علي عباس علوان والشعر العربي
الجواهري نعى حرية الفكر
مهدي شاكر العبيدي
إثر عودتي إلى بلدي من الديار الشامية شرعت في البحث عن سكن يؤويني ببغداد، فوجدته بمنزلٍ متواضعٍ تملكه أرملةٌ هَجرتْه لتقيمَ في دارتها الثانية مستبدلة في ذلك حياً بآخر لعامل لا أتبينه، ولسببٍ لا أدريه، والمهم أنها تعيش في سعة، فكل أمورها ميسرة، ومتطلبات حياتها موفورة، من هنا جاء هذا التساهل من جانبها بخصوص الاتفاق على مقدار الدفع الشهري في مثل هذا الظرف الذي يحف بنا ونعيشه . وما أن باشرت ترتيب أغراضي ولوازمي في حجراته، حتى عثرت في بعضها على كتب مدرسية، فخلتها من متبقيات أولادها المنتظمين في المدارس حتماً، غير أن المفاجأة السارة جاءت هذه المرة من عثوري بثلاثة أسفارٍ مهمةٍ في ركنٍ مهملٍ منها، أولها نسخة من المصحف الشريف الذي تشرفتْ بنشره وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في العراق، وفي شهر رمضان المبارك سنة 1401هـ 1981م، وتمتاز بجودة طباعتها لبروزِ حروف ألفاظها وكبرِ حجمها، مما يروق لعيون ذوي البصر الضعيف، أو مَنْ يشكون من إجهادِها وكلال رؤيتها نتيجة استغراقها في قراءات مضنية سابقة، فهي ترجح من هاته الناحية على سائر ما في حيازتي من نسخ الطبعات السورية والمصرية، وثانيها كتاب المنطق لمؤلفه الشيخ محمد رضا المظفر، ويضم محاضراته الملقات على طلبة منتدى النشر في النجف الأشرف ابتداءً من 1357هـ 1937م، وبطبعتها الرابعة سنة 1982م، بمطبعة حسام ببغداد، وهي نسخة مشابهة للنسخة الأولى المعزوة لمطبعة التفيض ببغداد ايضاً سنة 1367هـ، والتي لي معها ما يشبه الذكرى القديمة، فقد فزت بها في مسابقة أجرتها هيئة تحرير مجلة البذرة التي تصدر عن المنتدى المذكور، والتي شهدت محاولاتي الأُوَل في الكتابة الأدبية سنة 1949م، وهي نشرةٌ ثقافيةٌ أبُتغِيَ منها استحثاث الفتية الدارجينَ على مراس الأدبِ وتَشجيعُهم على مراس الكتابة، وأهديت لي نسخة من كتاب المنطق هذا، وقد فرطت فيه لأني لم أصطبر عل سوغ صفحاته وما تـُـفصِّل فيه من فحاوى المقدمات والنتائج، إبان ذلك العهد المنطوي يوم كانت السن غريرة، كما غاب عني موضوع المسابقة ومناسبتها والتي أحوجت استصدار ما يماثل الفتوى الشرعية، باعتبار أن ما هو متداول ومألوف في المجالس الدينية بأن مسابقات اليانصيب لا تعدو أن تكون نوعاً من المقامرة فهي محّرمة دينياً، غير أن الدخول في المنافسات للحصول على المطبوعات ومن معهدٍ علمي، لا محيص من عدِّه و سلكهِ في عداد المسموحات والمباحات، والكتاب الثالث الذي يبدو ضخماً بعض الشيء رغم انخلاع خمس ملازم منه هي قوام الفصل الأول، هو الرسالة الأكاديمية المتميزة بعمق تحليلها وجدة أحكامها ومتانة تعبيرها وطلاوته معاً، والتي تقدم بها الدكتور علي عباس علوان إلى إحدى الجامعات المصرية لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب، مما سبق أن قرأته في السنين الخالية وبطبعته الأولى، لكن شغلتني ظروف ودواع ٍ عن إيلائه قسطاً من اهتمام وعناية، حتى أجتلي بصورة جدية محتوياته وما انطوى عليه من توصلات دقيقة واستنتاجات علمية هي الغاية في الصحة وتوخي السداد والحقيقة، وتبيان أغراض الشعر الهادفة إلى إنعاش حياة الجمهور، وتطويعه في سبيل معاونته على الظفر بكامل حقوقه، وذلك من وراء إذكاء وعيهِ وإلهاب شعوره وشحذ همتهِ ونزوعهِ للتمسك بها والتفادي دونها، من غير تفريط بجمالية الشعر، وتحاشي أن يجيء كلاماً مهلهلاً متهافتاً ومحتوياً على المعاني السطحية ووجهات النظر المبتذلة، فلابد من جدة ومن ابتكار وتجديدٍ وتخط ٍ لموروثات السابقين من الشعراء، وما بلغوه ووفقوا له من خصائص الفن وشرائط الإبداع.
