عودة بطعم الموت

عودة بطعم الموت

بُضع خطوات تفصلها عن مكان الجلبة خلف باب بيتها، اكفهر وجهها كنذير شؤم. اصوات عدة تتعالى، لم تستطع ان تتعرف على احدهم.

نادت: من هناك؟؟ لا احد في المنزل غيري انا الامرأة الطاعنة في السن، ابتعدوا، مبتغاكم ليس هنا، لا احد عندي تثأرون منه.

ردوا عليها بقهقهات افزعت قلبها المنهك.

قال احدهم: افتحي الباب يا شمطاء وتسلمي أمانتكِ.

ما ان سمعت أمانتكِ حتى احست بنبضات قلبها تُهشم اضلاعها العاكفة، وبثقل كثقل الجبال سمرَ قدميها الأرض.

خرجت احرفاً متقطعة من بين شفتيها المتيبستين، يُجهد السامع إذنيه ليلتقطها ( و..ح..ي..د)؟؟

صرخوا بها مرة اخرى بنبرة اكثر غضباً: افتحي الباب وتأكدي من استلامكِ طرد الأمانة، لدينا عمل كثير، ولا وقت لنُضيعه مع عجوز عاهرة لم تلد الا نغل، خنزير.

قلبها الذي انبأها بأن جثة ابنها (وحيد) هي طرد الأمانة هذا !!

حين لم يتلقوا جوابا، قال احدهم: فلنترك الجثة هنا ولنذهب، الوقت يداهمنا ولدينا من العمل الكثير..

سمعت وقع اقدامهم وهم ماضون، لحظات وتلاشت جلبة وقع خطاهم.

اطبق صمتً مفزع على المكان. ارهفت السمع لعل انين او كلمة (يمه) تصل الى مسمعها.

تزداد رعباً كلما امتد الصمت بينهما.

واخيراً، امسكت بمقبض الباب، لم تفتحه.

أنتظرت، تأملت، تمنت ..

ولا غير الخيبة تطرق باب رجائها. نادت بصوت مرتجف: وحيد ابني!!

اجبني يا حبيبي.

لم تسمع جوابا، فأخذت تُحدثه: فلنعقد اتفاقاً يا صغيري، كما كنا نفعل معاً، عندما كنت طفلاً مشاغباً.

كنت حينها ترفض ان تأكل طعامك، لأنني طبخت الباذنجان وانت لا تحبه.

وانا ليس لدي غير الباذنجان اطبخه ليسد رقمق جوعنا. والمال الذي كسبته من عملي اعطيتهُ اجاراً لمالك البيت.

اتذكر ماذا وعدتك يا وحيد؟؟

حسناً، سـاذكرك به وانا على يقين انك تذكره.

وعدتك حينها اذا اكلت طعامك كـطفل طيب، سأشتري لك كرات زجاجية ملونة، كـألوان قوس قزح الجميل، الذي طالما ابرق عينيك البريئتين.

اما اتفاقي معك الان فيختلف يا حبيبي، لأنك كبرت ومن المضحك ان اشتري لك كراتً زجاجة ملونة.

اه لو تعلم ما هو اتفاقي لك، لطرب قلبك فرحاً.

والآن قل لي ( يمه)

اسمعني صوتك الذي اشتاقه كل يوم، طوال الستة اشهر وانا محرومةً منه.

حسناً، لابد انك تريد ان تعرف الاتفاق اولاً.

وهو يا قرة عين أمك ان تطربني بـ ( يمه)، وانا امضي غداً لأخطب لك ( زهرة).

قرة عينك، اميرة احلامك، وسليلة اشعارك.

لما لا تجيب!!

ادارت مقبض الباب وفتحته بيدٍ مرتعشة. رأت وحيداً مرميا على الارض، عاري الصدر، مليء بالكدمات، اخترقت رصاصة صدغيه.

جثت على ركبتيها، رفعته لحجرها واخذت تمسد له شعره. كما كانت تفعل لهُ وهو صغير، تضمه لصدرها وتغني:

دللول.. يالولد يا ابني دللول

يمة.. عدوك عليل وساكن الچول

مروة جمعة – بغداد

مشاركة