (آمنة) المبدعة وهي تعي المرحلة محاولة منها أن تخرج من ذاتها والأنا والولوج إلى المجتمع ونقد السياسة التي تمر بها البلاد والوصول لتلك الحالة. وتحاول (سمرقند الجابري) أن تحول في قصيدة لها بعنوان (شهادة) غرضاً تقليدياً رثائياً بكائياً إلى صورة رائعة تحمل في طياتها رموزاً كثيرة عارفة بما يحصل في ثنايا السلطة التي تنهش كل شيء من خلال رجالاتها حتى بقايا طعام الأيتام فتقول: ينهشك الموت … ليرسم رحيلك زرقة يومي جيل معتم وانصاف كلاب تسرق فطوري لأنهي العام بربع رغيف ليس مخيفاً ذلك الليل عليهم ! ( ) وتأتي (غرام الربيعي) لتختم هذه المرحلة في نص رائع ومترجم لما تفعله الذكورة الاجتماعية من ألم وحزن وشكوى في النسوية، فتقول: صوب قلبي بلون القلق سرت أحزم ذاكرتي لأحرق ما تبقى من ضجري وألمّ حنة الرماد اذرها في الهواء مثل الهنود سخرية من تمجيد بقاياك في ذاكرة ( ) شكل توضيحي عن علاقة الذات بالآخر من خلال أ و ب أ – يمثل الذكورة ب – يمثل الأنوثة 1- نقطة الالتقاء وحاجة كل واحد للآخر . 2- نقطة المساواة بعضهما ببعض . 3- نقطة النظرة الأنوثية الروكالية إلى الرجل وشكل هبوطه إلى الأسفل