غير أني تعاملت مع هذه الأسفار الثلاثة بما يحسن من إزالة الغبار المتراكم عليها، ثم الشروع بتغليفها، وتصرفتُ معها كأنها تعود لحيازتي، أو داخلتني رغبة في مصادرتها عملاً بما يجيزه بعض الأدباء من استباحتهم للكتب أينما وجدوها وعثروا بها، وقد حكى لي أديب من الحلة ذات يوم أن أستاذاً جامعياً رحل عن دنيانا، كان يتحاماه أصحاب المكتبات التجارية، ويحسبون لغشيانه محالَهم ألف حساب، ويضنون عليه حتى بالمجاملة الطفيفة العابرة، ذلك أنه لا يَعفُ عن إيداع حقيبته أي كتاب تشوقه قراءته متى ما أنِسَ منهم غفلة، وهنا تملكني صراع نفسي مرير، فقد يهون أمر المصادرة بالنسبة للمطبوعين الأخيرين، لكنها تشق ودونها من الحساب العسير الذاتي بخصوص المذخور الأول، ما لا تتحمله أية نفس، ويطيقه ضمير، ويقبله وجدان، أوَ أسرق كتاب الله الجليل ؟ لا، فلأروض فطرتي على تلاوة هذه السورة منه أو تلك متى ما عنَّ لي العُود إليه من آن لآن، واستعذاب ما يزين حبك آياته البينات وصوغها من سحر وإعجاز، ريثما ألتقي بمالكة الدار وأواجهها بحقيقة الأمر، أتسترد ما أبقته فيها من ودائع أم تجود لي بها جميعاً، وأفيد منها ما أفيد، وأنتفع بها كما أريد ؟
وحين عاودتُ على مطالعة رسالة الدكتور علي عباس علوان هذه، فما ألزمت نفسي بمراعاة الترتيب المنتظم لفصولها، بل آثرت هذا الفصل الذي يتوسطها، وداومت على اجتلائه وتفهمه، وسوغ ما لزمه المؤلف من قياس في تقييم الشعر العربي الحديث في العراق وصولاً إل ما بلغه وأوفى عليه من تطوير وتجديد، وصار إليه من إبداع وأداء فني، ونصول من أيما ترسم واحتذاء للرواسم والشواهد التقليدية، ومحاكاة القدامى في ما وقفوا عنده من خيال محدودة وضيق، وتكلفوه من عاطفة كسيحة، واستشرفوه من تجربة شعورية جدباء لا تلهم بمعنى انساني عميق، أو مقصد داع ٍ إلى الكفاح دون حرية الأوطان، وشاجبٍ لما ينزل بالملأ من امتهان وإجحاف، على نحو ما غلب على الشعر المنظوم في العهود المتأخرة هنا وهناك، حيث أطبق الظلم والهوان على هذه الربوع نتيجة تسلط الأجنبي وخنوع الناس بغالبيتهم، وارتضائهم الذل والمسكنة والسكوت عن غصب حقهم في العيش بعز وكرامة، سوى نفر قليل منهم جرؤ على رفع شكاته مما يعانيه في حياته اليومية، وأثناء تعامله مع حاكميه وأسياده من عنت وحيف، ويُمنى به إن التمسهم في مشكلة أو قضية بالصد والزراية والاحتقار، وجاوزوها إلى الحد الذي ينفذ عنده صبرهم وإغضاؤهم، فيعجلوا عليه بالتبكيت والقمع وكبت الأنفاس كي لا يعود لمثلها، ويواصل شأنه بشبيهتها. وليكن الفصل الثالث الموقوف عل شرح معنى الكلاسيكية الجديدة، وهو عين الفصل المكرس لدراسة شعر محمد مهدي الجواهري، والمخصوص بالقراءة والتدارس والتمحيص، وفيه يشخص المؤلف منقطعاً بكليته لنقد الشعر بأستاذية ومهارة وتألق ٍ وجرأة ٍ منقطعة النظير في إرسال صريح القول أن عموم شعره المنظوم في عهده الأول هو مجرد تقليد ومحاكاة للشعر القديم، لا سيما الشواهد والنصوص المستأثرة بإعجابه من العهود العباسية، ويطمح أن يقتفي أصحابها في تزويقها وتقليدها، ويتوق إلى تقمص أشخاصهم والتخلق بطباعهم وأطوارهم، كما يرغب في أن يجاريهم