علياء العزي رسامة الوجوه الغامضة والأزقة البغدادية القديمة
فيصل عبد الحسن
أبتداء من المعرض التشكيلي الثنائي، الذي كان تحت عنوان تراث المرأة وجمالية المرآة مع الفنانة رواء المرابط أختطت الفنانة علياء العزي لها طريقة مبتكرة في رسم لوحاتها، فهي تركز على الشكل الكلي للوحة، وما تعطيه من أيحاءات لونية، وما تركز عليه من رؤية عميقة للتراث العراقي، بحمولاته الفكرية والعقائدية، فهي تضع في كل لوحة ملامح مدينة عراقية تتشكل ببطء في عمق اللوحة، وتتسع إلى أطرافها، التي يغمرها ضوء باهر، وألوان حارة، وتمتد لتشمل اللوحة بكاملها فتصير مدينة بيوت متراكبة ووجوها لناس ينظرون إلى اللاشيء، وفي نظراتهم دهشة، ممزوجة بالحيرة، وكأنهم يبحثون عن الحب والآمان والفرح .
المنائر والقبب
تقول الفنانة علياء العزي عن هذا التنوع في أختياراتها للتراث العراقي عبر ما ترسمه بقولها في بيلوجرافيا معرضها الأخير الفن التشكيلي هو مرآة الأزمنة لدى الشعوب، وهو النافذة التي أطل من خلالها إلى ذلك العالم الكبير بجماليته ثم تعرج في كلمتها، إلى التراث العربي، فتشير إلى ملامحه المتفردة ولثراء تراثنا العربي بملامحه المتفردة، والتي لها قيمتها بين الشعوب، فقد أكد الفن وبكل أنواعه ذلك، حيث دون فترات حياة الإنسان بمختلف أنماطها وعاداتها وتقاليدها، التي توارثتها الأجيال، وبألواني المتواضعة حاولت أختزال تلك الجماليات التراثية القديمة، وما هو مثير للعاطفة، وبأسلوب معاصر أستخلصت رحيق جمالية التراث العربي، الذي يدون كل تفاصيل الحياة من الأزياء، والأدوات والهندسة المعمارية، والتي على غرارها تقاس أصالة الأمم، وعراقتها بما تمتلك من حضارة وتراث إنساني تتوارثه الأجيال
والفنانة علياء العزي ترى أن حقيقة الوجود الفني للفنان تترسخ في اعماله، وما يتركه بعد مغادرته الحياة، وكل ماله من علاقة بآرث اهله وميثلوجاهم، ووضعهم الحضاري المعاصر، المبني على تراتبيات وأنساق تأريخية موغلة في القدم، وقد حاولت بكل هذا الوضوح الفكري أن تجسد في لوحاتها جميع هذه الأفكار، فهي تترك الرائي إلى لوحاتها فرصة لتأمل الموجودات كألوان وخطوط، فيرى المنائر وقبب الجوامع، والأزقة المظلمة والوجوه الغامضة، لشخصيات تختلط فيها ملابسهم، فهي خليط من أزياء عراقية ومغربية، والأهلة التي تحضر دائما في لوحاتها، وما تمثله من مرموزات دينية، وقيم أجتماعية، من خلال المثيلوجيا العراقية، التي تربط بين تصرفات الناس والوضع المرئي للهلال، منذ بزوغه كهلال، وتدرجه حتى يغدو بدرا مكتملا، وهي تعكس في العديد من لوحاتها محبة خاصة لهلال عيد الفطر المبارك، ولصلاة الفجر في الجامع، والفنانة العزي، التي تخرجت من كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد قسم الفنون التشكيلية، فرع الرسم عام2003، وأكملت تعليمها في المغرب وحصلت على دبلوم عال من المعهد العالي للأعلام والاتصال عام 2009 وعلى الدبلوم عال آخر من المعهد الوطني للفنون الجميلة، قسم التصميم بمدينة تطوان عام 2008، وهي حاليا مسجلة كطالبة ماجستير، علوم سياسية في جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة سلا المغربية.
حب الملوك
لقد جسدت الفنانة في العديد من لوحاتها حنينها إلى وطنها، وذلك ما أظهرته العديد من مشاركاتها الثقافية والفنية وآخرها مشاركتها بلوحاتها في التظاهرة الثقافية في مدينة الرباط تحت عنوان المغتربون التي أشرفت عليها المفوضة السامية لشؤون اللاجئين، وبالتعاون مع مؤسسة شرق غرب للاجئين في المغرب.
والمتابع لمعارض الفنانة سواء في العراق أو في المغرب، والتي بدأتها بمشاركة في معرض مشترك على قاعات اكاديمة الفنون الجميلة في جامعة بغدادعام 2002 ، وفي عام 2003 كانت لها أيضا مشاركة في مهرجان الملتقى العراقي الأول للفنون في مدينة عين بدولة الأمارات العربية المتحدة، وبعد ذلك تكررت مشاركاتها السنوية، ففي عام 2004 شاركت في معرض في رواق عمان في الأردن، وفي عام 2005 شاركت في مهرجان صفروا السادس والثمانين لموسم حب الملوك بمدينة صفروا في المغرب، وفي عام 2006 شاركت في معرض بالمعهد العالي للأعلام والاتصال حول ثيمة الفن التشكيلي والصورة الفوتوغرافية وفي عام 2007 أقامت معرضا للوحاتها في معهد علوم الأعلام في مدينة الرباط، وفي عام 2008أقامت معرضا في المدرسة الاسبانية في مدينة الرباط، وفي عام 2009 شاركت في ورشة الفن التشكيلي والرسم في مهرجان الرباط أفريقيا بدعوة من مؤسسة شرق غرب، وكذلك في عام 2011 أقامت معرضها الثنائي في المركز الثقافي المصري بالرباط، ومشاركتها الأخيرة في فضاء مغتربون لعام2012.
وجوه غامضة
وفي أغلب ما عرضته الفنانة علياء العزي في معارضها المغربية يلاحظ مدى تطور فهمها لثنائية الفنان ومجتمعه فهي دائمة النهل من المجتمع العراقي، وفلكلوره للتعبير عن هموم المرأة العراقية، التي نراها فيما رسمته الفنانة بوجوه خالية من القسمات للدلالة على مدى القهر الذي تعانيه، حتى وهي في المهجر، فهي بلا قسمات محددة، ولا شيء يمكن ان يحدد مدى حزنها أو قبولها لما تعيشه في يومها من ضغوطات الغربة، وضغوطات التقاليد والأعراف الأجتماعية، التي تبقى تعيش في أعماق كل عراقية مهما أبتعدت جسديا عن بلدها العراق، والفنانة العزي تميزت منذ مشاركاتها الأولى في معارض قاعة أكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، التي درست فيها، وحصلت منها على دبلوم اكاديمية الفنون الجميلة، وطبعتها بلونها الخاص في الرسم، الذي تميز بموضاعات غنائية، وألوان متدرجة، ووجوه بشرية غامضة القسمات، ومآذن عالية وسماوات مفتوحة، ومن الملاحظات التي لا تخفى على الرائي ما تعطيه لوحات هذه الفنانة من الأمل، الذي يشعره الرائي في أستخدامها للألوان الساخنة، ولمساحات الضوء المبهر المهمة في كل لوحة، وما يلاحظ من تدفق لوني من كل سينتمتر مربع من اللوحة التي ترسمها، كأنها تعيد تركيب ذاكرتها فتملأها بالوجوه الغامضة الملامح والأزقة البغدادية القديمة.
/9/2012 Issue 4298 – Date 8 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4298 التاريخ 8»9»2012
AZP09