عين الزمان
قيم الصحافة
من المعيب جداً أن تتحول الصحافة الى أداة للضغط غير المشروع ومطية يركبها بعض السياسيين الوصوليين الذين يريدون النيل من منافسيهم مهما كلف الامر.. وذلك بالعمل وفق المبدأ السيئ ” الغاية تبرر الوسيلة ” ومتى اثقلت العملية السياسية بمثل هذا الذي يحصل الآن، فأن استئصاله واجب بل هو هدف أهم من استئصال المسؤول.
ان للمسؤول كمواطن عراقي اعتباره الشخصي والوظيفي.. واذا كان هذا المسؤول سيادياً بدرجة وزير، أو نائباً في البرلمان، أو رئيس جمهورية، أورئيس وزراء، أو رئيس مجلس نواب.. فان الموضوع تصبح له ابعاد اخرى.. وهو شئنا أم أبينا انما أتى الى هذا المنصب بعد حصوله على أصوات مباشرة من الجمهور أثناء الانتخابات العامة.. أو أن كتلة منحته الاصوات الكافية ليتبوأ منصبه في احدى السلطات التشريعية والتنفيذية.. ومثل هؤلاء يصبحون رموزاً وطنية ويخضعون لأنظمة البروتكول وضوابط الحفاظ على هيبة ومكانة بلادهم.
فمن الطبيعي أن يوجه النقد الى المسؤول مهما كانت مكانته اذا ما ثبت تقصيره في الرؤيا والاداء والتنفيذ.. أو الامانة والنزاهة والحرص على المسؤولية التي حمّلها الشعب اياها. وهذا السياق جارٍ في الانظمة الديمقراطية، الا أن ذلك لايقع عندما يكون النقد جارحاً.. وعندما يتجه النقد الى شخص المسؤول وليس الى ادائه.. وعندما يدخل في أطار التسقيط والنيل من الآخر من أجل ابعاده عن منصبه.. عند ذلك تكون الأغراض سياسية بحتة، بل أنها تجانب الخلق القويم، وتدخل في اطار الغيبة والنميمة والقذف والتشهير، وهي أفعال بذيئة على الصحفي الابتعاد عنها.. اضافة الى انها ممارسات يحاسب عليها القانون.
ليست هذه دروس في التملق للسياسيين والمسؤولين بل هي اشارات عامة تصلح في أيّ زمان ومكان. كما انها ليست محاضرات من كتاب وعاظ السلاطين.. ولكن لابد للحكمة أن تسود.. ولابد أن يحترم الراعي كما تحترم الرعية.. ولابد للمثقفين أن يضعوا نصب اعينهم المكانة الاعتيادية لأي ّ مسؤول في الدولة العراقية، لا أن يمتهن هذه المكانة أثناء توجيه النقد في بيئة الانظمة الديمقراطية.. أما تلك الممارسات الغير مرضية.. والتصرفات التي يقدم عليها بعض الاشخاص.. أو ما يكتب في الصحف.. أو ينشر عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة فانها تعد خروقات خلقية يترفع الفن والصحافة عنها.. ولا بد من الوقوف ضدها اجتماعياً وليس من قبل أجهزة الدولة.. لأن الاجراءات عند ذلك ستكون قمعية وتدخل في اطار الحد من الحريات. ان اهم المميزات التي تتطلع اليها الشعوب والدول التي تسعى الى الرقي تتمثل في
وضع ضوابط وقوانين في حق ممارسة النقد، تتضمن الحفاظ على الكينونة و الذاتية للشخص المكلف بالمسؤولية بصفته جزءاً من الادارة العامة للدولة.. حتى لاتظهر صورة الدولة أمام الاخرين مشوشة ومرتبكة.. وغير محددة المعالم.
ان الخطابات النقدية الصحفية التي تنشرها بعض الصحف المحلية، أو الوسائل الاعلامية الموجهة، تخرج في أحيان كثيرة عن المألوف واللياقة المطلوبة في صحافة مهنية ترعى حقوق المواطنين جميعاً.. حاكماً ومحكوماً. وبعض الخطابات تنحدر باصحابها والصحف التي تنشرها الى أسفل سافلين، كونها شتائم وردود فعل عنيفة لا مبرر لها، ومستفزة للمشاعر و تؤشر عدم قدرة كاتبها أو محررها على حضور الحيادية والموضوعية عند الكتابة ووضع الصياغات وأختيار المفردات، ومثل هذه الكتابات لاتخرج عن كونها مهاترات خارج حيز الفنون الصحفية.. لأنها تخاطب العقل الجمعي وليس شخصية معينة. أوما يمكن ان يطلق عليه صراع ديكة.. والصحفي المهني النبيل يشمأز احياناً مما ينشر في صحافتنا.. ولعلها حالة فريدة أن تضم صحفنا وبعض وسائل الاعلام الاخرى هذا الكم الهائل الذي يخرج في اوقات كثيرة عن المهنية والموضوعية. هي دعوة اذن لمراجعة النفس.. ولا بد لنا كصحفيين أن نكون موضوعيين.. وأن لا نتصرف وكأننا طبقة فوق الاخرين.. وذلك والله شر البلية وقد يصيب منا مقتلاً.. بل انه ليس من قيمنا أساساُ.
عبد الزهرة الطالقاني
AZP02

