ويحاكيهم في حظوة نماذجهم ولقياتهم بنصيب من البقاء والديمومة على طرف الألسنة، فتظفر نصوصه هو الآخر بنفس ما ظفرت به من الإعجاب والثناء تلكم الروائع المزدانة بالرصانة اللغوية وتمثيل المواقف الحاسمة والعواطف الجامحة، فتوافر لها من الصدق الشعوري ومواتاة اللفظ المناسب بغية استخدامه في صياغتها وحبكها، ما يباين طريقة نسج الشواهد الجديدة المحاكية لها في ديباجتها وأسلوبها، مما فرغ الجواهري منه أو ارتّد مخيباً في مضاهاته وانتهاجه، ومع ذلك فشعره في هذا الطور الأولي من حياته في أعقاب ثورة العشرين العراقية، شعر مقبول بنظر عامة الجمهور المتطلع يومذاك لسماع صوت الشاعر الذي يؤجج نخوته ويشحذ عزيمته ويفعمه مقتاً ونفوراً وازدراءً للغاصب الأجنبي والغاشم المحتل، من غير اهتمام بالعناصر الفنية والتي ينبغي للشعر النضالي أن يوسم بها في حال، فما يُعهد عن المتلقين العاديين أن يدققوا في ألفاظ الشعر ومواضعها من سياق البيت، أو استجادة ما توفق له الشاعر من الخيال المحلق والعاطفة المشبوبة، ورسمِه صورة نابضة للمفارقات الحياتية كفيلة بأن تضفي على القصيدة قدراً من الخلود والبقاء، إنما يهتم بهذا النظر وينصب عليه تدقيقهم وتحريهم وتذوقهم هم معاشر الدارسين والنقاد.
ورغم أن شعر هذه المدة الزمنية المستغرقة عقداً بكامله، مما ضمَّهُ واحتواهُ الجزءُ الأول من ديوانه بطبعة وزارة الإعلام العراقية، وارتضى الشاعر نفسه ابقاءَه بتمامه، بل أضاف إليه قصائد نُسجتْ في تلك الآونة ولم تُدرَج ضمن محتويات مجموعته المطبوعة سنة 1928م، والتي استهلت بتقييمات وشهادات على روعتها وأسارتها من لدن بعض أعلام عصره الذين أشفق معظمهم أن يُمتحن مثله بالعداوات والمناكدات، يدل بها جماعةٌ من المتغرضين النافسين عليه نبوغَه وشاعريته، حتى انهم نكصوا عن مجاراتِه في تبكيتِ الظلمة والمفسدين والمستأثرين بالحكم وأعوانِهم من الصادعين بإمرتهم، فقد فاتَ أولاء المقيِّمين والمشيدين بموهبته وصراحته في الحق، ومنهم ابن عمته الشاعر القاضي علي الشرقي الذي نصح له أن يُكلِم الناس بابن عم الكلام كي لا تمتد إليه بالنكاية والأذى أيادي السوء، قلت فاتهم أن يومئوا إلى التقريرية والنثرية والابتذال والرداءة مما يشوب نماذج كـ ستبقى طويلاً هذه الأزمات و شيدت قصور على الأجراف جاهزة ، إن لم يقعوا كلهم مسحورين تحت طائلة الإعجاب بما ابتعثته القصيدة الأولى من دوي وهي تعالج موضوعة فتح مدرسة لتعليم البنات في النجف الأشرف، وما لقيته من رفض ومعارضة من قبل هيئات وأوساط معروفة بانغلاقها وتزمتها وتحجر أفهامها، فذمهم كلهم وفضح نفاقهم وشّهر بترخصهم وانتهازيتهم وتفكيرهم الرجعي، فترتب على هذا الشعر التقريعي أن ضجّ العراق بمحافله ومجامعه ومجالسه ومنتدياته جميعاً، وغضب مَن غضب، وسخط مَن سخط على الشاعر الهاجي لاماطته الستر عن ولوغهم في الرذائل والخسائس، مع احجامهم وترددهم في الموافقة على تعليم البنات، فتلقى عتاب الملك فيصل الأول وطلب منه وهو موظف تشريفات أن يكف عن هذه المنابذة، ويقلع عن هذا التحرش، ولا يخلق له المشكلات العويصة في هذا المجتمع الذي ما يزال مصفداً بأغلال الرجعية.
