عقلية الديكتاتور
كان لما سماه بعض المفكرين فشل الديمقراطية وتغلب حكومات الطغيان وقع اليم وتاثير كبير في نفوس عامة المفكرين واعدوه نكسة للامم والعقول . وقد انخدع الكثير بزخرف الدعاية الديكتاتورية وتصريحات الديكتاتور وأباطيله واوهم الناس بان هذا الاسلوب الرخيص هو فلسفة حديثة من فلسفات السياسة ملائمة لمطلب العصر الحاضر ومستلزمات المدنية الحديثة ويربي المجتمع تربية صالحة وان هذا الاسلوب الذي يروج له الدكتاتور ورهطه انما هو وسيلة لعلاج ما يواجه الامم من اعباء ومشكلات ولكن برغم مهارة الدعاية الديكتاتورية ظل كبار المفكرين ينددون بهذا الاسلوب الرجعي العتيق من اساليب الحكم وان بدأ في ثوب قشيب ليستر عيوبه . واعلنوا ان هذا النظام الديكتاتوري انما هو خنق حرية التفكير وتكبيل الخيال وارهاق النفوس وافساد المجتمع واستعباده ليقتات الديكتاتور على دماء الاخرين وتعاستهم ويمكّن جماعته والمطبلين له ويثير فيهم بواعث الاجرام والاغتيالات وحوك الدسائس للفتك بمخالفيهم بالراي .
ويتجه المربون في التعليم الى ان الغاية هي استقلال التفكير وحرية الراي والقدرة على تكوين الشخصية القوية التي تعتمد الافكار الصائبة البعيدة عن مؤثرات الدعاية وبواعث الاغراء التي يتبعها النظام الديكتاتوري ويعمل الديكتاتور وبطانته على سحق كل امتياز فردي والقضاء على كل نزعة للتفكير الحر وانماء الشخصية ويشجع الديكاتور في عمله هذا المفكرون المنكوبون للخضوع للديكتاتور والذين يشك في اخلاصهم لارائهم وتحريم الحق فيما يقررون . وقد جربت الامم التربية القائمة على هذا النمط العسكري والخضوع للفرد الديكتاتور فوجدته يؤدي الى عبودية العقل وانحطاط التفكير وفقدان القدرة على الابتكار ويستلزم هذا ظهور محطمي الاصنام والثائرين على الاوثان ومثل ذلك واضح في التربية فالاب الذي ينشئ ابنه على ان يعتمد عليه في كل شيء يقضي على ابنه بان يظل طفلا عاجزا حتى عندما يبلغ سن الرجولة ويبقى كل عمره خاضعا لارادة غيره فهل يقال ان هذا الاب نجح في تربية ابنه اذا كان النجاح هو الطاعة العمياء والخضوع المطلق وفقدان الشخصية والقدرة على التفكير . ففي راي العقلاء ان هذا الاب قد جنى على ابنه وخان واجب الابوة الحقة وكذلك في النظم السياسية فالنظام الذي يعتبر الشعب تحت الوصاية ولا يقيم وزنا لعقول المواطنين وافكارهم ولا يرضى منهم باقل من الخضوع والاستسلام لابد ان يكون نظاما فاسدا مهما طبل له دعاته واشادوا به . ومما لاشك فيه فان صاحب العقل الخاضع والنفس الذليلة لا يتوق الى الحق ولا يرغب في الحرية ولا يحرص على الاستقلال . وعمل المربين والكتاب والقادة والزعماء والسياسيين هو ان يجنبوا بلادهم خطر عقلية الديكتاتور وبطانته وهو عمل من اقدس الاعمال في هذا الوقت الذي كثرت فيه الاباطيل وزائف الاراء . وعقلية الديكتاتور الجامدة وتفرده في القرار هو الذي مكنه من توريط الامة ووضعها في المآزق المؤلمة ضانا ان لا احد يشد طرفه اليه او يناقشه او يحاسبه على اخطائه وجرائمه هو وبطانته ، ان القرارات والقوانين اذا اديرت في اماكن محاطة باسوار عالية ومنيعة تكون نظرية الامة مصدر السلطات مجرد هراء في محيط تلك الحكومات المتسلطة . ان ثورات التحرير التي قامت على مدى التاريخ كان سببها تسلط الطغاة والمتجبرين فالشعوب لن تهدأ ابدا ولن يبقى الا صوت الشعب وان هذا العصر هو ما يسمى بعصر الشعوب الذي اصبح فيه المواطن اساس البناء الديمقراطي .
لفته عباس القره غولي – ذي قار
/9/2012 Issue 4308 – Date 19 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4308 التاريخ 19»9»2012
AZPPPL