على أرض ممكنة وقصائد أخرى
تونس الزمان
على أرض ممكنة وقصائد أخرى للشاعر التونسيّ حافظ محفوظ
عن دار الأطلسية للنشر في تونس أصدر الشاعر التونسي حافظ محفوظ مجموعة شعرية جديدة تحمل عنوان على أرض ممكنة وقصائد أخرى وهي المجموعة الشعرية العاشرة في رصيده، إلى جانب كتبه النثرية العديدة.
كتبت أغلب قصائد المجموعة الجديدة بعد الثورة التونسيّة، وهي إلى جانب انشغالها بالراهن الحياتي، تصويرا و تجريدا ونقدا، تقدّم للقارئ تجربة مختلفة للشاعر في التعاطي مع الشّأن الإبداعي قد تقطع مع ما عهدناه لدى حافظ محفوظ من غوص في المقدّس و الأسطوري و تطرح إمكانات جمالية تنفتح على اليومي و المهمّش و ترصد تحوّلات سياسية واجتماعية بعين مدرّبة على التقاط المشاهد الانسانية التي تختزل الخوف البديهي من التحوّل المجتمعي و تطرح الأسئلة الحارقة التي ما فتئت تتبلور في المخيال العربيّ. هذا إلى جانب الالتفات إلى الأسلوب الشعريّ و طرائق القول التي تظلّ إحدى أهمّ مميّزات الكتابة لدى الشاعر حافظ محفوظ التي تمثّل ظاهرة متفرّدة في الشعر المغاربيّ خاصّة والعربيّ عامّة.
من قصائد المجموعة
قصيدة على أرض ممكنة
وأنا أرفعُ مفتاحَ الغيبِ أمامَ المارّينَ إلى الدّعواتِ،
سمعتُ عُواءَ الذّئبِ يُبرّئنَا منْ قتْلِ أخِينَا،
ورأيتُ دُموعَ أبي.
الشمسُ يسارَ الزّيتونِ، وراءَ النّهر،
سماءٌ صفراءُ تُعدّ الكرسيّ لسيّدِها،
بحرٌ أسطوريّ يتهيّأ للطيران،
سكاكينُ من الفضّة تهطل فوق سطوح ذاهلةٍ
والعابرةُ العجلى…
ماذا ينقصُ مشهدنا لنقيم المأدبة؟
كلّهنّ هنا حاضراتٌ
بناتُ هرقلَ الثلاثُ،
يغطّين أردافهنّ بسعفِ النّخيلِ
حفيدةُ أورفي،
خليلةُ كسرى الأخيرةُ تنشرُ كُسْكُسَها والطّيورَ على السّقف،
بنتٌ من النّيل كانت عشيقة يوسفَ
والرّاقصاتُ، وعازفةٌ من دمشقَ وأخرى من النّوبياتِ
وسيّدةٌ يتمشّى على ظلّها قمرٌ ضاحكٌ
وأنا أيّتها العابرة العَجلَى..
لم أفتح أغلالي بعدُ ولم أرفع قاماتي
لم أصرخْ في وجه الرّيح خُذيني يا أختي
لم أحضنْ أفق الكون بأجنحتي
ما زلتُ أسمّي هذى الأرضَ بلادي
وهي تديرُ طواحين الخوف أمامي
وتجفّفُ ليموني
ما زلت أمدّ الدّلو إلى البئر صباحا
وأحيّي ساكنها اللاّمرئيَّ ببسملةٍ
ما زلت أداعبُ أغصانَ التينة في خجلٍ
وأقبّلُ ثدييْها
ما زلتُ أحدّق في هذا الطّائرِ، هذا المشدودِ إلى عنقي
ينقرُ أوردتي ويعرّيني
ما زلتُ مُريبًا في عشقي
وأكادُ أقولُ خُذوني
ماذا ينقص مشهدنا لنقيم المأدبة؟
نموتُ لأسبابٍ لا تقنعُ عصفورًا
ونعيشُ لأسبابٍ لا تقنعُ عصفورًا
ونُباهِي بخواء حَواصِلنَا
بغبارِ النسيانِ يلفُّ الوادِي
بالوادي إذْ يَنسَى ضفّته اليُسْرى
تلك المزروعةَ قمحًا وأفراسًا
تلك الممدودةَ شرقًا في هيأةِ فزّاعةِ طيرٍ
تلك العاشقةَ المُثلَى
وأنا ألبسُ سُترةَ حُوذي رومانيّ
وأطوفُ بحاناتِ الأرضِ وحيدًا
وأنا ألبسُ بُرنسَ جدّي
لأصالحَ بين الأمسِ وبينِي
وأخبّئُ في صُندوقِ السرِّ ظنونِي.
والعابرةُ العَجلَى…
فتحتْ منْ أجلِ الشهداءِ مَسارحَها وأضاءتْهَا
يخرج شارلي شبلين يجوب قرى دامعة التاريخ
ويخرج نابوليون أراجوزا مصريّا أحدب،
يخرجُ حنّبعلْ إماما في مسجد مولاي جلالِ الدّين.
AZP09