ولا أحد من الكتاب والنقاد المعروفين في تلك الظروف تصدى لتعرية مثل هذا الشعر كونه خلواً من التجويد الفني، ويغلب عليه الإسفاف والعادية.
ورغم تمادي هذا الناقد المتحري وراء العناصر والخصائص الفنية في النسيج الشعري، في دمغ قصائد الجواهري في هذا الطور بالتقليد والمحاكاة، دون أن يستثني منها ولو واحدة تجردتْ من هذه الخصيصة واكتست بلونٍ من الطلاوة والروعة، فإني لتعروني هزة من الطرب والإنغمار في أجواء قصائد من مثل إلى أرواح الشعراء المتمردين التي ينعي فيها مصير حرية الفكر في بلاد الرافدين وكونها مرتهنة بأهواء مرجفة وطويات ٍ مذمومة، هذا إلى تصويرها ما يقاسيه أربابها إن جهروا بالحق من نكال وتعذيب، من عهد بشار الأعمى وإلى الآن، والقصيدة المعنونة ابن الطبيعة الشاذ التي يندب فيها عالم الشعراء وما يحيق بهمم من محنٍ وأزمات مستعصية يطامنون أنفسهم منها بما جبلوا عليه وحُبوا به من رقة الألسن، وقصيدة بعد السكوت التي تمحي من سياقها وتضاعيف كثير من أبياتها تماماً شياتٌ من نثرية، أو نزوعٍ لترسم شاهد قديم خلص له شاعر ما، لتختتم بهذا البيت النادر العجيب بعد الإفصاح عن تذمره وبرمه بالأحوال العامة وإظهاره اعتداده وعناده وكبرياءه وإصراره على ما يبتغي من مرمى ومأمل، إلى أن يصطدم بهذه المفارقة المسبوق إليها في توخي الحكمة منها
على إنها العقبى، فباطل ناجحٍ يحقُ، وحقُ العاثرِ الجد باطل
ولا تقل مستهوناً أنه أشبه في هيئة كلماته وألفاظه وترتيبها ما يرويه البلاغيون في التعقيد اللفظي كقول القائل
وقبر حرب بمكان قفرِ وليس قرب قبرِ حربٍ قبرُ
على أنه سئل مرة كم يبقى من شعرك على مدى الدهر وتستذكره الأجيال القادمة ؟
وكان جوابه تبقى قصائد محدودة بخمس عشرة قصيدة.
مما أنشده في حفل تأبين جعفر أبي التمن وتكريم الوتري، ويوم الشهيد، في مؤتمر الثقافة، يا أم عوف، جمال الدين الأفغاني، يادجلة الخير، عدنان المالكي، أبو العلاء المعري، والبقيةُ الباقية من نتاج مرحلة النضج وطورِ اكتمال الشاعرية وجمعِها بين جودة الشعر وشرف الغاية والمقصد.
حتى إذا حاول المؤلف تناول ظاهرة إيفاء الجواهري عل الإبداع المتناهي والتألق العجيب المبهر لسيطرته على اللغة وحسن تصرفه فيها مع ما أنجدته به مشكلات العالم العربي وأوضاعه المتقلبة من جيشان العواطف وحدة المشاعر، قلت إذ تناول الكاتب المؤلف ظاهرة الإبداع هذه بالاستقصاء والشرح واستخلاص أبين سماتها وملامحها ومواصفاتها، بعد أن وقف عند عناية شاعره بظاهرة الجنس وجنوح بعض الأفراد الساخطين والناقمين على ما تلزمهم به طبيعة مجتمعاتهم المأسورة والرازحة تحت وطأة تقاليدهم الموروثة، بأن يكظموا نزواتهم ويلجموا أهواءهم، ويكبتوا غرائزهم،فلا يدعوها تنطلق خارج ميدانها لتصَيّد أغراضها واقتناصِ لباناتها، فيفصحوا ما شاء لهم الخيال المحلق عن رغبتهم في حياة شبه بوهيمية ينشغلون فيها باجتناء متعهم ولذائذهم غير حاسبين شأناً للجمهور من حولهم وما يتحكم بشؤونه من نزعات الرأي والتفكير ومواضعات الدين، ومر الدارس على هذا الجانب من جموح الجواهري وغلوائه في نزقه وإسرافه وصبواته، محجماً ومحترساً أن يبدو ما يشي باعتراضه على اختيار الشاعر وتفصيله هذه الشاكلة من التعامل حيال المجتمع ونواميسه، ومن ثم التفرد بهذا السلوك الغريب الذي اقفرت منه الديار منذ غياب الشعراء المتهتكين في دولة العباس، بل العكس فقد أثنى على نسج الجواهري لروائعه وانفلاته من نطاق التقليد، وأطنب في امتداح براعته في الوصف، وتؤدته في استيحاء مشاعره وتداعي أشواقه، مما كان يحسبه البدوة للتمكن من صياغة الشعر الفني المكتمل والجيد ومما يتعاصى على أي ناقد أو نويقد مدخول أن يفتري عليه بالانتحال، بينا يسطيع القارئ تلمس شخصيته القوية وكبرياءه العنيفة وتحديه الصارم وشخوصه الذي لا يماري فيه اثنان، إلى آخر ما تسعف به خريدته جربيني .
هنا يعن لنا أن نشاطره في ما انتهى إليه الجواهري من روعة الفن وجمال الصورة وعظمة النسيج ومجاوزة الرصافي الذي انصَّب عليه بعض الحيف والافتيات من استقراءات المؤلف الذي ظلم شعره ببعض الظلم وجّرده من كل تأصيل فني، رغم تمرده وتسخطه على ملابسات عيشه وأوضاع مجتمعه، على حين أن الجواهري نفسه يكرر إعجابه ببعض قصائده وشعره المطبوع في العالم شعر ورثائه للعلامة عبد الوهاب النائب العبيدي وكفى
علماً أني لا أعير شأناً أو أكترث اصلاً بذينك الإسفاف والتهافت الغالبين على صياغة هذا البيت المقفر من أية طلاوةٍ أو زينة
فالصيف أرأفُ بالفقير من الشتا ولذا تحبُ قدومه الفقراء
لكن أي انسانٍ موجوع بلذعات دهره، ومفدوح بمصيباته لا يهتز حين سماعه بهذا البيت من قصيدته خواطر شاعر ، وإن اقتفى في نسجه منوال المتنبي وحاكاه في قافيته ونغمته
لعمرك ما كل إنكسارٍ له جبرُ ولا كل ُ سرٍ يستطاعُ به الجهرُ
ومجمل رأينا بصدد هذه الرسالةِ الأكاديمية المتسمة بالرصانة العلمية التي لا يماري أحد في ثقة مؤلفها بصحة ما عرضه من رأيٍ، وأطلع به من استنتاج، واستشرفه من حقيقة أنها في عينه كتابُ العمر، حتى لا يعيبه أحدٌ لو توقف عن الكتابة، وزهد في التأليف بعدها.
AZP09